ابني بدون عمل.. كيف أوجهه لاستثمار وقته بعد تخرجه؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الشباب
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 51
  • رقم الاستشارة : 3398
24/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دكتورتنا الفاضلة،

أنا أب لابنٍ في بداية شبابه، وقد تخرّج حديثًا من الجامعة منذ عدة أشهر، لكنه – إلى هذه اللحظة – لم يجد عملًا مناسبًا. لاحظت عليه في الفترة الأخيرة نوعًا من الفراغ والملل، وكأنه يشعر بأن أيامه تمرّ دون هدف واضح.

ابني شاب محترم وهادئ، لكنّي أخشى أن يتحوّل هذا الفراغ إلى طاقة مهدرة أو إحباط داخلي، خاصة أنّه بدأ يسهر كثيرًا، ويقضي أغلب وقته على الهاتف أو الحاسوب بلا فائدة حقيقية. وأنا كأب لا أريد الضغط عليه ولا إشعاره بأنه فاشل، وفي الوقت نفسه أخاف أن يستمرّ في هذا الأسلوب الذي يجعل عمره يضيع دون استثمار.

أنا محتاج لتوجيهك:

كيف أساعده على استثمار وقته؟

وكيف أوجّهه ليُفرغ طاقته في شيء نافع، دون أن يشعر أنني أتدخل أو أفرض عليه؟

وهل لديكِ أفكار لأعمال أو مهارات يمكنه البدء بها حتى قبل أن يجد وظيفة ثابتة؟

جزاكِ الله خيرًا، فأنا بالفعل أشعر بالحيرة، وكل ما أريده هو أن أرى ابني يبدأ طريقه بثقة ووعي وبداية صحيحة.

الإجابة 24/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أخي الكريم، أقدّر لك هذا الوعي الأبوي، وهذه الرغبة الصادقة في توجيه ابنك دون أن تجرح مشاعره أو تُضعف ثقته بنفسه. وما تشعر به اليوم يمرّ به كثير من الآباء حين يدخل الأبناء مرحلة ما بعد التخرّج، وهي مرحلة تتأرجح بين الأمل والقلق، وبين البناء والفراغ.

 

وبداية، سوف أقدّم لك ردًّا تربويًّا نفسيًّا شاملاً، والله المستعان..

 

مرحلة انتقالية

 

حالة ابنك ليست مشكلة، بل "مرحلة انتقالية"، تُسمّى في علم النفس Transition Phase وهي الفترة التي ينتقل فيها الشاب من عالم الدراسة إلى عالم العمل.

 

وفي هذه المرحلة يظهر ما يسمى Role Confusion أو "ارتباك الدور"، أي أن الشاب يشعر أن موقعه في الحياة غير محدد بعد.

 

وهذا يفسّر حاله من: السهر، كثرة استخدام الهاتف، الشعور بالملل، وضعف المبادرة. ولكن هذه ليست علامات فشل، بل علامات بحث عن اتجاه.

 

الاحتواء الهادئ

 

أهم ما يحتاجه ابنك الآن هو "الاحتواء الهادئ"؛ لأنه في مثل هذه المراحل، يؤكّد المختصون على مهارة Emotional Support أي الدعم الوجداني، وهو أن يشعر الشاب أن أسرته تسانده دون ضغط، وتثق به دون مبالغة.

 

وهذا يتوافق مع مبدأ قرآني كريم: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾؛ فالعمل قيمة، لكنه يحتاج إلى وقت، وطمأنة، وتيسير.

 

أبواب استثمار الوقت

 

كيف تفتح له أبواب استثمار الوقت دون أن يشعر بالفرض؟

 

1- الحوار الهادئ المنظم..

 

اجلس معه جلسة ودية، لا يوجد فيها نقد ولا مقارنة، وقل له: "يا بُني، هذه الفترة فرصة ذهبية لبناء نفسك، وأنا هنا لأساعدك إذا رغبت، القرار لك، وأنا واثق من قدرتك"، هذا الأسلوب بمثابة دعم استقلال الشاب ليختار طريقه بنفسه.

 

2- مساعدته على بناء "هوية مهنية" Career Identity.. قبل العمل يجب أن يعرف ابنك:

 

- ما الذي يحبه؟

 

- ما المهارات التي يملكها؟

 

- ما المجالات الممكنة لتخصصه؟

 

- ما الوظائف التي تناسب شخصيته؟

 

هذه الخطوة تُنقذه من التشتت، وتمنحه رؤية واضحة إلى حد كبير.

 

3- برامج تدريب قصيرة.. اقترح عليه – بلطف – الالتحاق بدورات قصيرة، مثل:

 

الحاسب، التسويق، التصميم، اللغات، إدارة الوقت، مهارات التواصل. فهذه الدورات ترفع ثقته بنفسه وتضيف لسيرته الذاتية.

 

4- توجيهه لأعمال مؤقتة ذات مردود إيجابي معنوي أو مادي.. ويمكن أن تبدأ بخطوات صغيرة، مثل:

 

- العمل الحر عبر الإنترنت،

 

- التدريس الخصوصي،

 

- مشاركة في مشاريع صغيرة،

 

- العمل الجزئي في المبيعات أو خدمة العملاء،

 

- التطوع في جمعيات تحسّن من خبرته.

 

وهذه فرص لا تُقلّل من قيمته، بل تبني شخصيته.

 

5- ضبط اليوم لديه.. حيث إن أكبر خطر على الشاب المتخرج هو "اليوم المفتوح".. فساعده على:

 

- الاستيقاظ مبكرًا،

 

- تحديد مهام يومية،

 

- تخصيص وقت للتعلّم،

 

- تخصيص وقت للبحث عن عمل،

 

- وأيضًا تخصيص وقت للراحة والرياضة.

 

فهذا يُسمّى بـ  Self-Discipline Developmentأي تدريب النفس على الانضباط الذاتي، وذلك دون قسوة.

 

الحماية من الإحباط

 

لا بد حماية ابنك من الإحباط.. فاحرص ألا تقول له:

 

"لماذا لا تعمل؟".

 

"أين ستذهب بحياتك؟".

 

"الناس كلها تعمل إلا أنت".

 

لأن هذه الجمل تُنشئ شعورًا بالعجز وهو شعور يقتل الحماسة.

 

* بل استبدل بها جملاً محفّزة، مثل:

 

"أثق بقدرتك على أن تبدأ بداية طيبة".

 

"هذه مرحلة مؤقتة وستتجاوزها إن شاء الله".

 

"أنا هنا لدعمك، لا لمحاسبتك".

 

ثم ذكّره دائمًا بأن الرزق بيد الله تعالى، وأنّ السعي واجب: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾، وأن النبي ﷺ قال: "لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ".. فهذه المرحلة ليست تعطيلًا، بل تمهيد لما هو خير بإذن الله تعالى.

 

أفكار عملية

 

وهذه أيضًا أفكار عملية تساعده للانطلاق نحو العمل، وهي مجموعة أفكار عملية واقعية يمكن أن تناسب معظم الشباب:

 

1- إنشاء سيرة ذاتية احترافية مع تحديثها باستمرار.

 

2- فتح حسابات مهنية على منصّات التوظيف.

 

3- التدرّب على المقابلات الوظيفية.

 

4- العمل الحر في الترجمة، الكتابة، التصميم، البرمجة أو الدعم الفني.

 

5- التطوّع في أماكن قريبة من التخصص.

 

6- العمل في محل أو مركز تدريبي للحصول على خبرة.

 

7- التفكير بمشروع صغير منزلي أو إلكتروني.

 

8- قراءة كتب تطوير الذات والتنمية المهنية.

 

فكل خطوة صغيرة تمنحه قوة داخلية وتوسّع مداركه.

 

* همسة أخيرة:

 

ابنك الآن ليس محتاجًا لوظيفة بقدر حاجته لـ من يُمسك بيده ويشدد من أزره. دورك ليس دفعه بالقوة، بل تهيئة المناخ الذي يدفعه هو إلى أن ينهض بقوته الذاتية.

 

وأؤكد لك -بإذن الله تعالى- أن من يملك أبًا بهذا الوعي لا يمكن أن يضيع مستقبله، فأبشر بالخير.

 

روابط ذات صلة:

الفراغ مشنقة الشباب.. فهل من منتحر؟!

الرابط المختصر :