أولادي يقتدون بمشاهير التفاهة.. كيف أتصرف؟!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : المراهقون
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 145
  • رقم الاستشارة : 2442
25/08/2025

المشاهير التافهون صاروا شغف متابعة لأولادي وأولاد صديقاتي وأقاربي. كثرت التفاهة في وسائل التواصل حتى صارت تفرض نفسها كواقع يومي، يلمع فيها السخف ويُغيب فيها الفكر. صار التافه "قدوة"، والسطحي "مؤثر"، بينما يُهمَّش صوت العقل والمعرفة. كيف أتعامل مع هذه الظاهرة؟ وكيف أنمّي الوعي بعقول أطفالي الصغار والمراهقين؟ وهل هو عمل فردي يقتصر على البيت فقط، أم أن للدولة والعلماء دور أيضًا؟

الإجابة 25/08/2025

أختي الكريمة،

 

سؤالك يعكس وعيًا كبيرًا بخطورة ما يواجه أبناءنا في هذا العصر، وهو ما يُسمّى في علم النفس التربوي "النمذجة الاجتماعية" Social Modeling، حيث يتأثر الطفل والمراهق بالقدوات التي يتابعها سواء في الواقع أو عبر الشاشات. وللأسف، حين تغيب القدوات الحقيقية، يملأ "التافهون" هذا الفراغ.

 

وعلينا أولا أن نعي أن البيت هو اللبنة الأولى، ولا يمكن أن نقلّل من تأثيره. ولكن لا بد أن يكون التأثير ذكيًّا وليس مباشرًا فحسب، وذلك يمكننا تنفيذه كالتالي:

 

1- تعزيز التفكير النقدي Critical Thinking ..

 

ساعدي أبناءك على أن يتساءلوا: لماذا هذا الشخص مشهور؟ ما القيمة التي يضيفها؟ هذا ما يُسمّى بمهارة "التفكير التأملي" Reflective Thinking التي تحميهم إلى حد كبير من الانجراف وراء التقليد الأعمى.

 

2- توفير البديل الجاذب..

 

لا يكفي أن ننتقد التافهين، بل لا بد أن نقدّم بدائل ممتعة وراقية: كتب مسموعة، قنوات تعليمية مسلية، قدوات ناجحة في العلم والفن والرياضة، وهكذا، والمجالات مفتوحة وأصحاب القدوة كثر علي مر الزمان.

 

3- المشاركة لا المنع..

 

المراهق بطبيعته إذا مُنع انجذب أكثر؛ فالممنوع مرغوب، لذلك الأفضل أن تشاركيه الاهتمام، ثم تقوديه بلطف وذكاء نحو الخيارات الأعمق، وكل ذلك ينمو بالاحتواء والحب.

 

4- اجعلي من نفسك القدوة الصامتة..

 

حين يرى أبناؤك أنكِ لا تنشغلين بالتافهين بل تتابعين شخصيات نافعة، سيقلدون ذلك، يقول ابن خلدون: "المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب"، والغالب في نظر الأبناء هو القدوة الأقرب.

 

* نأتي للعامل الثاني المهم في هذه القضية المهمة ألا وهو دور المجتمع والدولة والعلماء..

 

القضية ليست فردية فقط، بل هي منظومة متكاملة، مثل:

 

-  الإعلام= ويحتاج إلى سياسات تحمي الذوق العام وتُبرز الرموز النافعة.

 

- التربية والتعليم= لا بد أن يُدرَّس في المدارس مفهوم "التربية الإعلامية" Media Literacy  ليعرف الطالب كيف يفرّق بين الغث والسمين.

 

- العلماء والمفكرون= وهذه الفئة المهمة أيضًا عليها واجب بيان خطورة هذه الظاهرة، ونشر المحتوى البديل الذي يجمع بين الدين والمعرفة والمتعة.

 

كما أن ديننا علّمنا أن القدوة الصالحة هي أساس التربية. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ فإذا جعلنا أبناءنا يتذوقون سيرة النبي ﷺ، والصحابة -رضوان الله عليهم- والعلماء، فسيشعرون أن هناك قدوات أعظم من نجوم التفاهة.

 

وأخيرًا، أود طمأنتك غاليتي: بألا تحزني إن أحب أبناؤك متابعة بعض "المؤثرين التافهين"، فهذا جزء من فضول المراهقة ومرحلة "تشكيل الهوية" Identity Formation لكن دورك أن توازني المعادلة،  فلا منع كاملا، ولا استسلام كاملا، بل توجيه رشيد.

 

فكما قيل: "عقلك يُكسبك أشرف الأحوال، ويفتح لك أبواب الأقوال والأفعال"... فاجعلي العقل زينة حديثك معهم دائمًا.

 

* همسة أخيرة لأختي الفاضلة:

 

تذكري يا عزيزتي، أن المسؤولية تبدأ من البيت، لكن تمتد لتشمل الإعلام، التعليم، والعلماء، ومتى تكاملت هذه الدوائر، خفّ سطوع التفاهة، وارتفع صوت العقل والمعرفة.

الرابط المختصر :