Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. موسى المزيدي
  • القسم : إدارية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 42
  • رقم الاستشارة : 2051
23/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، دكتور، إذا تعرض الإنسان لأزمة ما في حياته، كيف يعالج هذه الأزمة؟ وما المراحل التي يمر بها الإنسان أثناء الأزمة وكيف يتصرف فيها؟

الإجابة 23/05/2025

وعلكيم، السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا بك أخي الفاضل على موقع استشارات المجتمع، وبعد:

 

فإن علماء النفس يقولون إن الإنسان يمر بثلاث مراحل عندما يسمع خبرًا مزعجًا, وهي الصدمة، والملامة، والغضب. هذه المراحل الثلاثة يمر بها الإنسان حينما يمر بمشكلة أو أزمة أيا كان نوعها.

 

وتوجد معادلة من خلالها نتعرف إلى كيفية التعامل مع الأزمات بشتى أنواعها, هذه المعادلة مكونة من ثلاثة أحرف هي صاد ميم غين، معادلة "صمغ". الصاد ترمز إلى مرحلة الصدمة، الميم ترمز إلى مرحلة الملامة, والغين ترمز إلى مرحلة الغضب.

 

ويقول العلماء يسبق هذه المراحل الثلاثة وقت زمني قصير يُقدر بثانية واحدة يتوقف خلالها نبض وتنفس الإنسان, بعد ذلك تبدأ المرحلة الأولى ومدتها دقيقة واحدة فليحذر الإنسان من هذه الدقيقة فمعظم جرائم العالم تحدث فيها, وألا يتخذ قرارًا حاسمًا في الدقيقة الأولى من حدوث الأزمة، خلال هذه الدقيقة هناك أعراض طبية يمر بها الإنسان:

 

أولاً: ارتفاع ضغط الدم.

 

ثانيًا: تنفس سريع وضحل.

 

ثالثًا: آلام في الصدر.

 

رابعًا: سرعة نبض القلب.

 

خامسًا: دوار في الرأس.

 

سادسًا: إغماء محتمل.

 

سابعًا: فقدان التركيز, ثم بعد ذلك تعرق الجسم وفقدان الإحساس بالواقع واحتمال الهلوسة ورؤية غير واضحة للأمور.

 

أخي، إن الإنسان الذي يمر بهذه الأعراض ينبغي عليه أن يحذر من اتخاذ أي قرار خلال الدقيقة الأولى من وقوع الأزمة, هذه الدقيقة الأولى يمر الإنسان خلالها بمرحلة الصدمة التي يجب أن يسيطر على نفسه فيها.

 

يقول علماء النفس في هذه المرحلة على الإنسان أن يتنفس تنفسا عميقا لأن الأكسجين ينقص في الدماغ ومع التنفس العميق يصل الأكسجين إلى الدماغ، وأن يرغم نفسه على الابتسامة لأن مع الابتسامة تتوسع الشرايين والأوعية الدموية في الوجه وبالتالي المزيد من الأكسجين إلى الدماغ.

 

أما أعرافنا وعاداتنا فتقول في هذه المرحلة علينا بالصبر؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام حينما مر على امرأة على قبر وهي تبكي ابنا لها قد مات، فقال لها اتقي الله واصبري، فقالت المرأة إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، فلما أُخبرت أنه رسول الله ذهبت إليه وقالت لم أعرفك يا رسول الله، فقال لها ﷺ "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".

 

الصبر ثم الاستغفار, من خلال الاستغفار تأتي القوة كما ورد في القرآن, والإنسان في هذه المرحلة يحتاج إلى القوة، ثم يسترجع قائلا "إنا لله وإنا إليه راجعون"، ثم يسترخي إن كان واقفا يجلس وإن كان جالسا يستلقي ثم إن كان هناك من أمر يستطيع أن يفعله خلال هذه الدقيقة فليقم وليتوضأ.

 

مرحلة الملامة

 

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الملامة، حيث يلوم فيها الإنسان نفسه, ولا مانع من ذلك لأن نفسه لوامة كما يخبرنا بذلك الله سبحانه وتعالى في سورة القيامة {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ *  وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}، لكن الخطأ أن يستمر في توجيه الملامة إلى نفسه مدة زمنية طويلة, العلماء يقولون إن هذه الفترة الزمنية للمرحلة الثانية لا تتجاوز عشر دقائق, إذا أردت أن تلوم نفسك ينبغي أن تحرص ألا تتجاوز هذه الدقائق.

 

هذه المرحلة يمر الإنسان فيها بمشاعر كثيرة, وعليه أن يحذر منها؛ لأنه إن لم يضبط مشاعره فإن فترة الملامة تزداد إلى أيام بل وإلى سنين.

 

وعلى الإنسان أن يردد بعض الشعارات في هذه المرحلة، مثل "ثق بنفسك ولو لوحدك", و"ابتسم ودع الجرح يلتئم", وعليه أن يتلو أو يسمع بعض آيات القرآن, ويدعو الله سبحانه أو يسمع الذكر ويقوم يصلي ركعتين؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

 

وفي هذه المرحلة يقول علماء النفس على الإنسان أن يبكي أو يصطنع البكاء، فمن خلال الدموع تخرج بعض الهرمونات الزائدة في الجسم لأن الإنسان في هذه المرحلة يعاني من اضطراب في مستويات الهرمونات والأملاح في دمه, من خلال الدموع تخرج هذه الزوائد. أما ديننا الحنيف فيقول "ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا أثناء قراءة القرآن".

 

وهناك مثل باللغة الإنجليزية يقول fake it until you make it يعني اصطنع البكاء, اصطنع الأمر حتى يكون عادة.

 

مرحلة الغضب

 

أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الغضب خلالها يمر الإنسان بقلق دائم, إرهاق, تشتت في التركيز, فتور في العمل, فقدان الحماس, آلام في الرأس والرقبة والمفاصل, فقدان شهية الطعام, فقدان الأمل في الحياة, قلة الحركة, اليأس, حب الانتقام. هذه الأعراض الطبية ينبغي ألا تستمر أكثر من ثلاثة أيام وهي مدة هذه المرحلة.

 

أخي، اضبط نفسك في هذه المرحلة بحيث لا تتعدى ثلاثة أيام؛ فالإنسان حينما يتوفى أحد أقربائه فالإسلام يحثنا على أن العزاء ثلاثة أيام. حينما يقع الإنسان في خطأ تجاه زميله فيهجره فالهجران لا يزيد عن ثلاثة أيام وخيرهما الذي يبدأ بالسلام كما تشير بذلك الإرشادات النبوية.

 

والذي يتمتع بقدرات كبيرة على التركيز وبإيمانيات قوية يستطيع أن يختصرها إلى أقل من ذلك؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام حينما بلغه وفاة ابنه إبراهيم الطيب عليه السلام قال "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".

 

إذن ماذا ينبغي علينا أن نفعل في هذه المرحلة الثالثة مرحلة الغضب؟

 

يقول علماء النفس عليك أن تتخيل الأسوأ.

 

أخي، هذه رسالة من ابنة إلى أبيها في أمريكا, البنت عمرها 18 سنة، أبوها أرسلها لتكمل دراستها في إحدى الجامعات التي كانت بعيدة عن مسكنها، بعد مرور سنة وانتهاء الامتحانات بعثت هذه الرسالة:

 

"أبي العزيز بعد انقطاع دام سنة أردت أن أكتب إليك لأخبرك عن أحوالي, أحوالي بخير ولا يوجد ما يزعجك وأنا الآن أتعافى في المستشفى بعد حادث السيارة الذي تعرضت له لقد كنت حمقاء حقًّا حينما قدت السيارة وأنا مخمورة وأعتقد أن الشرطة ستحول الأمر إلى النيابة العامة، حيث إن السيارة التي اصطدمتها قد تضررت كثيرًا وهي سيارة غالية الثمن من نوع Rolce rise، لقد كنت حقًّا حمقاء حينما قدت سيارة صديقي من دون علم منه ولم تكن مؤمنة يومها.

 

ويقول أطباء المستشفى إن رجلي المكسورة ستبرأ عما قريب، والخبر السار جدًّا جدًّا يا أبي هو أن طفلي الذي في بطني لم يصب بأذى, عفوًا يا أبي لقد نسيت أن أذكر لك أنني حامل من صديقي الذي تعرفت إليه، وأنا متأكدة أنك ستعجب بصديقي حينما تراه بعد ستة أشهر بعد خروجه من السجن، التقيت به لأول مرة في عيادة المدمنين على المخدرات والذين كان لهم فضل في معالجتي من إدماني على الهيروين ويبدو أنني تعافيت من الإدمان على المخدرات ولكني ما زلت مدمنة على شرب الكحول", ابنتك الحبيبة جولي.

 

هذه الحادثة مليئة بالابتلاءات لهذا الأب المسكين، لكن انظر إلى ذكاء هذه البنت حينما ذيلت رسالتها بهذه الملاحظة: (أبي كل ما ذكرت لك في هذه الرسالة غير صحيح ولكني أردت أن أخبرك أنني رسبت في جميع مقرراتي في هذه السنة، وما أوده هو أن تضع هذا الأمر في محله الصحيح من دون مبالغة).

 

أرأيت معي أخي هذا التمرين، تمرين تخيل الأسوأ حتى يهون عليك الأمر, تخيل الأسوأ. إن الله يدفع البلاء بالبلاء.

 

علماء النفس يقولون كذلك عليك أن تغير من عاداتك مؤقتا, غير عاداتك في المأكل والمشرب والنوم لمدة يوم واحد حتى تتغلب على هذه المرحلة وتخرج منها معافى وسليما.

 

أما عاداتنا وتقاليدنا فإنها تقول: في مرحلة الغضب عليك أن تحسن الظن بالآخرين, التمس لأخيك ولو سبعين عذرا ثم أحسن الظن به. إذا كنت غضبان من صديق وهجرته أحسن الظن به، وقل كما علمنا النبي "قدّر الله وما شاء فعل، لا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان, تمالك نفسك في هذه المرحلة، فليس الشديد بالسرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب.

 

أخي، دخل رسول الله ﷺ على ابنته فاطمة يوما ما فسأل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم الله وجهه فقالت إنه خرج غضبان فطلب من أحد الصحابة أن يذهب في أثره فوجده في المسجد. إذا أردت أن تحتوي هذه المرحلة ما عليك إلا أن تذهب إلى المسجد.

 

في الختام، إن مضاعفة القدرات تتطلب ثقة عالية بالنفس, وتركيزا كبيرا والبعد عن مشتتات التركيز، وكذلك تتطلب احتواء للأزمات وللعقبات وللعوائق التي تمر بها في حياتك.

الرابط المختصر :