23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

البيع بثمن مؤجل (بيع التقسيط) مع الزيادة في الثمن

الإستشارة 14/02/2025

ما حكم الزيادة في الثمن مقابل الأجل في البيع بالتقسيط؟ أو البيع بثمن مؤجل؟

الإجابة 14/02/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله على وآله ومن والاه وسلم تسليما كثيرًا، وبعد:

 

فالمقصود ببيع التقسيط أو البيع الآجل، هو استلام السلعة مع تأخير الثمن ودفعه على أقساط متفق عليها من حيث القدر والمدة الزمانية.

 

والصحيح أن الزيادة في الثمن مقابل تأخير دفع الثمن أمر جائز شرعًا، وهو ما ذهبت إليه المذاهب الأربعة، وما كان الإسلام ليمنع عقدًا فيه منفعة للناس، وليس فيه ضرر عليهم، كما أنه يتمشى مع ما تقرره العقول، وتؤيده النظريات الاقتصادية من أن للزمن أثره على النقود بشرط أن يكون ذلك في ظل معاملة ليس فيها محظور شرعي، ومن الشروط المهمة لجواز هذا البيع أن يتفق الطرفان عند العقد على مدة التأجيل، وكيفية السداد، والثمن الإجمالي.

 

هذا من حيث الأصل، غير أن الشريعة الإسلامية وروحها العامة لا تحبذ للمسلم أن يعيش رهن الدَّين، وأن يغرق نفسه بالديون من أجل الكماليات التي كان من الممكن أن يحيا بدونها دون أن يتأثر بشيء، وفرّق بين الحكم الشرعي الذي يجيز المعاملة من حيث الأصل فهي من المباحات وبين أن يسرف المسلم في استعمال المباح حتى يقع في الحرام.

 

يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:

 

ظن كثير من الناس أن وجود فرق في السعر بين البيع بثمن حال والبيع إلى أجل بسعر أعلى من الأول يعتبر من باب الربا المحرم.

 

ولدفع هذه الشبهة لا بد من تفصيل القول في حكم زيادة الثمن مقابل الأجل، وقد تعارف الناس على تسمية البيع الذي يشمل زيادة الثمن مقابل الأجل بيع التقسيط.

 

وصورته أن يتفق البائع والمشتري على بيع سلعة ما بثمن معلوم يفرق على أقساط معلومة، ومن المعروف أن ثمن السلعة إذا بيعت بالتقسيط يكون أعلى من ثمنها إذا بيعت حالاً.

 

وقد اختلف الفقهاء في حكم زيادة الثمن نظير الأجل على قولين:

 

القول الأول: لا تجوز الزيادة في الثمن نظير الأجل والزيادة تعتبر من باب الربا المحرم، وبهذا قال زين العابدين بن علي بن الحسين والناصر والمنصور من الهادوية والإمام يحيى، وبه قال أبو بكر الجصاص الحنفي.

 

القول الثاني: تجوز الزيادة في الثمن نظير الأجل، وهذا مذهب جمهور الفقهاء بما فيهم فقهاء المذاهب الأربعة ونقل عن جماعة كبيرة من السلف وبه قال كثير من العلماء المعاصرين.

 

وقد احتج الجمهور على قولهم بجواز زيادة الثمن مقابل الأجل بأدلة كثيرة منها:

 

1. قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وهذه الآية الكريمة عامة تشمل بعمومها البيع بثمنين أحدهما مؤجل أعلى من الآخر.

 

2. قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم} [النساء: 29]، قالوا: إن من أعمال التجارة البيع بالنسيئة ولا بد من أن تكون له ثمرة، وتلك الثمرة داخلة في باب التجارة، وليست داخلة في باب الربا، والرضا ثابت؛ لأن البيع المؤجل طريق من طرق ترويج التجارة.

 

3. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]؛ فالتقسيط في الثمن لا حرج فيه إذا كانت الأقساط معروفة والآجال معلومة للآية.

 

4. واحتجوا بما ورد في الحديث عن السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي"، قال الشيخ ابن باز معلقًا على هذا الحديث: ولقصة بريرة الثابتة في الصحيحين فإنها اشترت نفسها من سادتها بتسع أواق في كل عام أوقية، وهذا هو بيع التقسيط ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بل أقره، ولم ينه عنه، ولا فرق في ذلك بين كون الثمن مماثلاً لما تباع به السلعة نقدًا، أو زائدًا على ذلك بسبب الأجل.

 

5. ما روي في الحديث عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا فنفذت الإبل فأمره أن يأخذ في قلاص- أي إبل- الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، فهذا الحديث واضح الدلالة على جواز أخذ زيادة على الثمن نظير الأجل.

 

6. إن الأصل في الأشياء والعقود والشروط الإباحة متى ما تمت برضا المتعاقدين الجائزي التصرف فيما تبايعا، إلا ما ورد عن الشرع ما يبطله، ولما لم يرد دليل قطعي على تحريم البيع بالتقسيط، فيبقى على الأصل وهو الإباحة.

 

وبعد هذا العرض الموجز أرى رجحان مذهب الجمهور في جواز الزيادة نظير الأجل.

 

رأي مجمع الفقه الإسلامي في البيع بثمن آجل مع الزيادة في الثمن

 

لقد ناقش مجمع الفقه الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي هذا الموضوع، وقرر بعد المناقشة جواز البيع بالتقسيط مع إقرار بعض الضوابط التي تضمن سلامة العقد حتى لا يقع العاقدان في الربا، وهذا هو نص القرار:

 

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) 1990م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتقسيط، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي: -

 

أولاً: تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدًا، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعًا.

 

ثانيًا: لا يجوز شرعًا في بيع الأجل، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط، مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة.

 

ثالثًا: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.

 

رابعًا: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.

 

خامسًا: يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.

 

سادسًا: لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.

 

والله تعالى أعلى وأعلم