ماذا يفعل الورثة في تقصير مورثهم في حقوق العباد؟

Consultation Image

الإستشارة 23/11/2025

زوجي قبل خمسة عشر سنة كان يعيش في دولة أوربية، وكان يستحل أموالاً من المراكز التجارية (أجهزة كهربائية وتموينات)، كما أنه أخذ حوالة بنكية بالخطأ ورفض إرجاعها، والبنك تحمل هذا الخطأ. زوجي تاب قبل وفاته، لكنه مات الآن. السؤال: ماذا يجب عليّ أنا وأولادي بعد وفاته تجاه هذه الأموال التي أخذها؟ هل يلزمنا ردها إلى أصحابها ونحن لا نستطيع أن نحصرهم إلا البنك؟ وإذا تعذر ردها للبنك بسبب العقوبات القانونية، هل يجوز إخراجها صدقة عن روحه؟ هل نحسب قيمة هذه الأموال بسعرها وقت أخذها أم بسعرها الحالي؟

الإجابة 23/11/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فحقوق العباد مبنية على المشاحاة، أي أن حقوق الناس فيما بينهم تقوم على المطالبة والاحتياط وعدم التسامح بسهولة. وهذا يختلف عن حقوق الله، التي هي مبنية على المسامحة؛ لأن الله يسامح عباده فيما يتعلق بحقوقه الخاصة، بينما لا يمكن للعبد أن يتسامح في حقوق العباد ويجب استيفاؤها.

 

وفي واقعة السؤال إذا كان المتوفى ترك مالاً فيجب عليكم الاجتهاد في هذه الحقوق وردها إلى أصحابها إن استطعتم، فإن عجزتم عن هذا، أو ترتب عليه ضرر لا يحتمل فعليكم بإنفاقها في أي وجه من وجوه الخير، ونسأل الله له الرحمة والمغفرة.

 

وما دامت هذه الحقوق بعملة أجنبية، وهي مستقرة إلى حد ما لم يحدث لها تغير كبير فيكون قضاء هذه الديون بنفس قيمتها يوم أن أخذها، ثم سلوا الله له الرحمة والمغفرة.

 

أما إن كان لم يترك شيئًا فليس عليكم قضاء دينه على سبيل الوجوب، ولكن ذلك يستحب حتى لا يؤاخذه الله – عز وجل - بهذه الحقوق يوم لا ينفع مال ولا بنون.

 

ما المفلس؟

 

روى مسلم بسنده عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله أتدرون ما المفلس؟ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار.

 

شنائع الأمور

 

جاء في شرح الدرر السنية شرحا لهذا الحديث:

 

من شنائع الأمور التي يغفل عنها كثير من الناس أنهم ربما يحسنون العبادات، إلا أنهم يقترفون معها الذنوب، والتي منها ما يتعلق بحقوق العباد، وسوف يحاسب كل إنسان يوم القيامة على ما عمل من خير أو شر.

 

وفي هذا الحديث سأل النبي ﷺ أصحابه رضي الله عنهم: «أتدرون»، أي: أتعلمون «ما المفلس» وما حقيقته؟ وهذا الاستفهام للتقرير وإخراج الجواب من المخاطب؛ ليبني عليه الحكم المراد، ولما كان المقصود السؤال عن الوصف وليس عن الذات عبّر بـ«ما» بدل «من»، فأجابوا: المفلس فيما بيننا وفيما نعرفه هو من لا يملك مالاً، ولا متاعًا، أي: مما يحصل به النقد وما يتمتع به من حوائج وأغراض الدنيا، مثل: الأقمشة والجواهر والمواشي والعبيد، وأمثال ذلك، والحاصل: أنهم أجابوا بما عندهم من العلم بحسب عرف أهل الدنيا، كما يدل عليه قولهم: «فينا».

 

فقال لهم النبي ﷺ: «إن المفلس من أمتي»، أي: المفلس الحقيقي، أو المفلس في الآخرة، هو «من يأتي يوم القيامة بصيام وصلاة وزكاة» مقبولات قد أداها كما أمره الله، وذكر هذه العبادات ليس للحصر، بل هو تمثيل يشمل جميع الطاعات، ولكنه يأتي وقد شتم هذا، أي: وقع منه شتم وسب لأحد، وقذف هذا، وهو الاتهام بالزنا ونحوه، «وأكل مال هذا» بالباطل، «وسفك دم هذا» فأراق دمه بغير حق، «وضرب هذا» من غير استحقاق، أو زيادة على ما يستحقه، وذكر هذه السيئات ليس للحصر، بل هو تمثيل يشمل جميع المعاصي، والمقصود جميع حقوق العباد.

 

والمعنى: من جمع بين تلك العبادات وهذه السيئات، فيعطى هذا المظلوم بعض حسنات الظالم، ويعطى المظلوم الآخر بعض حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يؤدي ما عليه من الحقوق، أخذ الظالم من سيئات أصحاب الحقوق، فطرحت على هذا الظالم ووضعت عليه، ثم ألقي ورمي في النار؛ كي يعذب بها بقدر استحقاقه إن لم يغفر له، وفيه إشعار بأنه لا عفو ولا شفاعة في حقوق العباد إلا أن يشاء الله، فيرضي المظلوم بما أراد، حتى إذا انتهت عقوبة تلك الخطايا رد إلى الجنة إن كانت هناك حسنات باقية، وإلا فببركة الإيمان وبما كتب له من الخلود.

 

وفي الحديث: بيان معنى المفلس الحقيقي، وهو من أخذ غرماؤه أعماله الصالحة.

 

وفيه: أن القصاص في الآخرة قد يأتي على جميع الحسنات، حتى لا يبقي منها شيئا. أ. هـ.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

تغير قيمة العملة وأثره على الأجور وأداء الديون

رد الغارم مال الزكاة الذي أخذه لقضاء دينه

إسقاط الديون عن المدين واحتسابها من الزكاة

الرابط المختصر :