الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
39 - رقم الاستشارة : 2744
20/09/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أب في أوائل الخمسينات، ولدي ابنٌ واحد لم يُكمل عامه العشرين بعد، ولا يزال طالبًا. عائلتنا ميسورة الحال، وما يقضّ مضجعي أن ابني تعرف عبر موقع التيك توك على فتاة تعمل راقصة وتقدّم دروسًا لتعليم الفتيات الرقص. علمت أنها كانت متزوجة، ومع ذلك بدأ ابني يتودد لها ويصرّ على أنه يريد الزواج منها.
أنا حائر ومهموم جدًّا: أخشى أن يتسرع في قرار زواجٍ قد يدمّر مستقبله الدراسي والاجتماعي، وأخشى كذلك من آثار اختيار شريكة حياة لا تتوافق مع قيمنا الأسرية والدينية. صدمتني الفكرة لدرجة أنني وجدت نفسي ـ بلا مبالغة ـ أقول في قلبي أني أتمنى الموت قبل أن يتزوجها ابني؛ مشاعر قوية ومذعورة لا أستطيع التعبير عنها لسواكِ.
أطلب نصيحتكِ يا دكتورة أميمة: كيف أمنع ابني بطرق تربوية من الارتباط بهذه المرأة؟ كيف أبعده عن طريقها دون أن أفقده أو أجرحه أو أدفعه لأن يتمرد أكثر؟ وما الخطوات العملية التي ينبغي أن أتبعها كأب حريص على مستقبل ابنه وأسرته؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أيها الأب الكريم، أشعر بصدق ألمك وحرصك على ابنك، وأتفهم قلقك الكبير من أن يتورط في علاقة غير متكافئة، قد تجره إلى مستقبل مُظلم.
المراهقة المتأخرة
لكن دعني أولاً: أشرح لك لتتفهم طبيعة المرحلة العمرية لابنك:
ابنك لم يُكمل عامه العشرين، أي أنه لا يزال في طور المراهقة المتأخرة (Late Adolescence)، حيث يتسم الشباب باندفاع المشاعر (Emotional Impulsivity)، والرغبة في الاستقلال (Autonomy Seeking)، والبحث عن هوية شخصية (Identity Formation). هذه المرحلة تجعلهم أحيانًا يرون الأمور بسطحية، ويخلطون بين الإعجاب اللحظي وبين الحب الناضج.
دور الأب
ثم نأتي ثانيًا: لدورك في احتوائه:
فقد أخطأ كثير من الآباء حين يواجهون أبناءهم بالعنف أو القطيعة، فيزداد الابن تعلقًا بالطرف الآخر تحديًا لوالده.
هنا يظهر مفهوم الحوار البنّاء (Constructive Dialogue)، فهو السبيل لفتح قلب ابنك، مع الاستماع لمشاعره من دون سخرية أو استهزاء.
قال رسول الله ﷺ: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه"، فرفقك بابنك سيجعله أكثر تقبلاً للنصيحة، وأكثر استعدادًا لمراجعة نفسه.
خطوات عملية للأب
ثالثًا: تتبقى الخطوات العملية التي يمكنك اتباعها:
1- التقرب الوجداني (Emotional Bonding): اجلس معه جلسات ودية، حدّثه عن تجاربك في الشباب، وأظهر له أنك تفهم مشاعره. هذا يبني جسرًا من الثقة بينك وبينه.
2- التوجيه غير المباشر (Indirect Guidance): لا تهاجم الفتاة مباشرة، بل اجعله يفكر: "هل هذه العلاقة تحقق لي الأمان الأسري والاستقرار الديني والاجتماعي؟".
3- تعزيز القدوة (Role Modeling): أبرز له نماذج لزيجات ناجحة في العائلة أو المحيط، تُظهر أهمية الاختيار السليم المبني على الدين والخلق.
4- حاول شغل أوقاته بالبدائل: شاركه في أنشطة تعليمية، رياضية، أو اجتماعية؛ فالشاب إذا تُرك فارغًا ملأ الفراغ بما يضرّه.
5- استخدام الإقناع العقلي (Rational Persuasion): وضّح له أن الزواج ليس مجرد عاطفة، بل شراكة طويلة الأمد، تحتاج إلى استقرار، وخبرة، وتكافؤ في القيم.
رابعًا: وضح له البعد الديني والقيمي وأهمية ذلك في حياة وسمعة الشخص:
الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾، فالدين يحث على اختيار الصالحات ذوات الخلق والدين، كما قال النبي ﷺ: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وهذا معيار واضح لابنك إن أراد زواجًا مباركًا.
خامسًا: احذر أيها الأب الحنون من تمنَّ الموت أو الدعاء على نفسك او ابنك، بل تمنَّ له الهداية والصلاح.
دورك اليوم أن تكون سندًا ومرشدًا، لا سجّانًا ولا خصمًا. واعلم أن ابنك بحاجة إلى أن يشعر أن رفضك لهذه العلاقة نابع من حبك وخوفك عليه، لا من تسلط أو رفض لرغباته.
* همسة أخيرة:
أيها الأب المهموم، قم بدورك وأخذ بالأسباب، ثم اترك الأمر لله تعالي فقدره نافذ لا محالة..
وثق أن صبرك وحكمتك ستثمران، وستكتشف أن ابنك –مع الوقت والنصح الهادئ– سيبصر بعينه خطورة ما هو مقبل عليه.
أسأل الله تعالى له الهداية وصلاح الأحوال وجميع أبنائنا وبناتنا.
روابط ذات صلة: