Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 29
  • رقم الاستشارة : 1669
17/04/2025

ماذا نقصد بالاستعمار الاستيطاني، خاصة أن الحديث هذه الأيام يدور حول تفريغ غزة من سكانها، فهل يمكنكم إلقاء الضوء على هذه التجربة الاستعمارية وجذورها الفكرية؟

الإجابة 17/04/2025

في البداية أشكركم على هذا السؤال المهم في تلك اللحظة التاريخية التي تعيش فيها القضية الفلسطينية تحولاً سيؤثر على مستقبل المشروع الصهيوني الذي جاء كاستعمار استيطاني في الأرض العربية.

 

والحقيقة أن فهم حقيقة المشاريع الاستعمارية الاستيطانية ومن بينها المشروع الصهيوني، يساهم في بناء وعي عن طبيعة الصراع المشتعل حاليًا في فلسطين بين أهل الأرض الذين نبتوا منها وعليها وهم الفلسطينيون، وبين هذا الاستعمار الوافد الراغب في الاستحواذ على الأرض بلا سكانها.

 

الاستعمار الاستيطاني يعرف بأنه "نظام قمع قائم على الإبادة الجماعية والاستعمار، يهدف إلى تهجير سكان أمة وغالبًا السكان الأصليين لتلك الأرض، واستبدال بهم سكانًا مستوطنين جددًا، ويرتكز الاستعمار الاستيطاني على نظام سلطة يُرسيه المستوطنون، يقمع حقوق وثقافات السكان الأصليين بمحوها واستبدال بها ثقافة هؤلاء المستوطنين"، ومن ثم يقوم الاستعمار الاستيطاني على سرقة واستغلال أراضي وموارد السكان الأصليين.

 

يختلف الاستعمار الاستيطاني عن الاستعمار التقليدي في أن الاستعمار الاستيطاني بجانب سيطرته السياسية على السلطة لأمة أو شعب ما، أنه يهدف إلى التدمير الكامل للسكان الأصليين وثقافاتهم واستبدال بها ثقافات المستوطن نفسه، بهدف ترسيخ هويتهم كسكان شرعيين.

 

لذلك، لا يستغل المستوطنون أراضي السكان الأصليين ومواردهم فحسب، بل يُهجّرونهم، ويُغيّرون أسماء المدن والأماكن التي يستعمرونها لمحو آثارهم تمامًا.

 

يلجأ الاستعمار الاستيطاني إلى سياسات لتنفيذ غايته، منها: الفصل العنصري، والاحتلال العسكري، والإبادة الجماعية، والحرب البيولوجية، والتهجير القسري، فهذا الاستعمار كما تقول دراسة الباحثة "ميساء شقير" بعنوان "دراسات الاستعمار الاستيطاني في فلسطين: ما بين المعرفي والسياسي والاستعماري" يرفع شعار "الأرض أولًا والأرض أخيرًا؛ فالمستعمر المستوطن جاء ليبقى، وأن الاستعمار الاستيطاني لا ينتهي في الزمان أو المكان، فهو استعمارٌ لا رجعةَ عنه، لا يمكنُهُ التراجعُ ولا تغييرُ طبيعتهِ التوسعية، لأنه قائمٌ على منطق الإبادة لأهل البلاد (بالمعنى المادي، والمعنوي، والسياسي، والثقافي)، وبعد أن تتم الإبادة يتم السطو على هوية أهل البلاد واستدخالها في هوية المستوطن الجديدة؛ فالاستعمار الاستيطاني هو معادلةٌ صفريةٌ، ولا يَقبلُ القِسمةَ على اثنين".

 

في دراسته "الاستعمار الاستيطاني والقضاء على السكان الأصليين" المهمة عن الاستعمار الاستيطاني يلفت الباحث والمؤرخ البريطاني "باريك وولف" المتخصص في الدراسات الاستعمارية الاستيطانية، النظر إلى عدة مسائل مهمة، منها:

 

* أن الاستعمار الاستيطاني نظام وليس حدثًا تاريخيًّا: بمعنى أن هذا الاستعمار يرى نفسه جاء ليبقى ويحل مكان أصحاب الأرض الأصليين، وليس احتلالاً لفترة محددة.

 

* الإبادة الجماعية: ناقش "وولف" المسألة من أكثر من منظور من بينها القتل، لكن أشار إلى أن الاستيلاء على الأرض من مالكيها الأصليين ومنحها للمستوطنين الجدد، هو نوع من الإبادة؛ لأن الأرض في حقيقتها هي الحياة، وقال: "إن مسألة الإبادة الجماعية ليست بعيدة عن مناقشات الاستعمار الاستيطاني. فالأرض هي الحياة، أو على الأقل، الأرض ضرورية للحياة، وبالتالي، فإن التنافس على الأرض يمكن أن يكون -بل وغالبًا ما يكون كذلك- تنافسًا على الحياة".

 

* الإقصاء: فالاستعمار الاستيطاني إقصائي بطبيعته، والإقصاء نوع من التصفية؛ فتفكيك المجتمعات ليس بالضرورة بالقتل ولكن بحرمانهم من أسباب الحياة، ونستحضر هنا مقولة "هرتزل" مؤسس الصهيونية :"إذا أردتُ استبدال مبنى قديم بآخر جديد، فعليّ الهدم قبل البناء"، فهذا الإقصاء ما هو إلا نوع من الهدم لمجتمع وإحلال آخر مكانه.

 

وفي التجربة الصهيونية هناك سياسة كاشفة لـ "ميرون بنفينستي" من خبراء السياسة الإسرائيلية، ومن المهتمين بالحركة الصليبية وله كتابات متعددة فيها، وشغل منصب نائب رئيس بلدية القدس، في اقتلاع أشجار الزيتون الفلسطينية وإحلال زراعة الموز الإسرائيلية مكانها، فهذا الاستبدال حتى لنوع الأشجار المرتبطة تاريخيًا بالفلسطينيين هو إقصاء للذاكرة حتى في المحاصيل والزراعات التي يشتهر بها المكان، وكان المبرر الأيديولوجي لهذه السياسة، هو أن الاستيطان يمكنه استغلال الأرض شكل أفضل من مالكيها الأصليين.

 

وهنا نشير إلى آلية العمل في حالة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، والمتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي الاستيطاني من خلال العمل الذي لا يعتمد على الفلسطينيين في أغلب الأحيان، وعرفت التجربة ما سمي بـ"العمل العبري" القائم على المستوطنين اليهود، وهنا يكون الإقصاء لا يقتصر على التصفية الجسدية ولكن تصفية أسباب الحياة، والتعويل على الزمن لتفريغ الأرض.

الرابط المختصر :