Consultation Image

الإستشارة 28/02/2025

ما حكم الاعتماد على الحساب الفلكي في معرفة بداية الشهور ونهايتها خاصة في شهر رمضان؟

الإجابة 28/02/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالحساب الفلكي من الوسائل العلمية في العصر الحالي التي يمكننا الاعتماد عليه في معرفة أوائل الشهور الهجرية، ونهايتها، ونسبة الخطأ فيه واردة كأي عمل بشري، لكنها بلا شك أقل بكثير من نسبة الخطأ في الرؤية البصرية.

 

يقول العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله- في كتاب فقه الصيام:

 

إن الأخذ بالحساب القطعي اليوم وسيلةً لإثبات الشهور: يجب أن يقبل من باب "قياس الأولى"، بمعنى أن السنة التي شرعت لنا الأخذ بوسيلة أدنى، لما يحيط بها من الشك والاحتمال -وهي الرؤية- لا ترفض وسيلة أعلى وأكمل وأوفى بتحقيق المقصود، والخروج بالأمة من الاختلاف الشديد في تحديد بداية صيامها وفطرها وأضحاها، إلى الوحدة المنشودة في شعائرها وعباداتها، المتصلة بأخص أمور دينها، وألصقها بحياتها وكيانها الروحي، وهي وسيلة الحساب القطعي.

 

إن الشريعة الإسلامية السمحة حين فرضت الصوم في شهر قمري ـ شرعت في إثباته الوسيلة الطبيعية الميسورة والمقدورة لجميع الأمة، والتي لا غموض فيها ولا تعقيد، والأمة في ذلك الوقت أميَّة لا تكتبُ ولا تحسب، وهذه الوسيلة هي رؤية الهلال بالأبصار. فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته -أي الهلال- وأفطروا لرؤيته فإن أغبي عليكم فأكملوا عِدَّةَ شعبان ثلاثين".

 

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلالَ، ولا تُفطروا حتى تروه، فإن غمَّ عليكم فاقدروا له"، وكان هذا رحمةً بالأمة، إذ لم يكلفها الله العمـل بالحســاب، وهي لا تعرفـه ولا تحسنه، فلو كلفت ذلك لقلدت فيه أمة أخرى من أهل الكتاب أو غيرهم ممن لا يدينون بدينها.

 

وقد ذهب بعض كبار العلماء في عصرنا إلى إثبات الهلال بالحساب الفلكي العلمي القطعي، وكتب في ذلك المحدث الكبير العلامة أحمد محمد شاكر ـ رحمه الله ـ رسالته، في "أوائل الشهور العربية: هل يجوز إثباتها شرعًا بالحساب الفلكي؟".

 

ومـن المنـادين بهـذا الرأي في عصرنا الفقيه الكـبير الشيخ مصطـفى الزرقا ـ رحمه الله ـ والذي يظهر من الأخبار أن الذي رفضه الفقهاء من علم الهيئة أو الفلك، هو ما كان يسمى "التنجيم" أو "علم النجوم" وهو ما يُدَّعَى فيه معرفة بعض الغيوب المستقبلية عن طريق النجوم، وهذا باطل، وهو الذي جاء فيه الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا: "مَنْ اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر".

 

وقال الإمام ابن دقيق العيد: "الذي أقول: إن الحساب لا يجوز أن يُعتمد عليه في الصوم لمقارنة القمر للشمس على ما يراه المنجمون، فإنهم قد يقدمون الشهر بالحساب على الرؤية بيوم أو يومين، وفي اعتبار ذلك إحداث شرع لم يأذنْ به الله. وأما إذا دلَّ الحساب على أن الهلال قد طلع على وجهٍ يُرَى، لكن وُجِدَ مانع من رؤيته كالغيم، فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي". ا.هـ.

 

وعقب على ذلك الحافظ ابن حجر بقوله: "لكن يتوقف قبول ذلك على صدق المخبر به، ولا نجزم بصدقه إلا لو شاهد، والحال أنه لم يشاهد، فلا اعتبار بقوله إذن".

 

ولكن علم الفلك الحديث يقوم على المشاهدة بوساطة الأجهزة، وعلى الحساب الرياضي القطعي. ومن الخطأ الشائع لدى كثير من علماء الدين في هذا العصر، اعتقاد أن الحساب الفلكي هو حساب أصحاب التقاويم، أو النتائج، التي تطبعُ وتوزع على الناس، وفيها مواقيت الصلاة، وبدايات الشهور القمرية ونهايتها، وينسب هذا التقويم إلى زيد، وذاك إلى عمرو من الناس، الذين يعتمد معظمهم على كتب قديمة ينقلون منها تلك المواقيت، ويصفونها في تقويماتهم.

 

والله تعالى أعلى وأعلم