ابني المراهق يؤذينا جميعا.. كيف أتعامل معه؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : المراهقون
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 162
  • رقم الاستشارة : 2429
20/08/2025

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، ابني اتربى يتيم، عنده 16 سنة بيكذب كتير، وكمان علاقته بربنا أنا مش راضية عنها، دايما ببأذي اللي حواليه، بيعمل مشاكل كتير. ذهبت لطبيب نفسي قال لي هو شخصية سيكوباتية مؤذية للآخرين. دلوقتي مش عاوز يروح المدرسة وبيأذيني أنا وأخوه وأخته.. أعمل معاه إيه، أعامله إزاي، اتصرف إزاي معاه؟ أرجو إرشادي، وشكراً.

الإجابة 20/08/2025

عزيزتي الأم،

 

بداية، أسأل الله أن يربط على قلبك ويعينك في رحلتك التربوية، وأن يفتح على ابنك بنور الهداية والسكينة.

 

أولًا: أقدّر قلقكِ وحرصكِ على صلاح ابنكِ، وأتفهم حجم التحديات التي تعانينها معه، خاصةً مع ظروف يُتمه وفقدانه لعنصر أساسي من عناصر التوازن النفسي، وهو الأمان الأسري الكامل. هذا أمر طبيعي أن يترك أثره على شخصيته وسلوكه، لكنه لا يعني أن الأمر ميؤوس منه أو أن مستقبله قد انتهى، لا قدر الله.

 

بالنسبة لما وصف الطبيب لابنك كونه "شخصية سيكوباتية" ربما جاء نتيجة ملاحظته لسلوكيات عدوانية أو كذب أو إيذاء للآخرين.

 

لكن من المهم أن نُدرك أن المراهق في عمر ١٦ عامًا يمر بمرحلة حساسة من التقلبات الانفعالية (Emotional Fluctuations) والبحث عن الهوية (Identity Crisis)، وقد تظهر سلوكيات تُشبه الاضطرابات النفسية لكنها ليست بالضرورة ثابتة أو مزمنة.

 

الكذب هنا قد يكون وسيلة للهروب أو الدفاع عن النفس، والعدوانية قد تكون صرخة داخلية يعبر بها عن احتياجاته غير المشبعة، مثل الحاجة إلى الاحتواء، أو الشعور بالحب غير المشروط، أو الإحساس بالانتماء.

 

ثانيا: حبيبتي.. لا بد أن تعي أن دوركِ هنا كأم، لهو من أهم العوامل والأسس المساعدة في تهذيب ابنك.. وهو يحتاج منك الآتي:

 

- الاحتواء العاطفي:(Emotional Containment)

 

ابنك بحاجة لأن يشعر أنكِ تحبينه رغم أخطائه، وأنكِ تميزين بين السلوك المرفوض وبين شخصه كإنسان. قولي له دائمًا: "أنا لا أقبل هذا الفعل، لكني أحبك وأتمنى لك الخير".

 

- الحزم المرن: (Firm but Kind)

 

لا يعني الحب أن نتهاون مع الخطأ. عليكِ أن تضعي حدودًا واضحة لما هو مسموح ومرفوض، لكن دون قسوة أو عقاب جارح، وقدوتنا في اللين والتربية هو سيدنا محمد ﷺ.

 

- التواصل الروحي:

 

ذكّريه بالله بطريقة محببة، لا عبر التوبيخ أو المقارنة.

 

اجلسي معه، وافتحي له باب الحديث عن الله تعالي كملجأ رحيم، لا كقاضٍ معاقب فقط. قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾.

 

ثالثًا: كما أن هناك خطوات عملية ضرورية للتعامل معه:

 

1- جلسات منتظمة للحوار الأسري: (Family Dialogue)

 

خصصي وقتًا هادئًا أسبوعيًّا للجلوس معه بلا لوم، بل للاستماع فقط. أشعريه أن صوته مسموع.

 

2- شجعيه على تفريغ الطاقة السلبية: (Energy Release)

 

من خلال ممارسة رياضة بدنية قوية كالملاكمة أو كرة القدم، فهي تساعد على خفض العدوانية في مجتمعه المحيط وتوجيهها للخير والدفاع عن الحق.

 

3- حمّليه المسؤولية وأشركيه معك:

 

أعطه مهام منزلية أو اجتماعية بسيطة، واجعليه يشعر أنه مؤثر وله قيمة.

 

4- التدرج في التعليم، وعدم الإصرار على مؤهل معين:

 

فإن رفض المدرسة، يمكنك البحث عن بدائل تعليمية مرنة أو مهنية، تعزز مهاراته العملية بدل إجباره بأسلوب قاسٍ.

 

5- من الضروري متابعة العلاج النفسي بشكل مستمر:

 

فلا تكتفي بزيارة واحدة، بل ابحثي عن مختص في العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT) مع المراهقين. فهذا النوع من العلاج يساعد على تعديل الأفكار والسلوكيات السلبية تدريجيًّا بعون الله تعالى.

 

أختي الغالية.. أرجو ألا تملي من نصح ابنك بالحسنى، ذكريه بأن القوة الحقيقية ليست في إيذاء الآخرين، بل في ضبط النفس. قال ﷺ: "ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".

 

كما يمكنكِ ربطه بنماذج شبابية قرآنية، مثل سيرة الحبيب المصطفيﷺ، وقصة يوسف عليه السلام الذي عاش يتمًا في حياة والده، وواجه أزمات، لكنه صار عزيز مصر بالصبر والإيمان، وكذلك سيدنا أيوب عليه السلام، وغيرها من قصص الصحابة والتابعين.

 

كما أوصيك –غاليتي- ألا تملي من ديمومة الدعاء لابنك.

 

وأخيرا، لا تنظري لابنك كـ"خطر" بل كـ"أمانة". هو جائع للحب والاهتمام، حتى لو أظهر العناد والعدوان. وكونكِ أُمًا له، فدوركِ هو أن تكوني الجسر بينه وبين الإصلاح. لا تيأسي ولا تستسلمي للتشخيصات السلبية، بل اجعليها دافعًا للبحث عن طرق العلاج والتقويم.

 

* همسة أخيرة لأختي الغالية:

 

ابنك يحتاج منكِ إلى احتواء، وضبط، وإرشاد ديني تربوي، وتدخل علاجي نفسي متواصل. اجمعي بين الرحمة والحزم، بين الدعاء والسعي العملي، وكوني له حضنًا دافئًا لا سيفًا قاسيًا.

 

وكوني على يقين بالله تعالى أنه لن يضيع ابنك ولا تعبك معه.. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.

 

 أسأل الله أن يشرح صدر ابنك ويصلح قلبه وأحواله ويجعله قرة عين لكِ في الدنيا والآخرة.

الرابط المختصر :