Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. عزة مختار
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 154
  • رقم الاستشارة : 1944
13/05/2025

لم يمر على زواجي عامه الأول بعد، لم نرزق بأطفال وما زلنا في بداية حياتنا، ولم يشغلنا هذا الأمر كثيرًا رغم خوفي الداخلي أن تكون هناك مشكلة، لكننا لم نتحدث في وجوب الذهاب إلى طبيب بالرغم من إلحاح المحيطين بنا على اتخاذ تلك الخطوة، لكن ما حدث بعد ذلك جعلني أزهد في مسألة البحث عن الإنجاب وتأجيلها حتى أطمئن على حياتي مع زوجي، هل تستمر أم تتوقف عند ذلك الحد.

وباختصار شديد لوصف حياتي، لم أعد أشعر أنني شريكة في هذا العلاقة، بقدر ما أشعر أنني غريبة في بيته، أو بالأصح، اثنين غرباء تجمعهما ورقة زواج، كل يوم تتباعد المسافات بيننا، في البداية كان يشاركني كل تفاصيل حياتي وحياته، واليوم توقف الكلام وصار الصمت بيننا هو الطبيعي، لم نعد نسمع في البيت سوى صوت الملاعق وقت الطعام، والأحذية حين نتحرك.

أحاول أن أقترب، أفتح مجالات للحديث، لكنه لا يستجيب، منشغل بهاتفه، أو يقوم بالرد الأقرب للصمت، يعرض بوجهه ويرد كلمة مقابل كلمة ولا أكثر، لا أريد أن أخسر بيتي، ولا أريد بيتا مليئا بكل شيء إلا الدفء والحب.

الإجابة 13/05/2025

بعد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبي الأمة القائل في حديثه الشريف، عن أبي داود والترمذي عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ويروى عن النبي ﷺ أنه قال: "هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين"، ثم أما بعد:

 

فأهلاً ومرحبًا ابنتي بين أسرة الاستشارات مجلة المجتمع، ومرحبا بك في كل وقت، قلبي معك، وأتفهم ما تشتكين منه وهو حال النسبة الأكبر من زيجات العصر؛ نظرًا للمفاهيم المغلوطة التي يعتقدها الشباب ويتبنونها كمنهج تفكير في حياتهم المستقبلية؛ وهو ما يؤدي لكوارث ما بعد الزواج، وزيادة نسبة الطلاق خاصة في السنة الأولى، والتي تخطت النسب المتعارف عليها بشكل مخيف، مما يهدد شكل المجتمعات في السنوات القليلة المقبلة.

 

ابنتي، قبل الزواج يرسم الطرفان، الشاب والفتاة نمطًا معينًا للحياة وصورًا خيالية لا تمت للواقع بصلة، حيث الحياة الرومانسية والوردية الخالية من المشكلات، ويرفع الاثنان سقف التوقعات؛ وهو ما ينجم عنه صدمة ما بعد الزواج، إما انها تؤدي للشجار المستمر، أو تؤدي للخرس الزوجي والانفصال المخفي، فيصيبهم الحزن، وتتسع المسافة بينهما كلما مرت فترة الصمت دون مواجهة حاسمة وفهم لكُنه العلاقة بينهما والغرض منها وكيفية استمرارها وفهم واقع الحياة بين أي زوجين.

 

وهناك عوامل تزيد الهوة بين الاثنين، ولست أدري يا ابنتي إن كنت تعانين من إحداها، لأنك لم توضحي في رسالتك تلك الأسباب أو تشيري إليها، فراجعي الأمر فيما أسرده عليك:

 

- العلاقات العاطفية قبل الزواج، سواء لأحدهما أم لكليهما، حيث يطلق كل منهما العنان لخياله ليتخيل أن الزواج يشبه تلك العلاقة غير المشروعة، حيث يقارن زوجته بشريكته الأولى، والتي كانت تتهيأ له في الوقت القصير الذي يلاقيها فيه، وهي كذلك في كل مشكلة تلاقي الزوجين تجدها تقارن بين زوجها العائد من عمله مرهقًا يعلوه العرق والتراب والغضب، بذلك الذي كان يلتقيها منمقًا ليستطيع امتلاكها دون أن يدفع ثمن ذلك ويحفظها ويحفظ أهلها في نفسها وسمعتها، فتجدها تقارن، وتجده يقارن، لتكون المقارنة دائما لصالح الطرف الغائب؛ فالعلاقات العاطفية قبل الزواج من أهم أسباب برود العاطفة بين الزوجين مع ولادة المسئولية وظهور كل طرف للآخر دون تمثيل وخداع ورتوش التجمل.

 

- من أسباب الشقاق كذلك أو ظاهرة الخرس الزوجي، عدم وجود اهتمامات مشتركة بين الطرفين، فنجد كل منهما في صعيد مختلف عن الآخر، هو يهتم بالكرة مثلا، بينما هي تهتم بأمور الموضة، هو يحب التفاصيل، وهي ترى الصورة مجملة، هو بيتوتي، يحب الاستراحة في البيت خاصة بعد مشقة العمل لالتماس الهدوء والراحة والدفء، وهي تحب الصخب والخروج والحركة، هو ظروفه ضيقة، يستطيع بالكاد أن يقضي حاجات بيته الضرورية، بينما هي تحب التغيير واقتناء كل جديد، هو يحب الجمال والترتيب، وهي فوضوية مهملة في بيتها ونفسها، هي تصلي الصلوات على وقتها، بينما هو مقصر وبالكاد يصلي الجمعة من كل أسبوع، وهكذا حين يغلق الباب على اثنين غرباء كل منهما في واد مختلف.

 

- الهوة الكبيرة بين المستوى التعليمي والثقافي بين الطرفين، حيث يكون من الصعب صناعة أي حوار بينهما؛ لأنه ببساطة سرعان ما ينتهي حيث لا يفهم أحدهما الآخر، وحيث لا تجمعهما لغة حوار مشتركة.

 

- تدخل أطراف أخرى من الأهل والأصدقاء بينهما، خاصة إذا كان هؤلاء الأصدقاء من بيئة فكرية مختلفة، فقد يكونون سببًا سلبيًّا لصنع شقاق بين الزوجين.

 

- عدم القدرة على تحمل المسئولية في حال إذا لم تؤهل أسرة كل منهما الزوج أو الزوجة لتحمل تبعات الزواج والتعريف بحقيقة مفاهيمه.

 

- الديون التي قد تكون متراكمة عليهما بعد الإنفاق الكبير على التجهيز وحفل العرس، والذي يصنع حالة من الضيق الكبير، والتي قد تصل إلى الانفصال في العديد من تلك الزيجات التي تعتمد على الأقساط والسفه والإنفاق فوق الطاقة.

 

- الإعراض عن العلاقة الحميمية بين الزوجين من الزوجة أو من كليهما؛ وهو ما يساهم بشكل كبير في تجميد العلاقة بينهما وإصابتها بالبرود والشقاق.

 

تلك وغيرها من أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى الحالة التي وصفتها –غاليتي- وعليك أن تبحثي بينها فيما قد أدى لحالتك، لنعالج السبب الأصلي دون إنهاك الفكر في أعراض المرض الأساسي، ومن هنا عليك الحديث الهادئ والصريح مع زوجك، وإن لم يكن على استعداد للاستماع، فعليك إدخال طرف ثالث قد يكون حَكمًا من أهلك، وحَكمًا من أهله، شرط أن يريدا الإصلاح والاستماع الجيد، والاعتراف أن هناك ثمة مشكلة تهدد استمرار حياتكما معا.

 

- لقد أخطأ كلاكما في ترك الأمور لتصل إلى هذا الحد من الصمت، وقد كان حريًّا بك وبه أن تنتبها فورًا حين تسلل إليكما الصمت منذ البداية، فكان عليكما البحث حفاظًا على تلك المؤسسة الوليدة.

 

- عليكما معا، خاصة أنت -يا حبيبتي- أن تجيدي حثه على الحديث حين يتوقف؛ فالرجل يحب المبادرة، اجعلي الحديث في هيئة أسئلة تحتاج للجواب الطويل، وليس الجواب بنعم أو بلا.

 

- إيجاد اهتمامات مشتركة بينكما، والمرأة هي ميزان العاطفة داخل البيت، عليها هي أن تشغل نفسها وعقلها وقلبها بصناعة التغيير والحفاظ على جذوة المودة حاضرة، وأنا أتعمد هنا ان أقول المودة؛ لأن البعض يحسب أن لهيب الحب هو الذي يقيم البيت، والحقيقة أن تلك مفاهيم مزيفة، فالحب سرعان ما يذوب بين مشكلات الحياة والخلافات الناشئة، وإن لم يكن هناك مودة ورحمة فلن تستمر.

 

ويحضرنا هنا قصة رجل جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يريد أن يطلق زوجته، معللاً ذلك بأنه لا يحبها، فقال له عمر: ويحك، ألم تُبْنَ البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية وأين التذمم؟ والتذمم هو الإحسان إلى من يذم بترك الإحسان إليه. وقال عمر لامرأة سألها زوجها هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر: فلتكذب إحداكن ولتجمل فليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام.

 

- عليك عزيزتي أن تتفنني في إزالة سبب السكون والسكوت، وأنت كامرأة لديك القدرة على أداء تلك المهمة على خير وجه بما حباك الله به من مواهب وقدرات عاطفية، فلن تحل إلا بمعرفة السبب، ثم القضاء عليه في مهده بقلبك وحبك وحنانك وأنوثتك وحسن تبعلك لزوجك.

 

- عليك استحضار الأجر العظيم في الحفاظ علي زوجك وبيتك، وتصرفك وفق أنه مفتاح جنتك.

 

- عليك قراءة سير أمهات المؤمنين وكيف كنّ مع سيد الخلق، وسير الصحابيات الجليلات وكيف كنّ عونًا لأزوجهن في استكمال طريق جهادهم وسبيلهم إلى الجنة.

 

- عليك الدعاء، والاستعانة بالله، فهو سبحانه بيده مقاليد الأمور والقلوب.

 

- عليك البحث عما يشغلك، قضايا مهمة، عمل مفيد، حتى يرزقكما الله بالذرية الصالحة التني سوف تستولي على جانب كبير من اهتمامك ووقتك.

 

أسأل الله لك الهداية والصواب ولين القلب والحكمة في إدارة شئون حياتك، وأصلح لك زوجك وأزال عنكما كل خلاف وجمود.

الرابط المختصر :