الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : علوم القرآن والحديث
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
82 - رقم الاستشارة : 2755
23/09/2025
ورد في الصحيححين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (إنها ستكون بعدي أثرةٌ، وأمور تنكرونها!) قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم) متفق عليه. فهل معن هذا الحديث أنه لا يجوز الخروج على الحكم مطلقا حتى لو أكل أموالنا وضرب ظهورنا كما ورد في حديث آخر
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فآفة الفتوى من بعض الدعاة إلى الله أنها تقف عند حديث واحد أو آية واحدة، يأخذ منها الحكم الفقهي إما لأنه وافق ما يريد قوله، أو أنه الأسهل أو المتاح أو المباح، ولا يعرف خطورة الفتوى وصعوبتها خاصة في هذا الزمان.
الحكم الفقهي
والحكم الفقهي يؤخذ من مجموع الآيات والأحاديث، ويُرجع في فهم الآيات والأحاديث إلى رجال التفسير وعلماء الحديث الثقات.
والصواب في فهم هذه الأحاديث أن أخذ المال وضرب الظهر يكون في الحق لا في الباطل، فما ضرب النبي ﷺ أحدًا ولا أخذ مال أحد إلا بالحق، وعلى سنته سار الخلفاء الراشدون من بعده، والحديث يتكلم في أنه ما ينكر على الحكام ليس في كبيرة من كبائر الدين، وأنهم يؤدون للأمة الحد الأدنى من الحقوق والواجبات التي عليهم.
والآيات متواترة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].
ويقول تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110].
ويقول تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 78 و 79].
وهذه الآيات عامة في الحكام وغيرهم، أما السنة فقد جاءت واضحة ومبينة ومفسرة، يقول النبي ﷺ الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله ﷺ قال: لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. ويقول ﷺ: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
طلب الصحابة من الناس
وقد تواترت الأخبار عن أصحاب رسول الله ﷺ وهم أفهم الناس بالقرآن الكريم وسنة نبيه ﷺ أنهم طلبوا من الناس أن يعينوهم ما داموا على الحق، فإن حادوا عنه قوموهم ولو بالسيف!
روى أبو يعلى والطبراني عن أبي قبيل قال: خطبنا معاوية في يوم جمعة فقال: إنما المال مالنا والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا ومن شئنا منعنا، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن شهد المسجد فقال: كلا بل المال مالنا والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا، فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس إني تكلمت في أول جمعة فلم يرد عليّ أحد، وفي الثانية فلم يرد عليّ أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله، سمعت رسول ﷺ يقول: سيأتي قوم يتكلمون فلا يرد عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة؛ فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا عليّ أحياني أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم. أ. هـ.
وقد روى البخاري في التاريخ الكبير أن عمر قال يومًا في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فعاد مرتين، أو ثلاثًا، قال بشير بن سعد: لو فعلت قوّمناك تقويم القدح، قال عمر: أنتم إذن أنتم.
والله تعالى أعلى وأعلم.
روابط ذات صلة: