الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : التوبة والإنابة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
19 - رقم الاستشارة : 3004
19/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله،
أنا كنت ما أفوّت فرض أبد، والصلاة كانت هي راحتي وطمأنينتي، والحمد لله على كل حال.
بس للأسف، لي فترة 7 شهور صارت لي انتكاسة قوية، وصرت تاركة الصلاة بالكامل.
أحس إني ضعت، وخايفة مرة من ربي. ضميري يأنبني لدرجة مو طبيعية، أحس الدنيا سوداء بعيوني، وما فيني حيل أرجع وأبدأ من جديد.
أنا مرهقة من ضغوط البيت والأولاد، ومشاكل مع زوجي، وهذا يمكن السبب.
كيف أقدر أرجع لربي وأصلي وأتوب وألاقي الطمأنينة مرة ثانية؟ أبغى خطوات سهلة أبدأ فيها عشان ما أنتكس مرة ثانية.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مرحبًا بك أختي الكريمة، وأشكر لك ثقتك بنا، ومراسلتك لنا، وأسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يزيل همك، ويشرح صدرك، وينير دربك، ويردك إليه ردًّا جميلًا، وينعم عليك بالسكينة والطمأنينة، وبعد...
فاطمئني -أولًا- أختي الفاضلة، فمجرد شعورك بالذنب وتأنيب الضمير والخوف من الله هو علامة خير، ودليل على أن بذرة الإيمان ما زالت حية في قلبك. وإن هذه الانتكاسة التي تمرين بها من سبعة أشهر ليست نهاية الطريق، بل هي كبوة عابرة، تخرجين منها إن شاء الله سريعًا. ولا تُشعري بالضياع أبدًا وأنت على هذه الحال؛ فالضياع الحقيقي هو فقدان الرغبة في العودة إلى الله، أما أنت، فها أنت تبحثين عن طريق الرجوع.
إن إحساسك بأن الدنيا سوداء في عينيك، مع الإرهاق من ضغوط الحياة، لهو فهم عميق ووعي واقعي بسبب ابتعادك؛ فالصلاة هي الوقود الذي يُعين على تحمل هذه الضغوط، وعندما ينضب هذا الوقود، نشعر بالعجز والإرهاق والتيه.
رحمة الله الواسعة
ودعينا نتفق على أمر مهم جدًّا: إن الله أرحم بك من نفسك، وتوبتك ورجوعك إليه محبوبة منه، وينتظرها منك سبحانه، فهو -عز وجل- يفرح بتوبة عبده، يقول ﷺ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ» [رواه مسلم].
فلا تستسلمي للشيطان الذي يريد أن ييئسك من رحمة الله لتبقى حالتك كما هي. الله تعالى يقول: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]
تأملي كلمة «أَسْرَفُوا»، إنها تشمل كل ذنب مهما عظُم، والرحمة تسبق الغضب. وتذكري قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم أتم المائة بعابد جاهل يأَّسَه من رحمة الله، ثم تاب الله عليه؛ لأن قلبه أراد التوبة! فكيف بك وأنتِ ابنة طاعة وصلاح سابقين!
الصلاة راحتك من الضغوط
ظنك أن ضغوط البيت والأولاد والمشاكل الزوجية هي سبب انتكاستك هو تحليل صحيح وواقعي. فالصلاة في بدايتها قد تكون شاقة على النفس المرهَقة، قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]، ولكنك مع ذلك تحتاجين إلى الصلاة؛ لا لتكون عبئًا جديدًا؛ بل لتكون راحة وطمأنينة كما كانت في السابق.
تخيلي الصلاة وكأنها استراحة مُحارب، خمس دقائق تسحبك فيها الصلاة من ضوضاء الدنيا إلى هدوء حضرة الله، لتتأسي بالنبي ﷺ الذي كان يتعامل مع الصلاة بهذه النظرة، فيقول لمؤذنه بلال رضي الله عنه: «يا بلالُ، أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها» [رواه أبو داود].
خطوات العودة العملية:
نبدأ متدرجين خطوة بخطوة، حتى لا تعودي إلى الانتكاس مرة أخرى، فالأعمال القليلة الدائمة أحب إلى الله من الكثيرة المنقطعة:
* توبة صادقة بقرار القلب:
الآن، وفي هذه اللحظة، اتخذي قرارًا بالعودة للصلاة. لا تُؤجليها إلى الغد. قومي وتوضئي وصلي ركعتين توبة لله، وإن لم تستطيعي الصلاة الآن، فلتكن توبتك بلسانك وقلبك، مع العزم على ألا تنقطعي عنها أبدًا.
* قضاء ما فاتك بالتدريج:
لا تُحمّلي نفسك عبء قضاء صلوات أشهر الانقطاع جملة واحدة؛ فهذا سيجعلك تشعرين بالإرهاق قبل البدء. ابدئي الآن بالحفاظ على الفرائض الحاضرة في أوقاتها، ثم اقضي ما تستطيعين تدريجيًّا مما فاتك حتى تنتهي، وأفضل وأيسر السبل في ذلك أن تقضي صلاة فائتة مع كل صلاة حاضرة. ومن الأمانة أن أخبرك أن هناك رأيًا فقهيًّا يقول بعدم وجوب القضاء بعد التوبة، وإنما يجب الالتزام بعدها، مع الاستغفار، والإكثار من النوافل.
* غيِّري نظرتك للصلاة:
حوِّلي الصلاة في قلبك من واجب ثقيل إلى لقاء مع الحبيب (ربك سبحانه وتعالى)، وقتك الخاص معه، تبثينه شكواك وهمومك وحاجاتك. وبعد السلام، اجلسي وناجي ربك بكل ما في قلبك من مشاكل الزوج والأولاد وضغوط الحياة. اشكي له تعبك وإرهاقك، واطلبي منه الفرج والتيسير وإذهاب الهم والحزن، فهو وحده القادر على ذلك، جل وعلا.
* الدعاء المُلِح:
ادعي في كل وقت: «اللهم ردني إليك ردًّا جميلًا»، و«يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك»، و«اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
وختامًا أختي الطيبة، إن طريق العودة مُيسَّر ومُضيء بفضل الله، فلا تسمحي لليأس أن يسيطر عليك. ابدئي اليوم، ولا تنتظري الغد، مع خالص دعائي لك بالتوفيق والثبات.
روابط ذات صلة:
«الصلاة ثقيلة عليَّ وصعبة».. إرشادات عملية