الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : التوبة والإنابة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
335 - رقم الاستشارة : 2166
22/07/2025
السلام عليكم
أعتذر عن هذا السؤال المحرج.
لقد وقعت في الزنا مع فتاة أثناء دراستي الجامعية، وانقطعت صلتي بها تمامًا منذ سنوات طويلة. ثم ندمت وتزوجت وأنجبت.
ولكن هذا الذنب لا يزال يؤرقني ليل نهار، وأخشى عواقبه في الدنيا والآخرة.
فماذا أفعل كي يطمئن قلبي وأتخلص من هذا التفكير؟
أكرر اعتذاري وأشكركم.
أهلاً وسهلاً بك أيها السائل الكريم، وبارك الله فيك على الثقة التي منحتنا إياها بمراسلتنا، ونسأل الله العلي القدير أن يفرج همك، ويشرح صدرك، ويغفر ذنبك، ويوفقك لكل خير في الدنيا والآخرة، وبعد..
فاعلم -يا أخي- أن سؤالك هذا ليس محرجًا أبدًا في ميزان رحمة الله الواسعة؛ فالقلب المؤمن إذا أخطأ، فإنه يجد في نفسه لوعة وندمًا، وهذا الشعور الذي ينتابك هو علامة خير، فهو نابع من فطرتك السليمة التي تأبى المعصية، ومن إيمانك الذي يدفعك لطلب الصفح والمغفرة. فلا تيأس أبدًا من رحمة الله، فإن الله -سبحانه وتعالى- هو الغفور الرحيم، وهو يحب التوابين ويحب المتطهرين.
لقد وقعت –لا شك- في ذنب عظيم، وهو الزنا -نسأل الله لنا ولك العافية- وهو من الكبائر التي حذّر منها الله ورسوله ﷺ. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]. وهذا التحذير الشديد يدل على خطورة هذا الفعل وتبعاته الوخيمة على الفرد والمجتمع. ولكن، رغم عظم الذنب، فإن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، ورحمة الله تسع كل شيء.
كيف يطمئن قلبك وتتخلص من هذا التفكير؟
إن طريق الطمأنينة والتخلص من هذا التفكير المؤرق يكمن في التوبة الصادقة والعودة إلى الله بقلب منيب، مع الأخذ بالأسباب التي تزيل أثر الذنب وتجلب السكينة لقلبك. وإليك الخطوات التي نرجو أن تعينك بإذن الله:
أولًا- التوبة النصوح الصادقة:
هذا هو المفتاح الأول والأعظم لراحة قلبك. والتوبة النصوح هي التي تجتمع فيها شروط ثلاثة أساسية:
1- الندم على ما فات: أن تشعر بالأسف الشديد والندم العميق على فعل هذا الذنب، وتتمنى لو أنك لم تفعله أبدًا. وهذا الشعور بالندم هو أساس التوبة. وقد قال رسول الله ﷺ: «الندم توبة» [رواه ابن ماجة].
2- الإقلاع عن الذنب فورًا: وهذا قد تحقق لك بقطع صلتك بمن زنيت معها منذ سنوات طويلة. وهذا دليل على صدق توبتك.
3- العزم على عدم العودة إليه أبدًا: أن تعقد العزم في قلبك على ألا تعود إلى هذا الذنب أو ما يقرِّب منه في المستقبل، وأن تجعل هذا الذنب درسًا لك يدفعك لتقوى الله أكثر.
واعلم أن الله –تعالى- يفرح بتوبة عبده، كما جاء في الحديث الشريف: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» [رواه مسلم]. فكيف تيأس وأنت تعلم أن ربك يفرح بتوبتك؟
ثانيًا- الإكثار من الاستغفار والدعاء:
اجعل الاستغفار بصيغه المتعددة رفيق دربك، في كل وقت وحين. وأكثر من الدعاء بطلب المغفرة والرحمة، وأن يطهر الله قلبك من أثر هذا الذنب. قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 110]. وثق تمامًا بأن الله سيغفر لك إذا صدقت في توبتك واستغفارك.
ثالثًا- الإكثار من الحسنات الماحية:
إن الحسنات تذهب السيئات، فاجعل حياتك مليئة بالأعمال الصالحة التي تُكفِّر الذنوب وترفع الدرجات، ومنها:
1- الصلاة: حافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها، وأكثر من النوافل. قال رسول الله ﷺ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» [رواه مسلم].
2- الصدقة: تصدق بما تستطيع؛ فالصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
3- قراءة القرآن وذِكر الله: اجعل لك وردًا يوميًّا من القرآن، وأكثر من الأذكار والتسبيح والتهليل.
4- بر الوالدين وصلة الرحم: وهذه من أعظم القربات إلى الله.
5- تربية أبنائك تربية صالحة: اجتهد في غرس القيم الإيمانية والأخلاق الحميدة فيهم، فإن صلاحهم سيكون صدقة جارية لك.
رابعًا- الثقة المطلقة في رحمة الله ومغفرته:
إن الشيطان قد يحاول أن يوسوس لك باليأس من رحمة الله، ليظل هذا الذنب يؤرقك. فإياك أن تستسلم لوساوسه. تذكر دائمًا قول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]. إنها بشرى عظيمة لكل مذنب، فمهما بلغت ذنوبك فإن رحمة الله أوسع.
خامسًا- الستر على نفسك:
بما أن هذا الذنب كان بينك وبين الله، وقد انقطعت صلتك بالفتاة منذ سنوات، فلا داعي لأن تفكر في إخبار أي أحد بهذا الأمر، ولا سيما زوجتك. فالله سترك، وعليك أن تستر على نفسك. إن التوبة تجُبُّ ما قبلها، أي تمحو الذنب وكأنه لم يكن.
ركِّز على حاضرك ومستقبلك، على أسرتك وأبنائك، وعلى بناء علاقة قوية مع الله.
سادسًا- اليقين بأن الله قد غفر لك:
متى ما صدقت في توبتك، فتيقَّن أن الله قد غفر لك. لا تدع الشك يتسلل إلى قلبك. هذا اليقين سيجلب لك الطمأنينة والسكينة التي تبحث عنها. إن الله كريم لا يُخلف وعده.
يا أخي الكريم، إن ما تمر به هو ابتلاء، وهو أيضًا فرصة عظيمة لتجديد إيمانك وتقوية صلتك بخالقك. لقد رزقك الله بزوجة وأبناء، وهذه نعمة عظيمة تستوجب الشكر والحمد، وتستدعي منك أن تكون خير قدوة لهم. اجعل هذا الذنب دافعًا لك لتكون أقرب إلى الله، وأكثر حرصًا على طاعته، وأشد خوفًا من معصيته.
تذكر أن الله تعالى يبدل السيئات حسنات لمن تاب وآمن وعمل صالحًا. قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الفرقان: 70]. فليس الله يغفر الذنب فقط؛ بل يبدل السيئات حسنات بفضله وكرمه.
وختامًا -أيها الأخ الفاضل- لا تيأس من روح الله. إن الله معك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد. توكل عليه بصدق، وأكثر من الدعاء، واجتهد في الطاعات، وسترى كيف يفتح الله لك أبواب رحمته، ويشرح صدرك، ويزيل عنك كل هم وقلق. عش حياتك بقلب مطمئن، واعلم أن الله قد غفر لك ما مضى بتوبتك الصادقة.
نسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يرزقك السكينة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، وتابعنا بأخبارك.