الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
19 - رقم الاستشارة : 3423
04/12/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أم أكتب لك بقلبي قبل قلمي… أشعر بالسوء في كل مرة أرى طفلي جالسًا أمام أفلام الكرتون، يحدّق فيها وكأن الدنيا كلها اختزلت في تلك الشاشة. يوجعني أن أراه منغمسًا في الصور والألوان، بينما أتمنى أن أراه يركض ويلعب ويبتكر ويضحك مع الأطفال.
أحيانًا أتركه يتابع لأني مشغولة أو لأني لا أريد أن أحرمُه مما يحب، لكن بعدها يطاردني إحساس بالذنب: هل أنا مقصّرة؟ هل أسمح للشاشة أن تسرق طفولته؟ أحاول أن أوازن بين رغبته وبين خوفي، لكني أجد نفسي مترددة دائمًا. إن منعته يغضب ويشعر أنني أقسو عليه، وإن تركته أشعر أنني أضيّع عليه فرصة أن يعيش طفولته الحقيقية.
أنا لا أريد أن أكون أمًا قاسية ولا متساهلة، أريد فقط أن أكون أمًّا تمنحه الحب والقبول، وتساعده أن يكتشف العالم الحقيقي من حوله. لذلك جئت إليك أطلب مشورتك: كيف أتعامل مع هذه الحيرة؟ كيف أضع حدودًا لمشاهدته للكرتون من غير أن أزرع فيه شعورًا بالحرمان؟ وكيف أساعده أن يعيش طفولته بشكل صحي، ويوازن بين عالم الشاشة وعالم الواقع؟
أكتب لك وأنا ممتلئة بالقلق، لكن أيضًا بالأمل أن أجد عندك ما يطمئن قلبي ويعينني على تربيته بما يرضي الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيتها الأم التي تحمل قلبًا يضيء حكمة ورفقًا قبل أن يحمل قلقًا...
أشعر بصدق مشاعرك، وأقدّر خوفك النابع من رغبتك في حماية طفلك ومنحه طفولة حقيقية متوازنة. وهذا القلق ليس علامة ضعف، بل هو -في علم النفس التربوي- مؤشر واضح على الوعي Parental Awareness والنضج التربوي Parenting Maturity.
بداية سأطمئنك: ما تشعرين به طبيعي، وكل أمّ واعية تمر بهذه المساحة بين الحب والخوف، بين الرغبة في الإتاحة والحاجة إلى التوجيه.
ثم سأقسم لك الرد إلى نقاط واضحة:
أولًا: لماذا ينجذب الأطفال للكرتون بهذه القوة؟
من منظور علم نفس النمو، الأطفال في السنوات الأولى يعيشون في مرحلة التفكير الرمزي Symbolic Thinking، وبالتالي تنجذب عقولهم بشدة للألوان والحركة والقصص السريعة.
هذا لا يعني أن الشاشة "تفسدهم"، لكنه يعني أن دورنا ضبطها، لا منعها ولا تركها بلا سقف.
ثانيًا: هل أنت مقصّرة؟
لا إطلاقًا، بل إن إحساسك بالذنب هو شعور صحي، وهو الذي يدفع الأم للمراجعة وليس لتحميل نفسها فوق طاقتها. قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، وهذا يشملك ويشمله.
ثالثًا: كيف تضعين حدودًا بدون أن يشعر بالحرمان؟
1- الانتقال من المنع المفاجئ إلى التنظيم التدريجي: الأطفال لا يتقبلون الحرمان، لكنهم يتقبلون القواعد الثابتة إذا كانت واضحة ومسبوقة بشرح بسيط.. مثل: "هنشوف كرتون نصف ساعة بعد الغداء، وبعدها عندنا لعب".
2- استخدام قاعدة (الشاشة مقابل النشاط) وليس (الشاشة أو النشاط): فلا تستحوذ الشاشة على وقته كله، بل إن التنويع في برنامجه اليومي ضرورى جدًّا.. فاجعلي الشاشة جزءًا من يومه، لا بديلًا عن الحياة. هذا يُسمّى Behavioral Balance أو التوازن السلوكي.
3- قدّمي له بدائل ممتعة فعلًا: فالطفل لا يترك شيئًا يحبّه إلا لشيء يفرحه.. قدّمي أنشطة، مثل: لعب حركي، رسم، مكعبات، قراءة قصص، وقت معك للضحك والاحتضان
4- شاركيه جزءًا من المشاهدة: فعندما تشاركينه، يتحول الكرتون من "عالم بديل" إلى "نشاط مشترك"، وهذا يخفض التعلق الزائد — ويُسمّى ذلك بتأثير المشاهدة المشتركة Co-viewing Effect.
5- كذلك ثبّتي مواعيد النوم والطعام واللعب: حين يكون اليوم منظمًا سيصبح وقت الشاشة واحدًا من العناصر، لا العنصر الطاغي.
رابعًا: كيف تساعدينه أن يعيش طفولته الحقيقية؟
1- وقت للعب الحر Free Play ..فالأبحاث تؤكد أن اللعب الحر هو المفتاح الحقيقي لتنمية الدماغ.
2- وقت للحركة Physical Play ..فالحركة تخفض التعلق بالشاشة لأنها تفرز هرمونات السعادة الطبيعية.
3- وقت لعلاقته بالوالدين.. لا بد ألا تهملين احتضانه، لمسه والربت على خديه وظهره، الضحك واللعب والحديث معه... وهذه هي "شاشة القلب" التي لا ينافسها أي كرتون.
ثم قدّمي له "الوقت الذهبي" قبل أو بعد الشاشة.. وهي دقائق من الحب الفعّال كفيلة بأن تملأ قلبه وتجعله أطوع في الاستجابة للقواعد.
* همسة أخيرة:
اطمئني غاليتي، طفلك لن تضيع طفولته لمجرد أنه شاهد كرتونًا.
فالطفولة تُصنع من: الحب، الحضور، الاحتواء، وحدود واضحة بلا قسوة ولا تسيّب. وبإذن الله تعالى طفلك سينمو بسلام ما دام في حضن أمّ واعية مثلك.
روابط ذات صلة:
كيف يمكننا استثمار أفلام الكارتون والألعاب الإلكترونية تربويًّا؟
حتى لا يسرقوا فلذات أكبادنا.. خطر الألعاب الإلكترونية وأفلام الكرتون