Consultation Image

الإستشارة 29/04/2025

مساء الخير، كنت محتاجة نصيحة من حضرتك، وجزاء الله كل خير مقدمًا.

أنا نهيل، بنت 19 سنة، لسه مخلصة ثانوية عامة السنة اللي فاتت.

القصة كلها بدأت بعد النتيجة بتاعتي اللي كانت مش اللي مستنياها، بس الحمد لله أحسن من غيري بكتير وكويسة 74.5 علمي علوم. دخلت عشان بحب المواد، وكان طموحي صيدلة، علاج طبيعي، حاجة من دول، أو أدناهم علوم، ربنا مقسمش بده بس بيني وبين نفسي أنا آخر فترة كنت حاسة إني مستكترة حاجة فيهم على نفسي إني لا مش قدهم، مع إني الحمد الله أنا حد بيقدر يذاكر ويجيب درجات كويسة.

فترة ثانوية عامة للأسف مكنتش قريبة من ربنا، كنت يمكن ملهية معمية، حتى صلاتي كنت مقطَّعة فيها، مكنتش الشخص اللي ربنا كرمني وبقيت عليه دلوقتي، بحاول أكون أحسن في ديني قبل أي حاجة.

أنا السنة دي دخلت لغات وترجمة، بس مش حابة الكلية ولا الحاجات اللي بدرسها رغم تأقلمي، وقدامي إن شاء الله إني أحول السنة الجاية لحاجة كنت عايزاها لو ربنا أراد لي ده.

بس دايما جوايا تردد وخوف كبير أوي مضايقني مخليني مش قادرة أثبت على قرار، خايفة أحول وأكون عارضت إرادة ربنا الأولى ليا، في نفس الوقت في جزء بيقول إن ربنا مثلا أكيد له حكمة في ده إنه فوَّقني خلاني أقرب منه برحمته وإنه مش هيخليني وجزء كبير جوايا لسه بيدعي ومتمسك وشايف إنه في حاجة إنه يعرف هو قصَّر في إيه وصلَّح من نفسه فهيكرمني بالكلية اللي أنا عايزاها بغض النظر عن كلام ناس ليها شغل ملهاش متعبة وكلام ده.

وعندي استفسار تاني، بما إن الفترة دي هي فترة الحمد لله خلتني أقرب من ربنا، أنا في بيت الحمد الله بيصلي وبيذكر ربنا، لكن مقدرش أقول ملتزمين أو متدينين، مامتي الحمد الله محجبة ولكن مش بالزي الشرعي اللبس واسع وفضفاض ولكن أحيانا بردو أنا بقيت عارفة إنه لا يتناسب مع الزي الشرعي اللي ربنا فرضه علينا، إزاي أقدر أنشر الإيمان والحاجات اللي مفروض نلتزم بيها في بيتنا أو لأمي؟

وهل يجوز أن أنصحها وللا أدعيلنا بالهداية وإن ربنا يرزقنا إيانا كلنا التوبة والالتزام والتدين؟

وأختي الصغيرة 14 سنة بردو ما زالت للأسف متأثرة جدا بالمجتمع اللي حوالينا من بنات وأولاد وتيك توك وكل الحاجات دي! إزاي أقدر أنصحها وأرشدها بطريقة يسيرة للالتزام والصلاة والهداية، خصوصا إنها عنيدة جدا وصعب إن حد يتعامل معاها ومش بتقتنع إنها غلط؟

وشكرا مقدما.

الإجابة 29/04/2025

مرحبًا بكِ ابنتي العزيزة نهيل، وأشكر لكِ تواصلكِ الكريم، وثقتكِ الغالية فينا، وحرصكِ على السؤال في الأمور التي تمسُّ قلبكِ ودينكِ ومستقبلكِ. رزقكِ الله نور البصيرة، وسعة الصدر، وثبات الخطى، وشرح صدركِ بالإيمان، وآتاكِ كل ما تُحبِّين وتتمنِّين، وجعل لكِ من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، وفي كل أمرٍ رشَدًا، وبعد...

 

بين النتيجة، وإرادة الله، وقلق القرار:

 

ابنتي الغالية، أعلم كم كانت آمالكِ كبيرة، وكم حلمتِ بالصيدلة أو العلاج الطبيعي، وربما بذلتِ جهدًا لا يراه الناس، وسهرتِ لياليَ لا يعلمها إلا الله، ثم جاءت النتيجة على غير ما تمنيتهِ، فشعرتِ بالحيرة والخذلان. لكنكِ قلتِ بصدق: "الحمد لله، أحسن من غيري بكتير"، وهذه الكلمة هي بداية الفرج.

 

إن «خيبة الأمل»، أحيانًا، تكون هي الباب الذي يفتحه الله لنتخلص من ظنِّنا أننا نملك قدرات معينة، ونعلم يقينًا ما يصلحنا، فنصل عبرها إلى إيماننا بأن الأمر كلَّه بيده سبحانه، وهو أقدر منا، وأعلم منا بما ينفعنا، يقول الله تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 216]، ويقول سبحانه: ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19].

 

لقد كنتِ تقولين لنفسكِ: «أنا مش قدهم»، وسبحان الله! ما أدراكِ أن تلك الخاطرة كانت رحمة من الله تدفعكِ بعيدًا عمَّا لا يناسبكِ أو لا يُصلحكِ؟ ليس ضعفًا أن نشعر بعدم القدرة؛ بل أحيانًا يكون هذا الضعف بوابة لحماية عظيمة.

 

ثم إنكِ -يا ابنتي- شهدتِ بنفسك أنك في تلك الفترة كنتِ بعيدة عن الله، وقد عاد قلبكِ إليه الآن، وتحركتِ من جديد بصدق نحو الطاعة، فأبشري بوعد الله الذي لا يُخلف: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69].

 

لا تخافي يا ابنتي من إعادة المحاولة، ولا تخشي اتخاذ القرار إن كنتِ تدعين وتستخيرين وتسعين برفق. إن تحوُّلَكِ إلى كليةٍ أخرى ليس اعتراضًا على قضاء الله؛ بل هو سعي جديد، وخطوة نابعة من أملٍ وإيمان، لا من سخط أو تذمُّر. وقد قال النبي ﷺ: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز» [رواه مسلم].

 

أنتِ الآن تحسين أنكِ أقرب إلى الله، وهذا يعني أنكِ أكثر توكّلًا، وأكثر صدقًا في الدعاء، وهذا ما يجعل القرار -بإذن الله- موفقًا.

 

لكن ضعي نُصب عينيكِ: لا تسيري خلف الطموح وحده، بل اسألي نفسك دائمًا: هل هذه الخطوة تُقرِّبني من الله؟ هل تُعينني على ديني؟ هل تنفعني في الدنيا والآخرة؟ هل أمتلك ما تتطلبه من فكر وجهد وطاقة ونفسية وشغف؟

 

فإذا وجدتِ في قلبكِ الطمأنينة، فتوكلي، وأقدمي، واعملي، واطلبي رضا الله أولًا، ثم بعدها كل شيء يأتي كما قدَّره الله.

 

هل مسارك الحالي «إرادة الله» التي لا تصح مخالفتها؟

 

إن دخولكِ كلية اللغات والترجمة، نعم هو قَدَر الله لكِ في هذا الوقت؛ لكنه ليس بالضرورة هو المصير الأخير. بل هو باب فتحه الله لتعيشي فيه تجربة، فتقتربي منه، وتتفكري، وتدركي حاجتكِ إليه. وأنتِ ما زلتِ في مساحة السعي، ولكِ أن تُعيدي الكرَّة، وتُجددي الطلب، وتدعي الله، وتدرسي الأسباب.

 

فليس فيما تفكرين معارضة لإرادة الله، فقط: اسألي ربكِ أن يريكِ من رحمته في الدنيا قبل الآخرة، وأن يُريك الخير في اختياراتك، أو أن يصرفها عنكِ إن لم تكن خيرًا.

 

هل يجوز لك نُصح أمك؟

 

نعم يجوز؛ بل يُستحبُّ أن تنصحيها، ولكن بالأدب الجم، والرفق الشديد، والمحبة الصادقة. فما دامت أمكِ -كما تقولين- محجبة، وتصلي، وتذكر الله، فحببي إليها ما هي عليه، واثني عليها، وأشعريها أن خطواتها عظيمة، ثم بلطف شديد حدِّثيها عن فضل التمسك الكامل بالزيِّ الشرعي، وكونه من مظاهر تعظيم أوامر الله.

 

ولا تقولي لها: «أنتِ مخطئة» بل قولي: «أنا بدأت أقرأ عن الزيِّ الشرعي اللي ربنا ذكره، وقلبي ارتاح لفكرة إننا نلتزم بالحجاب الكامل اللي يرضي ربنا، وحسيت قد إيه ربنا كريم لما نهتدي إليه ونستحي منه».

 

اجعلي حديثكِ مع أمك كأنَّه مشاركة وجدانية، لا محاضرة دينية، وادعي لها ولأهلكِ دائمًا بالهداية، فللدعاء الصادق أسرار عظيمة.

 

كيف توجِّهين أختك الصغيرة؟

 

إن أختكِ تمرُّ بمرحلة المراهقة، وفيها تحديات وأفكار، وتداخلات مجتمعية مرعبة، وأنتِ -بفضل الله- مرآتها الجميلة التي تستطيع أن تعكس لها صورة حية للالتزام، لا بالكلام فقط، بل بالحبِّ والسلوك.

 

لا تُحادثيها كأنكِ مُعلِّمة؛ بل بأنك أختها الحَنون المُحبة التي تُشاركها القلق والخوف والرغبة في الارتقاء. اجلسي معها، اسأليها: «إيه اللي بتحبيه؟ إيه اللي بيخوفك؟ بتحسي بإيه لما تسمعي عن ربنا؟ بتحسي إنك بعيدة عنه؟»، واسمعيها.

 

ثم خذي يدها إلى الصلاة خطوة خطوة. لا تأمريها، بل قولي: «تعالي نصلي سوا... نفسي نشعر بطعم الإيمان مع بعض... أنا كنت زيك وكنت تايهة...».

 

كلنا كنا مثلها يومًا، وهدانا الله بأسبابٍ خفية: دعوة أم، أو توجيه أب، أو نصيحة أخ، أو إرشاد صديق، أو دمعة خفية ذرفناها في السجود.

 

ابنتي الكريمة، لا تيأسي من تغيُّر أحد، فالقلوب بين يدي الرحمن. وقولي كما قال مؤمن آل فرعون: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِىٓ إِلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌۢ بِٱلْعِبَادِ﴾ [غافر: 44].

 

وختامًا -يا ابنتي- اعلمي أن كل ما تمرين به الآن ليس عبثًا، بل هو رحلة من التربية الإلهية، يصوغ الله بها قلبكِ، ويهيئكِ لحمل رسالة عظيمة في حياتك. فلا تُكثري من التفكير فيما فات، بل اجعلي قلبكِ معلقًا بالمستقبل الذي يُرضي الله.

 

أسأل الله الحي القيوم، أن يثبِّت قلبك على طاعته، وأن يفتح لك أبواب الخير، وأن يرضى عنك ويرضيك، ويبارك لك في أهلك، ويجعلك لهم نورًا ومصدر هداية، وأن يصرف عنك كلَّ هَمٍّ، وأن يحقق لك ما تتمنين في رضاه. اللهم آمين.

 

وفي انتظار رسائلك دومًا.

الرابط المختصر :