الأشهر الحرم وأحكامها الشرعية

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : علوم القرآن والحديث
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 213
  • رقم الاستشارة : 2986
18/10/2025

ضمن دراستي لموضوع القيم الدينية في المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده، لفت انتباهي مصطلح "الأشهر الحرم". أبحث عن شرح موثوق يوضح ما هي الأشهر الحرم في الإسلام، مع ذكر أدلتها الشرعية، وهل لها أحكام شرعية خاصة بها؟ وما أثرها على حياة العرب قديمًا وحديثًا؟

الإجابة 18/10/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فما دمت دارسًا وباحثًا فإن ما نكتبه لك هنا لا يكفي، فهذه صفحة مخصصة للإجابة عن الأسئلة التي يبحث الناس عن الحكم الفقهي فيها، لكننا على أية حال سنذكر لك بعض أحكامها العامة، وهذا لا يغني عن الرجوع إلى المراجع التاريخية المعتمدة.

 

والأشهر الحرم هي أربعة أشهر من السنة الهجرية اختصها الله سبحانه وتعالى بمزيد من التشريف والتعظيم. وقد ذكرها الله في كتابه الكريم بشكل واضح: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ (سورة التوبة: 36).

 

وهذه الأشهر كان يعظمها العرب قبل الإسلام في كثير من الأحيان، وكانوا يتحايلون عليها أحيانا، فجاء الإسلام فأقرها وشدد التحريم على من يتلاعب بها.

 

تحريم القتال

 

كان العرب يتوقفون عن الحروب والغارات والثأر خلال هذه الأشهر، حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يمسه بسوء. كان هذا التحريم بمثابة هدنة اجتماعية تتيح لهم الأمان في السفر والتجارة وأداء الحج والعمرة إلى بيت الله الحرام.

 

ومع مرور الزمن، بدأ بعض العرب يتحايلون على هذا الحكم. فإذا أرادوا القتال في شهر محرم مثلاً، كانوا يعلنون تأجيله ويحلونه، ويجعلون شهر صفر هو الحرام بدلاً منه. وهذا هو "النسيء" الذي ذمّه القرآن وحرّمه؛ لأنه تلاعب بشرع الله بأهوائهم: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾ (سورة التوبة: 37).

 

أول من نسأ

 

يقول ابن عاشور – رحمه الله – في تفسير هذه الآية:

 

وأحسن ما روي في صفة ذلك قول أبي وائل أنّ العرب كانوا أصحاب حروب وغارات فكان يشقّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها فقالوا لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نُصيب فيها شيئاً لنهلِكَنّ.

 

وسكت المفسّرون عمّا نشأ بعد قول العرب هذا، ووقع في بعض ما رواه الطبري والقرطبي ما يوهم أنّ أوّل من نسأ لهم النسيء هو جنادة بن عوف وليس الأمر ذلك لأنّ جنادة بن عوف أدرك الإسلام وأمر النسيء متوغّل في القدم، والذي يجب اعتماده أنّ أول من نسأ النسيء هو حذيفة بن عبد نعيم أو فقيم ــــ (ولعل نعيم تحريف فقيم لقول ابن عطية اسم نعيم لم يعرف في هذا). وهو الملقب بالقَلَمَّس ولا يوجد ذكر بني فقيم في «جمهرة ابن حزم» وقد ذكره صاحب «القاموس» وابن عطية.

 

قال ابن حزم أول من نسأ الشهور سرير (كذا ولعلّه سري) بن ثعلبة ابن الحارث بن مالك بن كنانة ثم ابن أخيه عدي بن عامر بن ثعلبة. وفي ابن عطية خلاف ذلك قال: انتدب القلمس وهو حذيفة بن عبدِ فقيم فنسأ لهم الشهور. ثم خلفه ابنه عبّاد. ثم ابنه قُلَع، ثم ابنه أمية، ثم ابنه عوف، ثم ابنه أبو ثمامة جنادة وعليه قام الإسلامُ، قال ابن عطية كان بنو فقيم أهل دين في العرب وتمسُّكِ بشرع إبراهيم فانتدب منهم القلمس وهو حذيفة بن عبد فقيم فنسأ الشهور للعرب.

 

وفي «تفسير القرطبي» عن الضحّاك عن ابن عباس أول من نسأ عَمْرو بن لُحَي (أي الذي أدخل عبادة الأصنام في العرب وبحر البحيرة وسيّب السائبة). وقال الكلبي أول من نسأ رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة.أ.هـ.

 

ونوصي الباحث مراجعة كتب التفسير المعتمدة كتفسير القرطبي وابن كثير والتحرير والتنوير وغيرها في تتبع الأحكام الخاصة بالأشهر الحرام .

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

الأشهر الحُرُم.. ما هي؟ وكيف نستفيد منها إيمانيًّا؟

الأشهر الحرم.. معناها وحكمتها واستثمارها في الدعوة إلى الله

الأشهر الحُرُم حرمة الله وحرمة المؤمن

بين ظلم النفس والتوبة في الأشهر الحُرُم

هل الإثم مضاعف في الأشهر الحرم؟

ظلم النفس في الأشهر الحرم

 

الرابط المختصر :