الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
82 - رقم الاستشارة : 1008
18/02/2025
أنا شاب في مقتبل العمر وبواجه ضغوطات كثيرة من أهلي ومجتمعي وظروفي المادية بحاول دايمًا ألاقي الطريق الصح لكن بحس إني مشتت ومش عارف القرار الصح اللي يرضي ربي ويريح قلبي لما قريت عن أصحاب الكهف لقيتهم طلبوا من ربنا "الرشد" مش النصر ولا التمكين وفهمت إن الرشد هو الطريق الصح اللي بيختصر المعاناة ويخليني أوصل لحلول سليمة ازاي أقدر أدعي وأعمل بالأسباب علشان يهديني الله للرشد في قراراتي وحياتي؟
ولدي الحبيب، مرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، وأسأل الله –سبحانه- أن يوفقنا للإجابة عن تساؤلاتك، وبعد...
فإن رسالتك تحمل بين طياتها قلبًا يبحث عن الحق، وعقلًا يفتش عن النور وسط عتمة التشتت والضغوط. وهذا في ذاته نعمة عظيمة، فالسائر إلى الله، وإن تعثرت خطاه، أقرب إليه ممن ركن إلى الدنيا واطمأن إليها. ولقد أصبت بتوفيق الله لك، حين تأملت في دعاء أصحاب الكهف: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [الكهف: 10].
والرشد ليس مجرد معرفة الحق، بل هو الوصول إليه بأفضل الطرق، مع يقين وطمأنينة وسكينة. وهو غاية الأنبياء والصالحين، ومنحة الله لعباده المتوكلين. وسؤالك يحمل في طياته شوقًا لهذا النور، فتعالَ نمضِ معًا في الطريق إليه، نتلمس الوصول إليه بالدعاء والعمل بالأسباب.
أولًا- كيف أدعو الله بالرشد؟
الدعاء هو مفتاح الهداية، وهو الوسيلة التي بها تتصل قلوبنا بالله. ومن أعظم الأدعية التي علمنا إياها النبي ﷺ:
1- دعاء الاستخارة:
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كان النبي ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: «إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ؛ فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي» قالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» [رواه البخاري].
هذا الدعاء يربط قلبك بالله، ويجعلك تسلِّم أمرك له، فتجد الرشد فيما تختار، سواء كان ظاهر الأمر لك خيرًا أم بدا لك غير ذلك.
2- الدعاء المطلق بالهداية والرشد:
فعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: قالَ لي رَسولُ اللهِ ﷺ: «قُلِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي» وفي رواية: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى والسَّدادَ» [رواه مسلم]. والسداد هنا هو الرشد، أي أن تصيب الحق في أمورك كلها.
3- دعاء القرآن:
ومن أعظم الأدعية التي وردت في القرآن: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخرِجنِي مُخرَجَ صِدْقٍ وَاجعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلطَانًا نَّصِيرًا﴾ [الإسراء: 80]. فهو دعاء يطلب من الله التوفيق في كل مدخل ومخرج، في كل خطوة وقرار.
4- كثرة الاستغفار والتوبة:
لأن القلب إذا طهُر من الذنوب كان أكثر استعدادًا لنور الرشد، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجًا﴾ [الطلاق: 2]. والمخرج هنا هو الرشد، أي أن الله يفتح لك الطريق القويم وسط الحيرة.
ثانيًا- العمل بالأسباب للوصول إلى الرشد
إن الدعاء من دون العمل لا يكفي؛ بل لا بد من العمل، فقد قال النبي ﷺ: «احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ» [رواه مسلم].
وهذه بعض الأسباب (الأعمال) التي تعينك على الرشد في قراراتك:
1- صحبة الصالحين وأهل الحكمة:
قال النبي ﷺ: «المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ» [رواه أبو داود]. فصحبة من يخافون الله ويملكون بصيرة نافذة، تعينك على اتخاذ القرارات الصائبة.
2- التعلم والتدبر:
القراءة، طلب العلم، الاستماع لأهل الخبرة، كلها أسباب تعينك على تمييز الخيارات الصحيحة.
3- التأمل والتفكر:
كثير من القرارات تحتاج منك إلى وقفة مع نفسك، إلى صمت بعيد عن الضوضاء، جلسة هادئة تراجع فيها خياراتك.
4- التمهل في اتخاذ القرارات:
لا تتعجل، ولا تأخذ قرارًا تحت ضغط العاطفة أو الظروف، بل خذ وقتك، استخِر، استشِر، ثم توكل على الله.
5- الصبر والثقة بالله:
قد لا ترى الرشد من أول خطوة في الطريق؛ لكنك بالمثابرة والصبر واليقين والثقة بالله، ستجد الله يرشدك ويهديك ويرزقك، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]. فالرشد ثمرة سعيك وصبرك وثقتك بالله.
وختامًا -ولدي الحبيب- فإن ما تعيشه من تشتت وضغوط ليس إلا مرحلة عابرة، لكنها قد تكون المنحة التي تقودك إلى يقين ورشد لم تكن تحلم به من قبل. واصبر، وأكثر من الدعاء، وكن على يقين بأن الله لن يضيعك. فكل خطوة تخطوها نحوه، سيقابلها –سبحانه- برشد ونور يقربك إليه أكثر.
واعلم أن الرشد ليس مجرد قرار صحيح، بل هو أيضًا حالة قلبية من الطمأنينة واليقين، وقد قال النبي ﷺ: «دعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ» [رواه الترمذي]، فإذا وجدت في نفسك انشراحًا بعد الاستخارة والاستشارة، فامضِ، وإذا وجدت ترددًا وانقباضًا، فتأنَّ حتى يفتح الله لك الطريق.
أسأل الله أن يرزقك الرشد في أمرك كله، وأن يجعل قلبك عامرًا بنوره، وأن ييسر لك كل خير، ويصرف عنك كل شر. آمين.