الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
110 - رقم الاستشارة : 3395
24/11/2025
ما هو المقصود بالشخصية البوليميكية؟ وكيف يمكن أن يحمي الإنسان نفسه من تلك الشخصيات؟ وهل فعلا تلك الشخصية ذات ضحالة فكرية وشديدة السطحية؟
أخي الكريم، النفس الإنسانية كثيرة التعارج، بعيدة الأغوار، متشعبة الأمراض، مغرمة بالشهوات والملذات، وفهم تلك النفس هو جزء أصيل في علاجها ودفعها للسير في الطريق المستقيم وطريق الهداية والنجاة.
الاهتمام بدراسة علم النفس أظهر الكثير من الشخصيات المرضية التي تتطلب علاجات، وأهمها العلاجات المعرفية، التي تخاطب النفس، خطابًا عميقًا يقود إلى إصلاحها وصلاحها، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (النساء: 63).
يقول الإمام الفخر الرازي في وصف هذا الوعظ البليغ: "أن يكون كلامًا بليغًا طويلاً حسن الألفاظ حسن المعاني مشتملاً على الترغيب والترهيب والإحذار والإنذار والثواب والعقاب، فإن الكلام إذا كان هكذا عظم وقعه في القلب، وإذا كان مختصرًا ركيك اللفظ قليل المعنى لم يؤثر ألبتة في القلب".
ومن تلك الشخصيات المرضية "الشخصية البوليمكية"، وهي تعني الشخصية السجالية أو الجدالية التي تنطلق في الجدال من أجل الجدال دون أن يكون وراءه غاية أو قصد ودون أن ينبني عليه عمل، ودون أي ثمرة علمية أو معرفية.
ما هي الشخصية البوليميكية؟
البوليميك (Polémique) مصطلح ذو جذور لغوية يونانية قديمة وهو يعني الحربي أو العدائي، ويشير إلى الجدل الحاد أو الخطاب الخلافي الذي يهدف إلى دعم موقف معين عن طريق مهاجمة المواقف المعارضة، ولكن هذا الجدال لا يحمل شيئًا ذا قيمة علمية.
هذا السجال هو نوع من الردود المتبادلة بين طرفين؛ فالكلام يشبه بندول ساعة الحائط يتحرك من اليمين إلى الشمال دون إبداع أو تجديد، فهو مثل الدائرة المغلقة التي لا تُفضي إلى شيء.
أما الشخصية البوليميكية أو السجالية، فتكوينها لا يختلف كثيرًا عن تلك الحالة الجدالية عديمة الفائدة، فتتصف تلك الشخصية بأنها سطحية، فارغة من داخلها ذات صوت عال وضجيج، تشبه آلة "الطبلة" فارغة من داخلها لكن ذات ضجيج عال للغاية، ويزداد ضجيج تلك الشخصية إذا أمسكت بمعلومة أو فكرة فتمتلئ فخرًا وتزداد نبرتها ثقة وصوتها حدة، وعندها يتميز حوارها بقدر من العدوانية وكأنه في معركة حربية.
الشخصية البوليميكية تتمتع بأنا عالية للغاية أو ما يسمى بالنرجسية، مع امتلاكها أي شيء من قشور علمية أو ثقافية؛ إذ يتحول سجالها إلى نوع من الاستعراض للذات بشكل متفاخر للغاية، وهنا يجتمع ضجيج الصوت والسجال مع ضجيج الأنا، وتتصف تلك الشخصية بأنها تمارس الإرهاب الفكري في النقاش.
تلتصق الشخصية البوليميكية بالفكرة السطحية التي تجادل من أجلها، وكأنهما توأم ملتصق لا يمكن الفصل الجسدي بينهما، وهنا يصبح الدفاع عن الشخص والفكرة شيئًا واحدًا، فتلك الشخصية احتلت الفكرة وحولتها إلى درع يحميها أثناء شن الهجوم على الشخص المقابل.
صفات الشخصية البوليميكية
تتصف الشخصية البوليميكية بأنها لا تقبل الرأي الآخر، ولا تنظر إليه، ولا تعتني به، ولا تراه جديرًا بالاحترام أو التفكير، وعند هذه النقطة يتحول الجدال والسجال إلى ما يمكن تسميته بـ"حوار الطرشان" أي لا يوجد طرف يسمع الآخر، إنما تصبح غايته الأساسية هي أن يلقي بكلامه في وجه الآخر، وهو ما يفقد السجال أي ثمرة أو فائدة.
ويتصف حوار الطرشان بعدم إصغاء أي طرف للآخر، وعدم الفهم المتبادل، ويصبح الانتصار هو الغاية، وهناك هروب دائم من مواجهة الحجج المنطقية والمراوغة أثناء الحوار، فالبوليميكية شخصية ناطقة لا مفكرة، شديدة العناد وشديدة التمسك بالتفاهات أثناء الحوار.
البديل الأفضل للتعامل مع تلك الشخصية هو عدم خوض النقاش معها ابتداءً؛ لأنه لا نتيجة مرجوة منه، وإذا اضطر الشخص للدخول في حوار فيجب أن يلوذ بالصمت كثيرًا، لأن تلك الشخصية مثل النار الخامدة تشتعل إذا نفخت فيها، كذلك اتباع استراتيجة السؤال في مواجهة هجومها العدواني أثناء الحوار؛ فالأسئلة تخفف من العدوانية، وتجبرها على الانصراف لمسارات بديلة لم تضعها في حسبانها أثناء بدء الحوار.
روابط ذات صلة:
كيف يمكن تنمية ملكة التفكير النقدي؟