هل مجرد حبنا للنبي ﷺ كافٍ للنجاة رغم الكبائر؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : التوبة والإنابة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 66
  • رقم الاستشارة : 3504
07/12/2025

أنا شاب مبتلى بمعاصٍ كثيرة وأفشل دائمًا في التوبة، لكن عندي حب جارف للنبي ﷺ وأُكثر من الصلاة عليه، وأعتمد بقلبي على شفاعته يوم القيامة، وأقول لنفسي: «لن يتركني رسول الله».

هل هذا أمن من مكر الله؟

وهل تنفع الشفاعة شخصًا مصرًا على الكبائر مثلي؟

الإجابة 07/12/2025

مرحبًا بك يا ولدي، وأسأل الله أن ييسر أمرك، ويشرح صدرك، ويغفر ذنبك، وأن يجعل حبك لرسوله الكريم نورًا وهداية لك في الدنيا والآخرة، وبعد...

 

محبة النبي ﷺ مفتاح الخير:

 

إن حبك للنبي ﷺ وإكثارك من الصلاة عليه هو من أعظم الأعمال والقربات. قال رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» [رواه البخاري].

هذا الحب الصادق هو علامة خير، وهو بذرة التغيير التي يمكن أن تنمو وتثمر توبة نصوحًا. والصلاة على النبي ﷺ كنز عظيم، قال ﷺ: «مَن صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً، صلَّى اللهُ عليه عَشْرَ صلواتٍ، وحُطَّتْ عنه عَشْرُ خطيئاتٍ، ورُفِعَتْ له عَشْرُ درجاتٍ» [رواه النسائي]. وهي سبب لكفاية الهموم وغفران الذنوب.

 

هل هذا أمنٌ من مكر الله؟

 

ولدي الحبيب، إن اعتمادك بقلبك على أن رسول الله لن يتركك، دون بذل الجهد الصادق في ترك المعاصي والتوبة هو أمر يجب أن ننظر إليه بعين الشرع:

 

إن الإيمان الحق يقوم على جناحين: الخوف والرجاء. والرجاء المحمود هو الذي يدفعك إلى العمل الصالح والتوبة، فترجو رحمة الله ومغفرته وأنت مجتهد في طاعته.

 

أما الرجاء المذموم، فهو الأمن من مكر الله، بمعنى أن تتمادى في المعصية معتمدًا على سعة رحمة الله أو شفاعة نبيه، دون أن تسعى للتوبة والإقلاع عن الذنب. وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم: ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: 99]. فمكر الله يعني استدراج العبد بالنعمة مع إصراره على المعصية، ثم أخذه بغتة.

 

والعبد المؤمن يجب أن يجمع بين الخوف من عذاب الله إن أصر على معصيته، والرجاء في رحمته ومغفرته إن تاب وأناب. فمن غلَّب الرجاء على الخوف أمن مكر الله، ومن غلَّب الخوف على الرجاء قنط من رحمة الله، وكلاهما مذموم.

 

التناقض بين العمل والاعتقاد:

 

إن محبة النبي ﷺ تقتضي اتباع سنته وطاعته، وطاعته تكون في اجتناب ما نهى عنه. قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].

 

فالاستدلال بالحب ورجاء الشفاعة على الاستمرار في المعاصي هو تعطيل لمقتضى المحبة. كيف تقول: «أحب النبي» وأنت تخالف أمره، وتضع نفسك في مواطن سخط الله التي نهى عنها النبي ﷺ؟!

 

على سبيل المثال: لو أن ابنًا يحب أباه حبًّا جمًّا؛ لكنه يعصي كل أوامره وينتهك كل محاذيره، ثم يقول: «أبي لن يتركني ولن يعاقبني». إن هذا الابن لم يفهم معنى الطاعة التي هي جزء لا يتجزأ من المحبة.

 

هل تنفع الشفاعة شخصًا مصرًّا على الكبائر؟

 

إن مذهب أهل السنة والجماعة هو ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر من أمة محمد ﷺ الذين ماتوا على التوحيد. قال رسول الله ﷺ: «شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتي» [رواه أبو داود]. وقال أيضًا: «أُعطيتُ خمسًا... وأُعطيتُ الشَّفاعةَ، فادَّخرتُها لأمَّتي» [رواه البخاري].

 

هذه النصوص تبعث على الرجاء العظيم، وهي دليل على سعة رحمة الله وفضل نبيه ﷺ. فبفضل هذه الشفاعة يخرج من النار من دخلها من الموحدين بسبب ذنوبه.

 

لكن هذه الشفاعة ليست حقًّا مطلقًا يتوهم العبد أنه يمتلكه بمجرد المحبة؛ بل هي مشروطة بشرطين عظيمين:

 

1- إذن الله للشافع: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 255].

 

2- رضا الله عن المشفوع له: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ﴾ [الأنبياء: 28].

 

والرضا يكون عن أصل الدين والتوحيد، وعدم الإصرار على المعصية دون توبة. فإذا كان العبد مصرًّا على الكبائر، مستهينًا بأمر الله، فلا يجوز له أن يعتمد على الشفاعة سببًا للإصرار على الذنب.

 

إن الشفاعة تكون لمن تاب، أو لمن غلبته نفسه؛ لكنه كان بين خوف ورجاء، ولم يستحل محرمًا، ولم يكن آمنًا لمكر الله.

 

تُب الآن:

 

أنت يا ولدي الآن حي ترزق، وباب التوبة مفتوح أمامك. فلا تنتظر الشفاعة لتكون سببًا لخروجك من النار؛ بل اجعل التوبة سببًا لعدم دخولك إليها أصلًا.

 

إن الإصرار على الكبيرة قد يؤدي إلى سوء الخاتمة، وقد يحول بينك وبين الشفاعة؛ فالتوبة هي الفرض الحتمي الذي لا يسقط عنك. قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

 

أنصحك يا ولدي أن تنقل حبك إلى عمل، أن تجعل حب النبي ﷺ حافزًا لك على ترك ما يُغضبه.

 

كرر المحاولة ولا تيأس. إن فشلك المتكرر في التوبة ليس دليلًا على أن الله لا يريد بك خيرًا؛ بل هو ابتلاء ليرى صدقك. كلما عدتَ إلى الذنب، عُد إلى التوبة فورًا.

 

وفي الحديث الشريف: «أذنب عبدٌ ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي» [رواه مسلم]. وكررها ثانيةً وثالثةً.

 

فيا ولدي، قلبك الذي ينبض بحب النبي ﷺ هو كنز ثمين. فلا تسمح لليأس أن يتسلل إليك، ولا تسمح للاعتماد الخاطئ على الشفاعة أن يمنعك من التوبة الآن.

 

اعمل الآن ليوم القيامة، وتُب إليه توبة نصوحًا، واجعل محبة النبي ﷺ دافعًا لترك المعصية وملازمة الطاعة. وإذا فعلت ذلك، فقد جمعت بين العمل الصالح والرجاء الصادق، وعندئذ تكون شفاعة حبيبك المصطفى لك أرجى وأقرب.

 

أسأل الله أن يتقبل منك صالح الأعمال، وأن يغفر لك ما مضى، وأن يعينك على نفسك، وأن يجعلك رفيقًا لنبيه ﷺ في الفردوس الأعلى.

 

روابط ذات صلة:

حب النبي ﷺ لأمته

رحمة النبي بأمته.. أعظم صور الحنان والرأفة في الإسلام

الرابط المختصر :