23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 17
  • رقم الاستشارة : 1094
22/02/2025

أنا شاب أحاول ألتزم بديني وأتوكل على رب العالمين في كل أموري، بس مرات أحس إني مو قادر أفرق بين التوكل اللي يرضي الله والتواكل اللي مو صحيح. أحيانًا أحس إني مستسلم لفكرة "كل شي بيد الله" بدون ما أبذل جهد كافي، ومرات ثانية أحس إني معتمد على الأسباب لدرجة إن قلبي يتعلق فيها أكثر من اعتماده على الله.

شلون أقدر أوازن بين التوكل والأخذ بالأسباب بالشكل الصحيح؟ وشلون أعرف إني متوكل بحق مو متواكل؟ بعد، شنو تأثير التوكل الصادق على نفسية الإنسان وسعيه في الحياة، خصوصًا وقت الشدائد وفي موضوع الرزق والشغل؟

الإجابة 22/02/2025

حياك الله أخي الكريم، وأسأل الله أن يثبتك على طريقه، ويزيدك نورًا وبصيرة، ويرزقك حسن التوكل عليه كما يحب ويرضى، وبعد...

 

فإن مسألة التوكل هي من أعظم مسائل الإيمان، فهي تمس العلاقة القلبية بين العبد وربه، وهي التي تحدد كيف يسير الإنسان في هذه الحياة بين جهد بشري محدود، وقوة إلهية مطلقة.

 

كثيرون يخلطون بين التوكل والتواكل، وبين السعي والاعتماد على الأسباب، فتراهم إما مهملين تحت ذريعة أن «الأمر بيد الله»، أو مفرطين في التعلق بالأسباب حتى تصبح قلوبهم أسيرةً لها، فكيف نصل إلى التوازن الصحيح؟

 

أولًا- معنى التوكل وحدوده المشروعة:

 

التوكل في حقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده، مع بذل الأسباب التي شرعها الله. فهو يجمع بين يقين القلب في تدبير الله، وبين حركة الجوارح في السعي والعمل.

 

وقد بيَّن النبي ﷺ ذلك في حديث جميل، حين قال لرجل أراد ترك ناقته دون ربطها اتكالًا على الله: «اعقِلها وتوكل» [رواه ابن حبان]. أي اربطها بالأسباب المتاحة لك، ثم فوِّض الأمر لله، فلا تفريط في الأخذ بالأسباب، ولا إفراط في الاعتماد عليها.

 

أما التواكل، فهو ترك العمل والجهد بحجة أن الله هو المدبر، وهذا منافٍ لسنة الله في الكون؛ إذ إن الله أمر بالسعي، وجعل النجاح مرتبطًا ببذل الجهد: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ [النجم: 39].

 

وفي المقابل، فإن المبالغة في التعلق بالأسباب حتى يصبح القلب معتمدًا عليها أكثر من اعتماده على الله، تُدخل الإنسان في نوعٍ من الشرك الخفي، قال تعالى: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [هود: 88].

 

ثانيًا- كيف نحقق التوازن بين التوكل والأخذ بالأسباب؟

 

1- اعمل بالأسباب المشروعة ولا تتكل عليها وحدها. اتخذ كل وسيلة متاحة لك، ولكن اجعل قلبك متعلقًا بالله، وكن على يقين بأن النتيجة ليست بيدك، بل بيد الله.

 

2- بعد بذل الجهد، سلِّم الأمر لله بقلب مطمئن، ولا تشغل بالك بالنتائج بعد أن فعلت ما في وسعك؛ لأن الرزق والتوفيق بيد الله. قال النبي ﷺ: «لو أنَّكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله؛ لرزقكم كما يرزق الطيرَ: تغدو خماصًا وتروح بطانًا» [رواه الترمذي]. لاحظ أن الطير لا تبقى في أعشاشها، بل تخرج وتسعى، لكنها لا تحمل همَّ الرزق، بل تتركه على الله.

 

3- وازن بين الأخذ بالأسباب والرضا بالقضاء حين تسعى. افعل ذلك بحماس وإتقان، ولكن لا تجعل سعادتك أو خوفك مرتبطين بالنتائج، بل اجعل يقينك أن ما قدره الله لك هو الخير.

 

4- اجعل الدعاء جزءًا من سعيك، فكما أنك تستخدم الوسائل المادية، استخدم الوسائل الروحية، فادعُ الله أن يبارك في جهدك، كما قال النبي ﷺ: «احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ» [رواه مسلم].

 

ثالثًا- علامات التوكل الصادق

 

لتعلم أنك على الطريق الصحيح، تأمل هذه العلامات:

 

* قلبك مطمئن مهما كانت النتائج؛ لأنك فعلت ما عليك وفوضت الأمر لله.

 

* لا تشعر بالخوف الشديد أو القلق المفرط على المستقبل؛ لأنك تعلم أن الأمور بيد الله.

 

* لا تترك العمل، ولكنك أيضًا لا تجعل العمل مصدر سعادتك أو قلقك.

 

* حين تفشل في أمرٍ ما، عليك ألا تنهار، بل تتقبل ذلك برضا وتسعى من جديد.

 

رابعًا- أثر التوكل الحقيقي على النفس والحياة:

 

1- راحة القلب وانشراح الصدر:

 

من توكل على الله حقًّا عاش مطمئنًّا، فلا يجزع من قلة الرزق، ولا يخاف المستقبل، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3].

 

2- الإيجابية والسعي المستمر:

 

المتوكل لا يتكاسل؛ بل يتحرك في الحياة بطاقة متجددة؛ لأنه يعلم أن السعي جزء من العبادة.

 

3- التعامل مع الأزمات بقوة وثبات:

 

حين يواجه المتوكل الصعوبات، يكون قلبه ثابتًا؛ لأنه يعلم أن الله يدبر له الخير، كما قال النبي ﷺ: «واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك، وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ» [رواه الترمذي].

 

وختامًا -أخي الحبيب- كن كالمزارع الذي يحرث الأرض، ويسقيها، ويعتني بها، لكنه يعلم أن الإنبات بيد الله وحده. اجعل قلبك متعلقًا بالله، وجوارحك نشيطة في العمل، وسترى كيف تتبدل حياتك إلى طمأنينة وسكينة، وسيتجلى لك معنى قول الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36].

 

رزقك الله التوكل الصادق، وبارك لك في سعيك، وجعل قلبك عامرًا باليقين، وتابعنا بأخبارك.