دعوة الأصدقاء في الغرب بين الخوف من الإرهاب ورجاء الهداية

Consultation Image

الإستشارة 22/10/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ، أعيش في ألمانيا للدراسة والعمل، ومنَّ الله عليَّ بالاستقامة والمحافظة على ديني في هذه البيئة. ولديَّ شبكة من الأصدقاء الألمان وغير المسلمين، وهم أناس طيبون، تجمعني بهم علاقات احترام ومودة ومصالح مشتركة.

الحقيقة التي لا تفارق قلبي أنني أرى فيهم خيرًا وأخلاقًا، ولكني أتذكر مصيرهم الأبدي ما لم يعرفوا حقيقة الإسلام. نار داخلي تشتعل بين أمرين:

الأول: الخوف الشديد من سوء الفهم أو الاتهام. ففي ظل الأجواء الحالية في أوروبا، مجرد الحديث بجدية عن الإسلام ودعوة غير المسلمين قد يُفسَّر بشكل خاطئ على أنه "تطرف" أو "تجنيد" أو يضعني تحت أعين الجهات الأمنية، مما قد يُهدد مستقبلي ووجودي هنا.

الثاني: الخوف على مصير أصدقائي ومحبتي لهم ورغبتي الصادقة في هدايتهم وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد. أشعر بالتقصير في واجب التبليغ.

فكيف أوازن بين الأمان الشخصي وواجب الدعوة؟ ما هي أفضل الطرق الشرعية والعملية للدعوة في بيئة غربية كهذه، بحيث تكون دعوتي حكيمة ومؤثرة وبعيدة عن أي شبهة؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 22/10/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بك أيها الأخ الحكيم الموفَّق.

 

سؤالك هذا يدل على فقه عظيم ووعي نادر بموازنة المصالح والمفاسد في الدعوة، وهذا هو عين الحكمة التي أُمرنا بها. فكونك تعيش بين نارين هو دليل على إخلاصك وحرصك على دينك ودين إخوانك، فثبّتك الله وأعلى همّتك.

 

واعلم أن الدعوة إلى الله في الغرب هي عبادة عظيمة، ولكنها تتطلب فقهًا خاصًّا، ندرسه لطلابنا في الأزهر الشريف؛ حيث يجب أن تُقدِّم فيها المصلحة الكبرى وتدفع المفسدة الأكبر.

 

التأصيل الشرعي والدعوي (الغاية والوسيلة)

 

1. الحكمة والرفق هما الأساس: إن الدعوة إلى الله يجب أن تكون قائمة على القاعدة القرآنية: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة)، والحكمة هنا تعني وضع الكلام المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. كما قال النبي لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما حين بعثهما إلى اليمن: "يسِّرا ولا تُعسِّـرا، وبشِّـرا ولا تُنفِّرا" (متفق عليه). والدعوة ليست واجبًا يُؤدّى فحسب، بل هي فنّ يقتضي الرفق والتيسير.

 

2. لا حرج في تقديم دفع الضرر على نفع الهداية: قاعدة المصالح والمفاسد الشرعية تقول: "دَرْءُ المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح". إذا كان الإفراط في الدعوة الصريحة يُعرِّضك لخطر حقيقي يُهدد دينك أو حياتك أو إقامتك، فهنا يُشرع لك التخفيف والتبليغ بالتي هي أحسن، بل أحيانًا بالصمت الحكيم ريثما تهيئ الظروف المناسبة.

 

الخطوات العملية الحكيمة للدعوة في ألمانيا

 

1. الدعوة بالقدوة والأخلاق (النموذج الصامت/ الدعوة الصامتة): في البيئات التي يسودها الخوف من الإسلام، يكون العمل أهم من القول. اجعل أخلاقك هي رسالتك الدعوية الأولى. فصدقك في التعامل، التزامك بالمواعيد، إتقانك للعمل والدراسة، نظافتك الشخصية، واحترامك للقوانين، كل ذلك يُعطي عن الإسلام صورة ناصعة تُهدّئ المخاوف وتفتح القلوب. كثير من الناس أسلموا في أوروبا بسبب التعامل الراقي للمسلم.

 

2. دعوة "نقاط الاتفاق" و"القيم الإنسانية": بدلاً من البدء بالخلافات العقدية الصارخة، ابدأ بالقيم المشتركة التي يُقدّرها الغرب: العدل، الرحمة، الأخلاق، التوازن البيئي، حقوق الإنسان، ونصرة الضعيف. اشرح كيف أن الإسلام هو مصدر هذه القيم. هذا أسلوب يُبعد الشبهة ويُقرّب القلوب من الله.

 

3. استخدام الوسائل الرسمية والمقبولة محليًّا ابتعد عن الأساليب التي تُفهم خطأً، ووجّه أصدقاءك إلى مصادر محايدة موثوقة باللغة الألمانية:

 

- مراكز إسلامية رسمية: اترك مهمة "التفاصيل العقدية" للمراكز الإسلامية المعتدلة التي تتحدث الألمانية ولديها تصريح بالدعوة.

 

- كتب ومقالات محترمة: أهدِ لهم كتبًا عن الإسلام كتبها مفكرون ألمان أو مترجمة بلغة محترمة لا تُثير الحساسيات.

 

- الإجابة عند السؤال فقط: لا تبادر دائمًا بالدعوة، بل انتظر سؤالهم عن سبب صلاتك، أو عن موقف الإسلام من موضوع معين، ثم اجب بوضوح وهدوء.

 

4. تجنب الخوض في السياسة والصراعات: افصل تمامًا بين الدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله وبين الخوض في القضايا السياسية المعاصرة أو الصراعات الإقليمية التي تُثير الحساسيات، فمهمتك هي هداية القلوب لا تغيير الحكومات.

 

الإخلاص والنية الصادقة

 

وختاما أنصحك أخي الكريم:

 

أن تجعل الإخلاص والنية الصادقة هي سلاحك الأول، فالهداية بيد الله. كن داعية بأخلاقك قبل لسانك. لا تُحمِّل نفسك ما لا تطيق، وتذكر أن التبليغ ليس هو الإكراه. قُم بما عليك من حكمة ورفق، وادعُ لهم بظهر الغيب، فإنما أنت مكلف بالسير لا بالوصول كما يقولون.

 

وأسأل الله أن يحفظك من كل سوء، وأن يجعل إقامتك في ألمانيا خيراً وبركة، وأن يفتح على يديك قلوب أصدقائك للإيمان، وأن يجعل دعوتك حجة لك لا عليك، وأن يرزقك الحكمة في القول والعمل.

 

روابط ذات صلة:

كيف أدعو إلى الله في بلاد الغرب رغم ضعف علمي وقلة خبرتي؟

نعاني من دعوة المسلمين في بلد غير إسلامي.. القلوب أولًا

الرابط المختصر :