الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
314 - رقم الاستشارة : 1504
03/04/2025
أنا الابن الأوسط في عائلتي. سافرت إلى الخارج منذ خمس سنوات للعمل وتحسين وضعي المادي، وكنت أرسل كل مدخراتي إلى والدي لمساعدته في بناء منزل العائلة. بعد سنوات من العمل الشاق والتضحية، قررت العودة إلى الوطن لأستقر وأبدأ حياتي.
لكن عند عودتي، تفاجأت بوضع لم أتوقعه. والدي بنى منزلًا كبيرًا، لكنه سجل كل شقة في المنزل باسم أحد إخوتي الثلاثة، وزوج اثنين منهم، ولم يترك لي أي شيء.
شعرت بالصدمة والخيانة، فقد كنت أتوقع أن يكون لي نصيبًا في المنزل الذي ساهمت في بنائه بمالي وجهدي.
الآن، أنا لا أعرف كيف أتصرف. أشعر بالغضب والإحباط، ولا أعرف كيف أواجه والدي وأطالبه بحقي. لقد ضحيت بالكثير من أجله، والآن أشعر أنني خسرت كل شيء.
قولي لي كيف يمكنني التعامل مع والدي في هذا الموقف الحساس دون قطع علاقتي به؟ وهل لي الحق القانوني في المطالبة بنصيب من المنزل؟ وكيف يمكنني استعادة أموالي أو جزء منها؟ كيف يمكنني تجاوز هذه الصدمة والمضي قدمًا في حياتي؟ ما هي أفضل طريقة للتواصل مع إخوتي في هذه الظروف؟
الأخ الفاضل،
أولًا، أود أن أحيي فيك إخلاصك وتضحيتك لأجل أسرتك، وهذا دليل على نُبل أخلاقك وبرّك بوالديك، وهو مما يحبه الله ويرضاه، فقد قال تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
لكنني في ذات الوقت أتفهم مشاعرك الصعبة من الصدمة والغضب، وهذا أمر طبيعي في مثل هذه الظروف.
وهنا من المهم أن تتعامل مع هذا الموقف بحكمة واتزان؛ لأن قطع علاقتك بوالدك لن يحل المشكلة، بل قد يزيد الأمور تعقيدًا، والمواجهة البناءة هي أفضل الطرق لحل النزاعات الأسرية؛ لذلك أقترح عليك الخطوات التالية:
1- تهيئة نفسك نفسيًّا قبل الحوار
فلا تدخل في حوار مع والدك وأنت غاضب أو منفعل؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد المشكلة بدلًا من حلها.
ولذلك يمكنك ممارسة بعض تقنيات التهدئة مثل التنفس العميق (Deep Breathing) أو الكتابة التعبيرية (Expressive Writing) للتخفيف من حدة المشاعر.
2- من الضرورى اختيار الوقت والمكان المناسبين
فيجب أن يكون الحوار في جو هادئ بعيدًا عن التوتر، حتى يكون والدك أكثر استعدادًا للاستماع إليك.
3- ثم احرص على استخدام لهجة غير تصادمية مع والدك
فبدلاً من أن تقول "لماذا فعلت ذلك؟ لقد خذلتني!"، قل: "أنا أشعر بالحزن لأنني كنت أتوقع أن يكون لي نصيب في المنزل، وأريد أن أفهم وجهة نظرك".
لأنه وفقًا لمبادئ التواصل الفعّال (Effective Communication)، فإن استخدام "لغة المشاعر" (I-Messages) يساعد على تقليل الدفاعية عند الطرف الآخر.
4- وعليك أن تستمع وبشكل جيد إلى تبريره.. فقد تكون لوالدك وجهة نظر لم تفكر فيها؛ لذا حاول أن تستمع إليه بصبر.
5- ثم عبِّر له عن توقعاتك بوضوح واحترام في آنٍ واحد.. أخبره أنك كنت تتوقع تقديرًا لمجهودك وأنك ترغب في إيجاد حل عادل.
* وأود أن أشير إلى أمر مهم يخص الناحية القانونية.. رغم أنني كنت لا أريد الكلام فيه، ولكنه حقك إن استنفدت كل الطرق السلمية الودية.
فإذا لم يكن هناك اتفاق مكتوب بينك وبين والدك ينص على أن هذه الأموال كانت قرضًا حسنا أو استثمارًا مشتركًا، فقد يكون من الصعب إثبات حقك قانونيًّا.
لكن إذا كنت تملك سندات تحويلات مالية تثبت أنك أرسلت أموالًا لغرض بناء المنزل، فقد يكون لديك حق في المطالبة بها أمام القضاء، وهذا لا يتنافى مع برك بوالدك، فمن الناحية الشرعية، قد ورد في الحديث النبوي: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، وهذا يؤكد على وجوب العدل بين الأبناء.
فإذا ثبت أن والدك ميز بينكم بغير سبب شرعي، أو لأنها في الأصل أموالك ومن نتاج تعبك وغربتك، فمن حقك أن تطلب منه إعادة النظر في هذا القرار، وعليك دائما ألا تمل من السعي حتى تستعيد أموالك أو جزءًا منها، ولا بد أن تحاول دائما بالآتي:
- التفاوض الودي: يمكن أن تطلب من والدك تعويضًا ماديًّا أو أن يخصص لك جزءًا من المنزل بطريقة ودية.
- كما يمكنك الاستعانة بأحد المقربين: قد يكون هناك شخص من العائلة يحظى باحترام والدك ويمكنه التوسط لحل المشكلة.
- ثم أمامك كما ذكرت لك، الخيار القانوني: فإذا لم تجد استجابة، يمكنك استشارة محامٍ لمعرفة الخيارات القانونية المتاحة لك.
واعلم يا عزيزي..
أن ما تمر به يُعرف في علم النفس بصدمة الخيانة (Betrayal Trauma)، وهي مشاعر عميقة من الظلم والإحباط.. وللتعافي منها إليك هذه الوصايا:
1- من المهم والضروري التعبير عن مشاعرك.. تحدث إلى شخص تثق به أو استعن بمختص نفسي لمساعدتك في تجاوز الغضب.
2- عليك بالتركيز على مستقبلك: لا تدع هذه الأزمة تعيقك، بل ضع خطة واضحة لبناء حياتك مجددًا.
3- استفد من هذه الدروس: فرغم الألم فإن هذه التجربة ستمنحك نضجًا وخبرة في التعامل مع الأمور المالية والعائلية فيما بعد!!
* ثم يجب أن تلتفت إلى نقطة مهمة ربما لم تفكر فيها من قبل، وهي أن إخوتك أو بعضهم، قد يكونون غير مدركين لحجم تضحيتك؛ لذلك:
تحدث معهم بأسلوب هادئ، واشرح لهم موقفك دون لوم أو اتهام.
حاول أن تفهم وجهة نظرهم، فقد يكونون قد تصرفوا بناءً على ما وجههم إليه والدك.
ثم لا تدع هذه الأزمة تفسد علاقتك بهم؛ فالعائلة هي السند الحقيقي في الحياة، وثق في عوض الله الجميل لك.
* وهمسة أخيرة إليك عزيزي السائل:
تذكر أن الدنيا دار ابتلاء، ولا خير في الغضب واليأس. قال النبي ﷺ: "من يُرِد الله به خيرًا يُصِبْ منه"، أي أن المصائب قد تكون أحيانًا سبيلًا للخير والنضج.
أسأل الله تعالى أن يمنحك الحكمة والقوة لتجاوز هذا الموقف، وأن يكتب لك الخير فيما هو قادم.