الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : قضايا التعدد
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
96 - رقم الاستشارة : 2702
17/09/2025
السلام عليكم، أنا زوجة ثانية وقد أكد لي زوجي أنه يكره طليقته واستحالة أن يردها لذلك قبلت به، فأنا امرأة شديدة الغيرة لكنه خلف وعده وقام بردها ويقول لي إن ذلك من أجل طفله، ومن وقتها وأنا أشعر بنار في قلبي وأنا أتخيلهما معا.
واليوم وأنا أتابع تفاصيل السيدة التي قتلت زوجها وأولاده الستة بالخبز المسموم لأنه قام برد زوجته الأولى، كنت أشعر بالتماس العذر لها، وطبعا لم أبح بذلك لأي مخلوق، لكنني خائفة بالفعل من نفسي ومن مشاعري، فهل أتركه لها وأطلب الطلاق علما أنني حامل؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة في موقعك البوابة الالكترونية للاستشارات.
المشكلة -يا عزيزتي- ليست في مشاعر الغيرة في حد ذاتها، فهي مشاعر طبيعية للغاية، وهي في حدودها الطبيعية أحد المؤشرات على الحب وقد تمنح الحياة الزوجية قدرًا من الشغف والإثارة وتبعد عنها الرتابة والروتين الذي قد يصل حد البرود دونها.
لكن -أنت عزيزتي- تصفين غيرتك بأنها شديدة وهذا الوصف من قبل أن يرد زوجك زوجته الأولى وهذه علامة خطر على صحتك النفسية بالتأكيد.. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافيك من شر مشاعر الغيرة الشديدة وأن يطهر قلبك، وأنت أكثري من الدعاء والتضرع لله أن يعافيك من هذه المشاعر التي تجهد القلب وتؤصل الهم والحزن.
لا تستهيني -أختي الكريمة- بالدعاء فهو سلاحك لراحة قلبك، وعندما خطب النبي ﷺ السيدة أم سلمة ترددت وكان من ضمن أسباب ترددها أنها "امرأة غيرى"، أي أنها شديدة الغيرة، والنبي له زوجات أخريات، وهذا الأمر سيضاعف بالتأكيد من غيرتها، فكان رد الرسول ﷺ: "أما قولك إني امرأة غيرى فسأدعو الله لك فيذهب غيرتك".
لذلك احرصي –غاليتي- على الدعاء وأن يذهب الله ما أنت فيه، ولا تكوني كبعض النساء التي تتمسك بمشاعر الغيرة والألم كجزء من هويتها الخاصة.
خدعك ولكن
أنا أعلم أنك غاضبة وحزينة وخائفة وقلقة، فأنت تشعرين بمزيج متنوع من المشاعر السلبية الناتجة من أن زوجك خدعك عندما أكد لك أنه لا يفكر مطلقًا في إعادة زوجته الأولى وأنه يكرهها وعلى الرغم من ذلك أعادها ووضعك أمام الأمر الواقع، وزاد من شعورك بالغضب أنك حامل بالفعل، وهذا سيجعل الخيارات أمامك صعبة.
وبالفعل أخطأ زوجك في تأكيده أمرًا غير صحيح لك، لكن هذا ما حدث بالفعل، وعلينا أن نواجهه، ولا يعني ما قاله أنه تعمد الكذب عليك، ولعله كان يتحدث عن مشاعره الصادقة وقتها، ولكن تدخل آخرون وناقشوه بالعقل عن مصلحة الصغير فقرر العودة إليها وربما هو لا يزال يكرهها ولا يحبها ولكنه أعادها من أجل طفله.
على أي حال مناقشة مشاعره نحوها لا تُجدي ولن تفيدك، بل إن أحد أسباب غضبك الشديد وغيرتك القاتلة أنك تتذكرينها كثيرًا وتتخيلين وجودهما معا، ولا بد لهذا أن يتوقف، وإليك طريقة فعالة كي يتوقف هذا البرنامج السلبي للتفكير:
* إذا بدأت بالتفكير في علاقة زوجك مع زوجته الأخرى فقولي لنفسك توقفي بصوت هامس.
* اقبضي كفيك بقوة ثم ابسطيها كإشارة لعقلك غير الواعي أن على هذه الفكرة الرحيل.
* فكري في أمر آخر، قولي لنفسك أهم شيء هو صحتي النفسية وصحة جنيني.
* مارسي شيئًا عمليًّا إيجابيًّا كأن تتوضئي وتصلي.. أو تقومي بترتيب ما في البيت.. أو حتى تقومي بالتمشية داخل البيت.. الهدف أن تنشغلي عن الفكر بشيء عملي.
* كرري ذلك كلما هاجمتك هذه الأفكار.
* إن استمرت الأفكار رغم ذلك فجربي الكتابة وناقشي أفكارك ومشاعرك على الورق، فهذه الطريقة تقوم بعمل تفريغ انفعالي مريح للغاية.
* لو استمرت الأفكار أكثر من ذلك فلا بديل عن زيارة معالجة نفسية والحديث معها.
على أي حال لا أريدك أن تتخذي قرارًا خطيرا كالطلاق وأنت في فترة الحمل، حيث تغير الهرمونات يؤثر على مشاعرك وانفعالاتك ويجعلك أكثر حساسية، وبالتالي فأفكارك ستكون مشوشة، لذلك إذا كانت هذه الأفكار مسيطرة عليك وغير قادرة على زيارة معالجة نفسية فأجّلي اتخاذ قرار حتى تضعي حملك وتنتهي فترة نفاسك، واكتبي لنا في أي وقت كما تشائين فستجدين منا آذانًا صاغية وعقولاً وقلوبًا متفهمة إن شاء الله تعالى.
قاتلة زوجها وأولاده
بالنسبة للجريمة التي أشرت إليها والتي حدثت في محافظة المنيا المصرية، حيث أقدمت زوجة على وضع مبيد حشري في الماء التي عجنت به الخبز وقدمته لأولاد زوجها من امرأة أخرى لأنه أعاد زوجته منذ نحو شهرين فمات الأولاد جميعا ثم مات الزوج أيضا؛ فهذه بالتأكيد جريمة شنيعة وبشعة كانت الغيرة القاتلة غير المتحكم فيها هي الدافع الأساسي فيها.
أختي الفاضلة، إذا كانت الغيرة مشاعر طبيعية حتى حد معين فإذا تجاوزته كانت غيرة مرضية ولكن يبقى صاحبها واعيًا مستبصرًا، وهنا يقوم الشيطان بالنفث في تلك القلوب المريضة بالغيرة فتشتعل أكثر وتتضاعف كالسرطان في مراحله الأخيرة فتنقل من القلب للعقل، ويبدأ التدبير الواعي لارتكاب الجرائم، وما كانت جريمة ابن آدم الأولى على هذه الأرض إلا بدافع الغيرة المرضية هذه.
قاتلة المنيا لم تخطط لقتل ضرتها بل لقتل أطفالها الذين يتحجج بهم الزوج لرد أمهم، فما ذنب هؤلاء الأطفال؟ إذا كانت جريمة القتل جريمة بشعة وكبيرة من أكبر الكبائر حتى لو كانت الضحية مستفزة أو متآمرة أو سخرت من الجاني أو أهانته فهذا كله ليس مبررًا لسلب الحياة.
فما بالك إذا كان الضحية طفلا بريئًا لم يرتكب الذنوب بعد.. طفل بريء وثق في زوجة الأب هذه لأنه يثق بكل البشر، فما بالك وهذه السيدة قالوا له عنها إنها بمثابة أمه الثانية وعليه احترامها والثقة فيها.. لم يكن طفلاً واحدًا بل ستة أطفال ماتوا تباعًا حتى لحقهم الأب في النهاية، جريمة تقشعر لها الأبدان تم التخطيط لها بدماء باردة وذهبت تبكيهم واحدًا تلو الآخر كأنهم أطفالها حتى تبعد الشبهة عن نفسها، فكيف تقارنين نفسك بها عزيزتي؟
لقد استنكر عقلك على الفور مشاعرك التي تعاطفت معها والتمست لها العذر، ليس لأنك ترينها معذورة ولكن لأنك تقدرين دافع الغيرة الحارقة التي تكوي القلب وتشتت العقل فقلت لنفسك إنها بالتأكيد كانت في لحظة غياب عن الوعي، والأمر ليس كذلك، فلقد أكد الأطباء النفسيون الذين عاينوها أنها كانت في كامل قواها العقلية وهي تخطط وتنفذ هذه الجريمة.. كانت مستبصرة -يا عزيزتي- ولكنها باعت روحها للشيطان لم تفكر حتى في طفلها الرضيع الذي تقتل إخوته حتى تستأثر بأبيه فمات الرجل وينتظرها القصاص فمصير طفلها ليس بأفضل من مصير إخوته.
أختي الكريمة، استجيبي لعقلك الذي يحذرك من مشاعر فاترة أمام جريمة بشعة كهذه، فحاولي استشعار مدى بشاعتها حتى لا تشعري أنك تخسرين إنسانيتك بسبب الغيرة..
ناقشي مشاعرك –عزيزتي- واهتمي بأفكارك، وادعي الله أن يحفظك ويحفظ جنينك، وفي نهاية الأمر كل الخيارات متاحة لك بما فيها الطلاق والبعد عن هذه الحياة إن خشيت أن تفتني في دينك.. فقط لو تنتظرين بعض الوقت حتى تهدأ انفعالاتك وتأخذي وقتك في التفكير حتى لا تساورك مشاعر الندم في وقت لا ينفع فيه الندم..
أسعد الله قلبك ورزقك الطمأنينة وراحة البال، وفي انتظار رسالتك القادمة.
روابط ذات صلة: