الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
115 - رقم الاستشارة : 1435
26/03/2025
أنا بنت في منتصف العشرينات، وبحاول على قد ما أقدر أحقق حاجات مهمة في حياتي، زي الجواز، والاستقرار المادي، وتحقيق طموحاتي. بس بحس إن في حاجات كتير بتتأخر، مع إني باسعى وباجتهد وبادعي ربنا دايمًا. أوقات كتير بحس بالحيرة، وبسأل نفسي: ليه بعض الحاجات اللي بتمناها مش بتحصل بسرعة، رغم إني بحاول ومتوكلة على ربنا؟
إزاي أقدر أفهم الحكمة من تأخير بعض الأقدار، وأكون راضية ومطمئنة، من غير ما أحس بالإحباط أو إن الأمل بيضعف جوايا؟ ياريت تفيدوني وتنصحوني.
ابنتي العزيزة، أهلًا وسهلًا بكِ، ونشكركِ على ثقتكِ بنا في عرض مشاعركِ وتساؤلاتكِ. أسأل الله أن يرزقكِ سعادةً تغمر قلبكِ، ويشرح صدركِ، ويمنحكِ من فضله وكرمه ما تتمنين، ويجعلكِ من عباده الصالحين الذين يرضون بقضائه وقدره، ويطمئنون بحكمته ورحمته، وبعد...
فلا شك أن تأخُّر بعض الأمور التي نرغب فيها بشدة –مثل الزواج، والرزق، وغيرهما من الطموحات الدنيوية- قد يكون سببًا للحزن أو الشعور بالحيرة، خصوصًا حين نبذل الجهد، وندعو الله كثيرًا، ثم لا نرى النتائج التي نأملها. وهذا لأن النفس البشرية تميل إلى حب العاجل من خير الدنيا، كما قال تعالى: (وَيَدْعُ ٱلْإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ عَجُولًۭا) [الإسراء: 11].
لكن يا ابنتي، علينا أن نتذكر دائمًا أن الله -سبحانه- هو أرحم بنا من أنفسنا، وأن تأخير بعض الأمور قد يكون لحكمة عظيمة نجهلها، حتى لو كان قلبنا يتألم من الانتظار. والله سبحانه يقول: (وَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
لماذا يؤخر الله بعض الأمنيات؟
1- اختبارًا للصبر والإيمان:
فالله -سبحانه- يختبر عباده لينظر هل سنظل مؤمنين به، متوكلين عليه، أم سنجزع ونفقد ثقتنا به؟ وقد قال النبي ﷺ: «إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرضا، ومَن سَخِطَ فله السُّخطُ» [رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني].
2- لأن الوقت المناسب لم يأتِ بعد:
إن الله -عز وجل- يعلم متى يكون الوقت الأنسب لتحقيق ما نرجوه. فربما نحن نرى الخير في استعجال الأمور، أما الله -سبحانه- فيعلم أن الخير في تأخيرها. قال تعالى: (لِكُلِّ أَجَلٍۢ كِتَابٌ) [الرعد: 38]. فكل شيء مقدّر في وقته المناسب تمامًا عند الله عز وجل.
3- لأن الله يدَّخر لكِ الأفضل:
ربما أنتِ تتمنين شيئًا معينًا؛ لكن الله -سبحانه- يريد أن يمنحكِ ما هو أعظم وأفضل منه. وهذا ما عبَّر عنه النبي ﷺ بقوله: «ما من عبدٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ، إلا أعطاه اللهُ بها إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعجِّلَ له دعوتَه، وإمَّا أن يدَّخرَها له في الآخرةِ، وإمَّا أن يصرفَ عنهُ من السوءِ مثلَها» [رواه أحمد وصححه الألباني].
4- لأن الله يصرف عنكِ شرًّا لا تعلمينه:
أحيانًا نرغب بشدة في شيء، ولا نعلم أن فيه ضررًا لنا، والله بلطفه يبعده عنا. فإذا منع اللهُ عنك ما تُحبين، وأصابك بما لا تحبين، فاعلمي أنه سيمنحك ما هو خير لك مما تحبين، كما حرم يوسف -عليه السلام- من أن يبقى في بيت أبيه، ليصل به إلى ملك مصر.
كيف أحافظ على الأمل وأتجنب اليأس؟
1- بالثقة برحمة الله وأنه لا يضيع دعاءكِ:
الله لا يترك عباده أبدًا، وهو أرحم بهم من أمهاتهم. فقد قال في الحديث القدسي: «أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، فليَظُنَّ بي ما شاءَ» [رواه أحمد وصححه الألباني]. فظُني بالله خيرًا، وستجدين خيرًا بإذنه.
2- مواصلة الدعاء وعدم استعجال الإجابة:
كثير من الناس يستعجلون الإجابة، فيشعرون بالإحباط إذا لم تتحقق دعواتهم سريعًا؛ لكن النبي ﷺ قال: «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» [متفق عليه].
3- الرضا والتسليم لحكمة الله:
الرضا بما قسمه الله لكِ من أعظم أسباب الطمأنينة، وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه، فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه ووسعه، وإن لم يرضَ لم يبارك له، ولم يزد على ما كُتب له» [رواه البيهقي].
4- الانشغال بالعمل والطاعة:
بدلًا من التركيز على الأمور المتأخرة، اجعلي وقتكِ مليئًا بالعبادة، والعلم، وتطوير نفسكِ، والقيام بأعمال الخير. فالانشغال بالطاعات يملأ القلب طمأنينة وسعادة.
5- التفاؤل بأن القادم أجمل:
لا تدَعي الشيطان يُشعركِ بأن مستقبلكِ مؤخَّر أو معطَّل؛ بل كوني واثقة بأن الله يدّخر لكِ الأجمل، وأنكِ ستفرحين قريبًا بما كنتِ تنتظرينه، أو بما هو خير منه.
وختامًا يا ابنتي الغالية، تذكّري أن كل شيء يسير وفق ترتيب الله الحكيم، وأن ما كتبه الله لكِ سيأتيكِ في الوقت المناسب، فلا تيأسي، ولا تسمحي للأفكار السلبية أن تسلب منكِ سعادتكِ وطمأنينتكِ.
كوني متفائلة، صابرة، مستبشرة بالخير، فالله كريم، ولن يخذلكِ أبدًا. أسأل الله أن يحقق لكِ كل ما تتمنين، وأن يرزقكِ الرضا والسعادة والفرح، عاجلًا غير آجل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.