الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
10 - رقم الاستشارة : 2774
23/09/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا أب لابن عمره ١٧ سنة، في الصف الثاني الثانوي. مشكلتي أن ابني في الفترة الأخيرة ارتبط بمجموعة من الأصدقاء سيئي السمعة في منطقتنا، ومعروفين بين الناس بأنهم أصحاب سلوك عدواني وبلطجي. لاحظت تغيّر في أسلوبه؛ صار صوته أعلى، وكلامه فيه نوع من التحدي، وأحيانًا يرد عليّ بحدة لم أعهده من قبل.
رغم أنه ما زال يحترمني أحيانًا، لكنني أشعر أنه بدأ يتأثر بهم في طريقة تفكيره ولبسه وحتى لغته. صرت أخشى أن ينجرف وراءهم في مشاكل أو سلوكيات منحرفة، خصوصًا أنهم لا يهتمون بالدراسة ويقضون وقتهم في الشوارع.
حاولت التحدث معه بهدوء لكنه يعتبرني أبالغ، ويقول إنهم "جدعان وبيفهموه أكتر من البيت". بصراحة أنا في حيرة: هل أمنعه عنهم بالقوة فأفقده أكثر؟ أم أتركه وأراقبه من بعيد؟ أخاف أن أتأخر في القرار ويضيع الولد مني.
أحتاج إلى نصيحة واضحة في كيفية التعامل معه ومع أصدقائه في هذه المرحلة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
سيدي، يجب أن تعلم أن مرحلة المراهقة مثل قطار الملاهي، فيها صعود وهبوط، ضحك وبكاء، اندفاع وتراجع، فلا تقلق أكثر مما يلزم.
وكون ابنك عمره ١٧ سنة، فطبيعي أنه يبحث عن ذاته، ويريد أن يثبت استقلاله، وأحيانًا يختار الصحبة كمرآة له، حتى لو كانت مرآة مشروخة!
نقاط مهمة
ودعني أفصّل لك الأمر في عدة نقاط:
1- فهم الدافع النفسي:
ابنك لا ينجذب لهم لأنهم "بلطجية" فقط، بل لأنه يشعر معهم بالانتماء والقبول، وهذا ما يُسمى في علم النفس التربوي Need for belonging الحاجة للانتماء. هو يرى أنهم "مُقدّرين" شخصيته أكثر من البيت.. وكذلك يجد فيهم السند إن احتاج لدفاع عن النفس.
2- ضرورة الحزم المرن (Firm but Flexible):
المنع بالقوة وحده سيزيده تمردًا، والترك تمامًا سيعرّضه للانجراف. الحل هو التوازن: لا تسمح بعلاقته المطلقة بهم، ولا تصنع صدامًا مباشرًا. ركّز على وضع قواعد واضحة: المواعيد، الالتزام بالدراسة، احترام البيت.
3- إعادة بناء الجاذبية في البيت:
إذا شعر ابنك أن البيت كله "أوامر ونقد" فسيهرب للأصدقاء مهما كانوا. لكن لو البيت صار فيه استماع وضحك وحوار وأمان فسيتعلق بكم أكثر. جرب أن تقضي معه وقتًا فرديًّا؛ قهوة سريعة معه، مشوار بالسيارة، لعبة بلاي ستيشن، أي شيء يفتح القلوب.
4- ومهم جدًّا بناء بدائل للصحبة:
ابحث له عن بيئة آمنة تجمع بين المتعة والانتماء، مثل: ناد رياضي، مركز أنشطة، أو حتى رفقة صالحة من العائلة. اجعل البديل جذابًا وليس مفروضًا عليه.
5- الرسالة غير المباشرة:
بدلًا من مهاجمة أصحابه ("أنت مع بلطجية!")، تحدّث عن القيم: الكرامة، سمعة الأسرة، احترام الناس، المستقبل. فالشاب في سنه يتأثر أكثر بالقيم الكبرى إذا جاءت في شكل قصص وتجارب واقعية، لا أوامر جافة.
6- البُعد الديني له تأثير إيجابي:
ذكّره بلطف بأن "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، وبيّن له أن الصديق مثل المصعد: إمّا يصعد بك للجنة أو يهبط بك للأسفل والعياذ بالله.. قلها بابتسامة لا بتهديد.
7- كن ذكيًّا في متابعته:
راقب عن قرب لكن دون أن يشعر أنك جاسوس، وحافظ على خيط الثقة. فإن أغلق الباب تمامًا فسيكون أصحابه هم الباب المفتوح الوحيد.
8- وإن كان باستطاعتك ماديًّا أن تنتقل للعيش بأسرتك في منطقة أرقي وأكثر أمانًا بدون هذه النوعية من الأصدقاء، فليتك تفعل.
* همسة أخيرة:
ابنك لا يزال في متناولك، فلا تيأس ولا تندفع. اجمع بين الحزم والرحمة، واصنع في البيت ما هو أجمل من الشارع. واعلم أن التربية في هذه المرحلة مثل صيد السمك: تحتاج إلى صبر وهدوء، لا إلى شباك عنيفة.
روابط ذات صلة: