الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
42 - رقم الاستشارة : 1412
23/03/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أعمل في إعداد المواد العلمية والبحوث للباحثين مقابل أجر مالي، لكن أشعر في نفسي حرجًا شديدًا من هذا العمل، خاصة أنني أرى أن بعض الباحثين يعتمدون على هذه البحوث بالكامل دون بذل أي جهد ذاتي، مما يجعلني أتساءل: هل ما أفعله مشـروع شرعًا؟ وهل أتحمل وزر هؤلاء الذين يحصلون على شهادات علمية بجهود غيرهم؟ كما أنني ألاحظ انتشار هذه الظاهرة في العديد من المكتبات والمراكز البحثية، مما يجعلني في حيرة من أمري حول كيفية التعامل مع هذا الواقع. أرجو توجيهكم ونصحكم لي.
أخي السائل الكريم: سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وأشكرك على جرأتك في سؤالك، وهذا إن دل فإنما يدل على قلب محترق، يفكر فيما حاك في صدره، فشكر الله لك، وهداك الله ابتداء لكل خير، وصرف عنك كل سوء ومكروه، وأسأله سبحانه أن يغنيك من أبواب رزقه، وأن يوسّع عليك، وأن يُرضيك، واسمح لي -أخي الكريم- أن نتناول هذا الأمر من أكثر من جانب واتجاه؛ لأنه أمر يحتاج إلى لجنة فقهية واقتصادية وعلمية ودعوية... إلخ.
لكني سأحاول جاهدًا أن أجمع لك بعض النقاط حول استشارتك الكريمة -وهو أمر فاح وانتشر وعمّت به البلوى-، وذلك على النحو التالي:
أولا: الجانب الشرعي
إن العمل في إعداد المواد العلمية والاستشارات البحثية في ذاته ليس محرمًا، بل قد يكون بابًا من أبواب نفع الناس، لكن الإشكال يكمن في تحوله إلى وسيلة لتمكين الآخرين من الحصول على شهادات علمية دون بذل جهد حقيقي، وهو ما يدخل في دائرة الغش والخداع، وقد قال النبي ﷺ: «من غش فليس منا». كما أن هذا العمل يضرب جوهر الأمانة العلمية، ويتسبب في نشـر الجهل بدلاً من العلم، ويعمل على تمكين من لا يستحق في وظائف لا يستحقها، ومن ثم تضييع الحقوق، وهو من كبائر الذنوب لما فيه من شهادة زور وتضييع للأمانة.
ثانيًا: الجانب النفسي
لا يغيب عن شريف علمك أن ثمّت شعور بالحرج والضيق الداخلي قد تعاني منه، وهذا مؤشر صحي يدل على أن الفطرة السليمة لا ترتضـي هذا العمل، وأن الضمير الحي يرفض المشاركة في خداع المؤسسات التعليمية والمجتمع. فالمشاركة في تزييف الكفاءات العلمية قد تؤدي إلى شعور بالندم، خاصة عند رؤية آثار ذلك في الواقع، كأن يتبوأ شخص منصبًا علميًّا أو مهنيًّا بناءً على بحث لم يكتبه بيده، مما ينعكس سلبًا على حياته وحياة الآخرين.
ثالثًا: الجانب العلمي
إن الأمانة العلمية هي أساس رصانة البحث العلمي، ومن أخطر آثار هذا السلوك على المستوى العلمي أنه يؤدي إلى انتشار الجهل في المجتمعات الأكاديمية، وانخفاض جودة الأبحاث، وانعدام روح الابتكار والإبداع؛ فالباحث الذي يعتمد على الغير في إعداد بحثه لا يكتسب المهارات البحثية المطلوبة، مما يضعف القيمة العلمية الحقيقية في المؤسسات التعليمية.
رابعًا: الجانب الوظيفي والمستقبلي
اعلم -أخي الكريم- أنّ الاستمرار في هذا المجال قد يضعك مستقبلًا أمام تحديات كبيرة، فقد يُكشف الأمر ويتسبب في فقدان الثقة فيك، كما أن بعض المؤسسات قد تُدرج هذا النوع من العمل ضمن الجرائم الأكاديمية التي تستوجب العقوبات القانونية، مما يعرض صاحبه للمساءلة. ومن ناحية أخرى، فإن الشخص الذي يحصل على شهادات دون استحقاق قد يُصبح مسؤولًا في المستقبل، لكنه لن يكون مؤهلًا لإدارة منصبه، مما يؤدي إلى قرارات كارثية في القطاعات المختلفة.
خامسًا: وصايا لمن يعملون في هذا المجال
1) البحث عن البدائل المشـروعة: حيث يمكنك العمل في إعداد المواد العلمية بحدود معينة، مثل تقديم استشارات بحثية، أو تبسيط المفاهيم للباحثين، أو المساعدة في تنظيم الأفكار، دون كتابة البحث بالكامل عنهم.
2) إبراء الذمة: إذا كنت قد عملت في هذا المجال سابقًا، فمن الأفضل التوبة الصادقة، والسعي لتعويض ذلك من خلال نشـر الوعي حول مخاطر هذه الظاهرة.
3) تعزيز الوعي بالأمانة العلمية: حاول أن تكون جزءًا من الحل لا المشكلة، ووجّه الباحثين إلى أهمية القيام ببحوثهم بأنفسهم، حتى لو كان ذلك بمساعدتك في التوجيه فقط.
4) الاستثمار في مجال مشـروع: هناك العديد من المجالات العلمية المشـروعة التي يمكنك التخصص فيها، مثل التدقيق اللغوي، أو الترجمة الأكاديمية، أو التحليل الإحصائي، أو إعداد العروض التقديمية، والاستشارات، وكتابة المقالات العلمية، وهي أعمال مشـروعة وتساعد الباحثين دون أن تكون بابًا للغِشّ.
وختامًا:
فإنّ الأمانة العلمية مسؤولية عظيمة، والعلم رسالة لا يجوز التلاعب بها. ومن يزرع الخير يحصد الخير، فابحث عن بدائل تضمن لك الرزق الحلال وتجنبك الشبهات، واعلم أن المال الذي يأتي من الحلال مبارك، أما المال الذي يأتي من الغش فإنه وإن كثر فهو ممحوق البركة. أسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يُلهمك الصواب في الأمور. والله أعلى أعلم.