ترتيب السور في المصحف بين التوقيف والتوفيق

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : علوم القرآن والحديث
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 264
  • رقم الاستشارة : 3028
22/10/2025

هل ترتيب السور في المصحف توقيفي أم توفيقي ، بمعنى هل هو اجتهاد من الصحابة ، أم أن الرسول هو الذي رتب هذه السور في حياته ولا يجوز التقديم فيها ولا التأخير ؟

الإجابة 22/10/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالتوقيفي يعني أن الأمر تم بوحيٍ من الله وأمرٍ مباشر من النبي ﷺ، ولا مجال للاجتهاد فيه، والتوفيقي أو الاجتهادي يعني أنه تم باتفاق واجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم، بناءً على ما تعلموه من النبي ﷺ في مسألة ترتيب سور المصحف.

 

ثلاثة أقوال

 

وقد اختلف أهل العلم على ثلاثة أقوال رئيسة، الرأي الأول: يرى أن كل ترتيب السور في المصحف تم بوحي من جبريل وأمر من النبي ﷺ، والثاني يرى أن كل سور القرآن الكريم تم ترتيبها باجتهاد من الصحابة، والثالث يرى أن بعض السور تم بوحي وأمر من النبي ﷺ والبعض الآخر  تم باجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم.

 

ترجيح الرأي الأول

 

وبعد أن استعرض الشيخ مناع القطاع – رحمه الله – في كتابة الماتع مباحث في علوم القرآن  الآراء الثلاثة رجح القول الأول، وهو أن كل ترتيب السور في المصحف كان بوحي وأمر من النبي ﷺ.

 

يقول الشيخ مناع القطان:

 

اختلف العلماء في ترتيب السور:

 

أ- فقيل: إنه توقيفي، تولاه النبي ﷺ كما أخبر به جبريل عن أمر ربه، فكان القرآن على عهد النبي ﷺ مرتب السور، كما كان مرتب الآيات على هذا الترتيب الذي لدينا اليوم، وهو ترتيب مصحف عثمان الذي لم يتنازع أحد من الصحابة فيه مما يدل على عدم المخالفة والإجماع عليه.

 

ويؤيد هذا الرأي أن رسول الله قرأ بعض السور مرتبة في صلاته، روى ابن أبي شيبة: أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصل في ركعة، وروى البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: "إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي" فذكرها نسقا كما استقر ترتيبها.

 

ب- وقيل: إن ترتيب السور باجتهاد من الصحابة بدليل اختلاف مصاحفهم في الترتيب.

 

مصحف "علي" كان مرتبًا على النزول، أوله: اقرأ، ثم المدثر، ثم ن والقلم، ثم المزمل وهكذا... إلى آخر المكي والمدني. وكان أول مصحف ابن مسعود: البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران. وأول مصحف أُبي: الفاتحة، ثم البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران.

 

وقد روى ابن عباس قال: "قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال، فقال: كان رسول الله ﷺ تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا أنزل عليه شيء دعا بعض من يكتب فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها، فقبض رسول الله ﷺ ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال".

 

جـ- وقيل: إن بعض السور ترتيبه توقيفي وبعضها باجتهاد الصحابة: حيث ورد ما يدل على ترتيب بعض السور في عهد النبوة، فقد ورد ما يدل على ترتيب السبع الطوال والحواميم والمفصل في حياته ﷺ. وروي أن رسول الله ﷺ قال: "اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران"، وروي أنه كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين.

 

تعقيب وترجيح من الشيخ مناع القطان

 

إذا ناقشنا هذه الآراء الثلاثة يتبين لنا أن الرأي الثاني الذي يرى أن ترتيب السور باجتهاد الصحابة لم يستند إلى دليل يعتمد عليه. فاجتهاد بعض الصحابة في ترتيب مصاحفهم الخاصة كان اختيارًا منهم قبل أن يُجمع القرآن جمعًا مرتبًا، فلما جمع في عهد عثمان بترتيب الآيات والسور على حرف واحد واجتمعت الأمة على ذلك تركوا مصاحفهم، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لتمسكوا بها.

 

وحديث سورتي الأنفال والتوبة الذي روي عن ابن عباس يدور إسناده في كل رواياته على "يزيد الفارسي" الذي يذكره البخاري في الضعفاء، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور. كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه. ولذا قال فيه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه بمسند الإمام أحمد: إنه "حديث لا أصل له". وغاية ما فيه أنه يدل على عدم الترتيب بين هاتين السورتين فقط.

 

أما الرأي الثالث الذي يرى أن بعض السور ترتيبها توقيفي، وبعضها ترتيبه اجتهادي. فإن أدلته ترتكز على ذكر النصوص الدالة على ما هو توقيفي. أما القسم الاجتهادي فإنه لا يستند إلى دليل يدل على أن ترتيبه اجتهادي. إذ إن ثبوت التوقيفي بأدلته لا يعني أن ما سواه اجتهادي، مع أنه قليل جدًّا.

 

وبهذا يترجح أن ترتيب السور توقيفي كترتيب الآيات. قال أبو بكر بن الأنباري: "أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدنيا، ثم فرقه في بضع وعشرين، فكانت السورة تنزل لأمر يحدث، والآية جوابًا لمستخبر، ويوقف جبريل النبي ﷺ على موضع الآية والسورة، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي ﷺ فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن".

 

وقال الكرماني في "البرهان": "ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وعليه كان ﷺ يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه. وعرضه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين. أ. هـ باختصار وتصرف.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

حكم التزام ترتيب المصحف في الصلاة

 

الرابط المختصر :