كيف ينال سائق النقل الثقيل حسن الخاتمة؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : التوبة والإنابة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 32
  • رقم الاستشارة : 3516
11/12/2025

أنا سواق نقل ثقيل، وشغلي بيخليني أشوف حوادث بشعة جدًا على الطريق. وعلى طول مرعوب من موت الفجأة وسوء الخاتمة. ببقى خايف ربنا ياخد روحي وأنا غفلان، أو متعصب ومتنرفز وأنا سايق... خايف أقوم يوم القيامة على الحالة اللي مت عليها. هل الخوف من سوء الخاتمة ده دليل على الإيمان؟ ولا مجرد وسوسة شيطان؟  وإزاي الواحد يضمن إن ربنا يرزقه حسن الخاتمة وهو ممكن يموت فجأة؟

الإجابة 11/12/2025

مرحبًا بك أخي الكريم، وأسأل الله أن يحفظك في حلك وترحالك، وأن يجعل مركبتك سببًا في كسب الحلال ونفع العباد، وأن يكتب لك السلامة في طريقك، وحسن الخاتمة في آخرتك، وبعد...

 

فإن مهنة «سائق النقل الثقيل» لا شك في أنها مهنة شاقة، وأنت «تضرب في الأرض تبتغي من فضل الله»، وهذا في حد ذاته عبادة تؤجر عليها. أما ما تراه من حوادث، وما تشعر به من خوف، فهو بمنزلة رسائل ونُذُر، ينبغي تلقيها من قِبلك بما يعود عليك بالنفع دنيويًّا وأخرويًّا. وتعالَ نتناول أسئلتك بشيء من التفصيل.

 

هل الخوف من سوء الخاتمة دليل إيمان أم وسوسة؟

 

اعلم أخي الحبيب أن الخوف من سوء الخاتمة هو علامة صحة الإيمان، وليس وسوسة شيطان، بشرط أن يكون خوفًا دافعًا للعمل؛ لا دافعًا لليأس.

 

إن القلب الميت لا يخاف ولا يبالي، أما القلب الحي الموصول بالله فهو الذي يقلق من المصير. الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- وهم خير القرون، كانوا أشد الناس خوفًا من سوء الخاتمة، لأنهم عرفوا الله حق المعرفة.

 

ويقول الله –تعالى- واصفًا عباده المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 60 و61]. وسألت السيدة عائشة رسول الله ﷺ عن هذه الآية: «أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُمْ» [سنن الترمذي].

 

متى يكون وسوسة؟

 

يصبح هذا الخوف وسوسة من الشيطان في حالة واحدة: إذا جعلك تيأس من رحمة الله، أو تترك العمل، أو يصيبك بالاكتئاب المقعد عن السعي. فالشيطان يريد أن يحزنك ليقعدك، أما الله فيريدك أن تخافه لتلجأ إليه. فاجعل هذا الخوف دافعًا يسوقك إلى الله، لا جدارًا يحجبك عنه.

 

موت الفجأة.. نقمة أم رحمة؟

 

إنك ترى الحوادث وتخاف أن تُخطف روحك فجأة دون مقدمات تمهلك للتوبة. هنا يجب أن نصحح المفهوم الشرعي لموت الفجأة، فهو للمؤمن رحمة، وقد ورد أن النبي ﷺ سئل عن موت الفجأة، فقال: «رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ» [رواه أحمد].

 

فالمؤمن الذي يعيش حياته في طاعة، ويصلي، ويتقي الله، ويأكل حلالًا، إذا جاءه الموت فجأة، فقد رحمه الله من سكرات الموت الطويلة وألم المرض، وانتقل من تعب الدنيا إلى راحة الآخرة فورًا.

 

واعلم يا أخي أن العبرة ليست بـ «كيف تموت»، بل العبرة بـ«على أي حال كنت تعيش». فالله أعدل من أن يخذل عبدًا عاش له طائعًا بأن يقبضه على سوء خاتمة لمجرد أنه مات فجأة.

 

الخوف من الموت أثناء «العصبية» والبعث عليها

 

ذكرتَ خوفك من الموت وأنت «متعصب ومتنرفز» بسبب الطريق، وخوفك من حديث: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» [رواه مسلم]. ولتهدئة روعك في هذا الجانب، تأمل الآتي:

 

1- غضب الطبع وغضب المعصية:

 

الغضب البشري الناتج عن ضغط الطريق، إذا لم يتبعه (كما نرى كثيرًا مع الأسف) سبٌّ للدين، أو قذف للمحصنات، أو ظلم للعباد، فهو من الضعف البشري الذي يُرجى تجاوزه. الله لا يحاسبنا على الانفعال اللحظي الذي لا نملك دَفعه، ولكن يحاسبنا على ما نقول ونفعل بناءً عليه. ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].

 

2- الخواتيم ميراث السوابق:

 

إن الله أكرم من أن يضيع عمل عبده المؤمن عند الموت، فإذا كنت محافظًا على صلواتك، بارًّا بوالديك، أمينًا في عملك، وتكثر من ذكر الله، فمن المستبعد جدًّا -بحكم عدل الله ورحمته- أن يقبضك في تلك اللحظة العابرة من الغضب. إن الخاتمة الحسنة هي «مكافأة نهاية الخدمة» لمن أخلص في العمل.

 

كيف تضمن حسن الخاتمة وأنت في قلب الخطر؟

 

بما أنك سائق وتقضي ساعات طويلة خلف المقود، فهذه فرصة ذهبية لتجعل قُمرتك (كابينة القيادة) محرابًا للعبادة، وهذا هو الضمان الأكيد لحسن الخاتمة حتى لو جاء الموت بغتة، ولتحقيق هذا أنصحك بالآتي:

 

1- النية تحوِّل العادة إلى عبادة:

 

جدِّد نيتك كل صباح: «الخروج للسعي على رزق عيالك بالحلال لتعفهم، وتقضي حوائج الناس بنقل بضائعهم». فبهذه النية، يتحول عملك كله لعبادة في ميزان حسناتك. قال ﷺ: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» [صحيح الجامع]. ومن مات في سبيل الله فخاتمته خير.

 

2- اجعل الذِّكر رفيقك:

 

أنت تملك وقتًا لا يملكه غيرك. فاستثمر لسانك بتعويد نفسك على الاستغفار والتسبيح والذِّكر أثناء القيادة. تخيل لو قُبضت روحك في حادث –لا قدَّر الله- وأنت تتمتم: أستغفر الله، أو: لا إله إلا الله؟

 

يقول الله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]. ومن ذكره الله عند الموت، ثبَّته. ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27].

 

3- صنائع المعروف تقي مصارع السوء:

 

روي عن النبي ﷺ أنه قال: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ» [رواه الطبراني]. فاجعل لك «خبيئة» (عمل سر) تمثل معروفًا بينك وبين الله لا يعلمه أحد سواه سبحانه. كصدقة، أو مساعدة لزميل، أو مجرد إعطاء الطريق حقه. فهذه الأعمال هي الدروع التي تحميك من الميتة السيئة.

 

4- كثرة الدعاء بالثبات:

 

كان أكثر دعاء النبي ﷺ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» [رواه الترمذي]. فالله هو الممسك بالقلوب، فارجه أن يمسك قلبك على الخير ويثبته حتى تلقاه.

 

الخلاصة يا أخي الكريم: اطمئن وطب نفسًا، فخوفك هذا نور في قلبك، فحافظ عليه ولا تدعه يتحول لظلام اليأس. وموت الفجأة للمؤمن تخفيف ورحمة، والله يحاسبك على غالب حالك، لا على لحظة انفعال عابرة، ما دمت تجاهد نفسك. اجعل الذكر رفيقك الدائم، وصنائع المعروف تأمينك الشامل ضد مصارع السوء.

 

أسأل الله أن يحفظك بحفظه، وأن يرزقك توبة قبل الموت، وشهادة عند الموت، وجنة وحريرًا بعد الموت.

 

روابط ذات صلة:

في سن الستين.. هل ثمَّة علامات تدلُّ على حُسن الختام؟

الشهوة تغلبني وأخشى سوء الخاتمة.. الندم وحده لا يكفي

الرابط المختصر :