الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : المراهقون
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
132 - رقم الاستشارة : 2410
18/08/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا أم لابن وحيد عمره 18 عامًا، أنهى الثانوية العامة هذا العام، ونحن الآن بانتظار نتيجة التنسيق الجامعي ليبدأ مشواره الدراسي. المشكلة أن والده يُصر بشدة على تزويجه قبل دخوله الجامعة، بحجة أنه يريد أن يفرح بابنه الوحيد، خاصة أنه عاش نفس التجربة حيث كان والده وحيدًا أيضًا، ويرى أن الزواج المبكر أمر لا يضر، بل العكس، يراه سببًا للراحة والاطمئنان، خصوصًا أنه ميسور الحال جدًا، ويؤكد أنه لا مانع حتى من الزواج من أكثر من زوجة.
زوجي لم يكمل تعليمه ولم يحصل على مؤهل علمي، وهو دائمًا يردد أن المال كفيل بتغطية كل متطلبات الحياة، بينما أنا أرى أن العلم هو الأساس، وأن ابني ما زال صغيرًا جدًا على الزواج. ابني نفسه يرفض بشدة هذه الفكرة، ويقول إنه يريد أن يركز على دراسته الجامعية، وأن يعيش مرحلته العمرية الطبيعية مثل أصدقائه، ويرفض أن يتم زواجه عن طريق "الصالونات" أو الاختيارات السريعة التي يفرضها والده.
أنا في حيرة كبيرة، أشعر أن إصرار والده قد يُربك مستقبل ابني، وأخشى أن يدفعه هذا الضغط النفسي إلى التمرد أو الغضب، خاصة أن والده لا يتقبل النقاش بسهولة. بماذا تنصحونني أن أفعل؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أختي الكريمة، لا أعلم أأبتسم متعجبة من موقف زوجك، أم أتعجب مبتسمة من إصراره العجيب على تزويج شاب لم يبدأ بعد أولى خطواته في الحياة الجامعية!
فالأمر -يا سيدتي- أقرب ما يكون إلى استعجال الثمار قبل أن تنضج، وكأننا نريد أن نقطف الزهرة وهي ما زالت في طور التفتح.
أول ما أود الإشارة إليه أن السن القانونية للزواج في مصر هي 18 عامًا، أي أن ابنك بالفعل أصبح في السن التي تسمح له بالزواج قانونًا، لكن هذا لا يعني أن السن مناسبة نفسيًّا وتربويًّا لتحمل أعباء مؤسسة الزواج. فالقانون يضع الحد الأدنى، أما النضج النفسي والعاطفي والاجتماعي، فهو الشرط الأهم لنجاح أي علاقة زوجية مستقرة.
ابنك –كما ذكرتِ– أنهى للتو مرحلة الثانوية العامة، وهي مرحلة انتقالية حرجة (Transitional Stage) في حياة الشاب، حيث يتشكل وعيه الذاتي، وتترسخ الهوية الشخصية، ويبدأ في خوض تجربة الاستقلالية واتخاذ القرار.
وإدخاله مباشرة في تجربة الزواج –بما فيها من مسؤوليات اقتصادية ونفسية واجتماعية– قد يربك مساره، ويعيق نضجه الأكاديمي والمهني، بل ويؤدي إلى ضغط نفسي (Psychological Pressure) يفوق طاقته.
لا شك أن الزواج مقصد نبيل وشريعة سمحة، لكن الله تعالى يقول: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾، أي أن البلوغ وحده لا يكفي، بل لا بد من الرشد، أي النضج العقلي والنفسي الذي يؤهل صاحبه لتحمل المسؤولية.. وابنكما الآن -يا عزيزتي- غالبًا لا يزال في طور المراهقة.
لذا فإنه من منظور علم النفس التربوي الأسري: فالزواج المبكر في مثل هذه الحالات قد يُعرض الابن لخطر الصراع الأسري المبكر (Early Marital Conflict)، وربما يفقده الحماس للتحصيل العلمي؛ لأن الأولويات ستتشوش بين حياته الزوجية ودراسته، وهو ما يُعرف في التربية بـ تداخل أو صراع الأدوار (Role Conflict).
* وأما عن رغبة الوالد الكريمة في "الفرح بالابن"، فهي عاطفة طبيعية، لكن التعبير عنها بهذه الصورة قد يضر الابن أكثر مما ينفعه.
الفرح الحقيقي -إن أدرك الأب ووعى- هو أن يرى ابنه ناجحًا، مكتمل الوعي، قادرًا على بناء حياته بقرار حرّ وناضج، لا أن يُزجّ به في زواج لم يختره ولم يستعد له.
* ونصيحتي هي:
- حاولي أن تُظهري لزوجك أنك تقدرين غيرته وحرصه على ابنه، لكن اشرحي له أن الفرح الحقيقي سيكون يوم يتخرج ابنكما من الجامعة ويقف على قدميه بكيان مستقل، وأن علينا أن نفرح له كثيرًا في كل مرحلة يحقق فيها نجاحًا وتقدمًا وتحملاً للمسؤوليات.
ذكّريه بأن النبي ﷺ قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، والباءة هنا لا تعني القدرة المالية وحدها، بل القدرة على تحمل التبعات النفسية والاجتماعية.
- كذلك أشركي ابنك في النقاش بهدوء أمام والده، حتى يرى الأب أن الابن رافض، وأن فرض الزواج عليه قد يولّد نفورًا وفتورًا بدلًا من الفرح.
كما يمكنكما اللجوء إلى شخص حكيم من العائلة يحترمه زوجك، ليكون صوتًا وسطًا يخفف من حدة إصراره.
وأخيرًا، تذكّري -أختي الحبيبة- أن وقوفك بجانب ابنك في هذه المرحلة مهم جدًّا، فهو يحتاج دعمك العاطفي والمعنوي، حتى لا يشعر أنه وحيد في مواجهة ضغوط والده.
* همسة أخيرة:
الزواج -أيها الأفاضل- مشروع حياة، وليس مناسبة اجتماعية عابرة. والابن الآن في بداية طريقه، وكل خطوة مؤجلة بحكمة خير له ولحياته المستقبلية.
بارك الله لكما في ابنكما وفي عمره وعمله.