الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
154 - رقم الاستشارة : 2614
06/09/2025
أنا متزوج ولدي أبناء في مراحل عمرية مختلفة، وأُحاول قدر استطاعتي أن أكون قدوة صالحة لهم، خصوصًا في الجانب الأخلاقي والديني. ولكني أحيانًا أقع في بعض الأخطاء أو التصرفات التي لا تليق، وربما تحدث هذه الأخطاء أمامهم مباشرةً، ثم أجد نفسي أُبرّر الموقف أو أختلق الأعذار، خوفًا من أن تهتز صورتي في أذهانهم، أو أن يفقدوا ثقتهم بي.
يُقلقني هذا التناقض، وأتساءل: هل يكفي أن أُقِرّ بخطئي في نفسي دون أن أعتذر لهم مباشرة؟
وهل الاعتذار للأبناء يُضعف هيبة الأب وقوته ويُفهَم على أنه دليل ضعف وعدم قدرة على السيطرة؟
وتقبلوا شكري وامتناني.
مرحبًا بك أيها الأب الفاضل، وشكرًا جزيلًا على ثقتك الغالية بنا وتواصلك معنا، وأسأل الله أن يبارك فيك وفي أسرتك الكريمة، وأن يعينك على مسؤوليتك العظيمة، ويجعل أبناءك قرة عين لك في الدنيا والآخرة، وبعد...
فالأبوة -أخي العزيز- ليست مجرد صفة بيولوجية؛ بل هي رحلة إنسانية عميقة تتشابك فيها المشاعر النبيلة مع المسؤوليات الجسيمة. وإن قلقك هذا دليل على وعيك وحرصك على أن تكون أبًا صالحًا، وهو شعور يمر به كل أب يسعى للكمال، لكن الكمال لله وحده.
إن خوفك من أن تهتز صورتك أمام أبنائك هو شعور طبيعي جدًّا؛ لكنه في الواقع يحمل في طياته فرصة ذهبية لتعليمهم درسًا أغلى من أي درس نظري: درس في الإنسانية والصدق والتواضع.
هل يكفي الإقرار بالخطأ في النفس؟
لا شك في أن الإقرار بالخطأ في النفس هو خطوة أولى نحو الإصلاح، وهذا ما أمرنا به ديننا الحنيف. يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135]. فالاستغفار والتوبة أمر بين العبد وربه.
ولكن عندما يتعلق الأمر بعلاقتك مع أبنائك، فإن إخفاء الخطأ والاعتذار عنه قد يرسل رسائل غير مقصودة. عندما يرى الطفل أن أباه يخطئ ثم يبرر خطأه، قد يتعلم منه أن التبرير هو الحل الأمثل لتجنب المساءلة، وقد يجد صعوبة في التمييز بين الصواب والخطأ.
أما الاعتذار المباشر، فهو يفتح بابًا من الحوار والشفافية. عندما تقول لابنك: «أنا آسف، كان تصرفي خاطئًا»، فإنك لا تعتذر له فقط؛ بل تعلمه درسًا عمليًّا في التواضع، وتحمل المسؤولية، والإقرار بالحق. وهذا الاعتذار هو بحد ذاته فعل تربوي عظيم.
هل الاعتذار للأبناء يضعف هيبة الأب؟
إن الهيبة الحقيقية ليست قائمة على الخوف؛ بل على الاحترام والحب والتقدير. إن الاعتذار لا يضعف أبدًا هيبة الأب؛ بل يزيدها قوة ومتانة واحترامًا.
إن الهيبة الحقيقية المؤثرة إيجابيًّا ليست في عدم الخطأ؛ بل في كيفية التعامل مع الخطأ. فعندما يرى الأبناء أباهم يعتذر عن خطأ ما، يدركون أنه ليس مثاليًّا لا يخطئ، ولا ينبغي له، ولا يجب عليه أن يكون كذلك؛ بل هو إنسان مثلهم. هذا يمنحهم شعورًا بالراحة والأمان، ويزيد من ثقتهم به بوصفه شخصًا صادقًا وشفافًا.
كما أن الاعتذار يعلمهم التواضع الذي يدعو ديننا إليه؛ فالنبي ﷺ قال: «مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» [رواه مسلم]. وكذلك يعلمهم كيف يتعاملون مع الخطأ، فعندما يخطئون سيتذكرون أن أباهم كان يعتذر عن خطئه، وسيكونون أكثر شجاعة في الاعتراف بأخطائهم وتصحيحها.
وختامًا أخي الفاضل، إن الأبوة الصالحة ليست في أن تكون مثاليًّا؛ بل في أن تكون صادقًا وإنسانًا، فأنت لا تربي أبناءك على أن يكونوا ملائكة؛ بل على أن يكونوا بشرًا أقوياء، يصيبون أحيانًا ويخطئون حينًا، ويواجهون الحياة بصدق وشجاعة، ولا يجدون حرجًا في أن يعتذروا عن أخطائهم، معتقدين أن الاعتذار عن الخطأ والرجوع إلى الصواب هو عين القوة؛ إذن إن القوة ليست في عدم السقوط؛ بل في النهوض بعده، وأن الفضيلة ليست في عدم الخطأ؛ بل في الاعتراف بالخطأ وتصحيحه.
أسأل الله أن يبارك في جهودك، وأن يجعل أبناءك قرة عين لك، وأن يوفقك لكل خير.