أبنائي تاهوا بين ثقافتين.. فهل أستطيع إنقاذهم؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 205
  • رقم الاستشارة : 2168
22/07/2025

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

أولا أحب أن أشيد بهذا الموقع الرائع الذي أفادنا كثيرا في عدة مجالات.. فأنا من متابعي مجلة المجتمع وأفضل ما تم عمله هذه البوابة المفيدة المتميزة بنخبة المستشارين المتميزين الأفاضل..

جزاكم الله خيرا يا كل القائمين عليه.

أنا أب مصري، تزوجت منذ أكثر من 12 عامًا من امرأة أجنبية (ليست مسلمة في الأصل، لكنها أعلنت إسلامها قبل الزواج)، ونتج عن زواجنا ثلاثة أبناء:

الكبير عمره 11 عامًا،

والوسطى عمرها 8 سنوات،

والصغير عمره 4 سنوات.

نظرًا لظروف عملي وتخوف زوجتي من الغربة في مصر، عاشت هي والأبناء طوال السنوات الماضية في بلدها الأم – إحدى الدول الأوروبية – وكان التواصل بيننا مقتصرًا على مكالمات يومية وبعض الزيارات القليلة جدًا على مدار العام، لا تتجاوز بضعة أسابيع.

منذ ستة أشهر قررت أن أنهي عملي في الخارج وأعود إلى مصر بشكل نهائي، وطلبت من زوجتي أن تأتي بالأولاد ونبدأ حياة مستقرة كأسرة واحدة في مصر. استجابت، وجاءت بالفعل، لكنني صُدمت!

أولادي لا يجيدون الحديث بالعربية إلا بضع كلمات، لا يعرفون شيئًا عن الصلاة، لا يميزون بين الحلال والحرام، يتكلمون بصوت مرتفع، يتذمرون من الطعام، ولا يحترمون الكبار في الحديث أو التصرف.

ابني الكبير يرفض ارتياد المسجد معي ويقول إنه يشعر بالملل، ويقضي أغلب وقته على "الآيباد"، بينما ابنتي تحاكي أسلوب صديقاتها في أوروبا من حيث اللبس والكلام، حتى في عمرها الصغير! أما الصغير، فهو لا يستجيب لأوامري ويصرخ دائمًا عند أي رفض لرغباته.

أنا حزين جدًا، وأشعر بالذنب، لكنني لا أعلم من أين أبدأ معهم؟

هل فات الأوان؟ وهل يمكن أن أُصلح ما فاتهم من المبادئ والأدب والدين والهوية؟

وكيف أتعامل مع والدتهم، التي رغم حبها لهم، تبدو متساهلة في التربية، بل وتختلف معي كثيرًا في قواعد التربية الإسلامية؟

أشعر أنني في سباق مع الزمن، وأخاف أن أخسرهم نهائيًا، فهل من خطة واضحة أو خطوات عملية لإنقاذهم؟

وهل سأواجه صعوبات في تقويم سلوكهم؟

أرجو من حضرتكم التوجيه والنصح، فلست أطلب الكمال، لكن فقط أن أطمئن أنهم على الطريق الصحيح.

الإجابة 22/07/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

 

أهلا بأخي الكريم، تشرفنا متابعتك لمجلة المجتمع وبوابة الاستشارات الإلكترونية وحتمًا نسعد بتواصلك، ونرجو أن نكون دائمًا عند حسن ظن متابعينا وزائرينا الكرام الذين يضيئون موقعنا الحبيب.

 

أيها الأب الكريم، أُحيِّي فيك مشاعرك النبيلة وحرصك الصادق على أبنائك، وألمس في كلماتك قلبًا نابضًا بالمسؤولية، يتألم لما يرى، ويأمل أن يُصلح ما فاته.

 

بدايةً، أطمئنك –من منظور نفسي وتربوي– أن القلق الذي تشعر به الآن هو أولى علامات الوعي التربوي الصحيح، وهو حجر الأساس في أي تغيير إيجابي قادم إن شاء الله تعالى.

 

لكن دعنا نبدأ بتفنيد الواقع الذي وصفته، بعين منهجية واقعية لا تهوّل ولا تهوّن:

 

أولًا: أبناؤك – كما هو ظاهر – نشأوا فيما يسميه علماء النفس التربوي بـ الثنائية الثقافية (Bicultural Development)، وهي حالة يُربّى فيها الطفل بين ثقافتين مختلفتين جذريًّا؛ ما يؤدي غالبًا إلى صراع داخلي في القيم، والسلوك، والانتماء.

 

في هذه الحالة، لا نلوم الطفل، بل نبدأ بتفهم الواقع:

 

الطفل لا يكتسب القيم تلقائيًّا، بل يتشربها من محيطه، وقد عاشوا لسنوات في بيئة علمانية، تقدّم الحرية الفردية على أي مرجعية دينية أو أسرية. لذلك، فإن السلوك الظاهر الآن ليس انحرافًا، بل هو نتاج طبيعي لبيئة لم تكن فيها القيادة الأبوية حاضرة باستمرار.

 

ثانيًا: هل فات الأوان؟ الإجابة: لا.

 

قال رسول الله ﷺ: »كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه«، هذه الفطرة –أي الاستعداد الداخلي للإيمان والصواب– لا تُمحى، بل تُغطى، ويمكن إعادة كشفها بالحب، والتربية، والصبر.

 

العقل التربوي يقول: (It's never too late to parent consciously).

 

فعليك أن تطمئن إذًا إلى أن الآوان لم يفت على التربية وإعادة التأهيل السلوكي لأبنائك، لكن الطريق ليس سهلاً، وسأضع بين يديك الآن خريطة واضحة بإذن الله تعالى، تحتوي على خطة تربوية نفسية عملية من خمس مراحل:

 

1- بناء علاقة آمنة ودافئة معهم (Secure Attachment)

 

فقبل أن تعلمهم، عليك أن تربطهم بك عاطفيًا. تواصل معهم بلغة مشاعرهم، اجلس معهم دون وعظ، استمع، شاركهم اهتماماتهم، كن صديقًا أولًا ثم مربيًا.

 

لا تهاجمهم ولا تنتقدهم على ما فات، فذلك يخلق مقاومة منهم تجاهك، ويدمر القناة النفسية بينكما.

 

2- إعادة غرس الهوية الإسلامية تدريجيًّا..

 

- اجعل الإسلام جزءًا من الحياة اليومية لا كعبء، بل كقيمة جميلة.

 

- لا تُرغمهم على الطاعات، بل اجعلهم يرونك تصلي وتقرأ وتدعو، واستثمر القصص النبوية، والقصص الواقعية الملهمة، لترسيخ الإيمان دون مباشرة.

 

- استخدم ما يُسمّى القيم الضمنية في الحوار، بدلاً من التلقين المباشر.

 

3- كما يجب تعزيز اللغة العربية خطوة بخطوة..

 

- لا تأمرهم: "تكلموا عربيًّا"، بل ابدأ باستخدام كلمات بسيطة يوميًّا معهم.

 

- استخدم الألعاب، الأناشيد الإسلامية الخفيفة، القصص المصورة، وهكذا.

 

اقترح عليهم تعلم العربية كـ "لغة القرآن الكريم وأنها لغة الأباء وعراقة الأصل" لا كعبء، فهذا يثير فضولهم النفسي.

 

4- لا بد من إعادة تنظيم القواعد داخل البيت (Home Structure)

 

- أنشئ جدولًا ثابتًا ليومياتهم، يتضمن وقتًا للشاشة، ووقتًا للنقاش، ووقتًا للأسرة.

 

- قم بتقنين الأجهزة الرقمية تدريجيًّا باستخدام مبدأ التدرج في الضبط (Gradual Regulation)؛ لأن الانفصال المفاجئ قد يُحدث صراعًا شديدًا.

 

5- وانتبه جيدا لأهم داعم، ألا وهو الزوجة.. فالتفاهم مع الزوجة مهم ويكون كفريق تربوي لا كخصم

 

- لا بد من حوار صادق بينها وبينك، دون لوم، وإنما بلغة الاتفاق على مصلحة الأبناء.

 

- استخدم أسلوب "نحن نريد الأفضل لهم" بدلًا من "أنت السبب فيما حدث".

 

- اقترح عليها جلسات مشتركة مع متخصصين أو متابعة محتوى تربوي ناعم الأسلوب، ليتحقق ما يسمى الانسجام التربوي المشترك (Co-Parenting Harmony).

 

وبالنسبة لسؤالك عن التحديات المتوقعة وسبل التعامل معها..

 

نعم، ستواجه بعض المقاومة (Behavioral Pushback)، خصوصًا من الابن الأكبر، لأن "العادة قوة"، و"التغيير يهدد الراحة"..

 

لكن: لا تستخدم الشدة، بل الحزم الرحيم، كن ثابتًا في القيم، مرنًا في الأسلوب، وتوقع الانتكاسات، واحتوِها بصبر طويل، فكل خطوة نجاح ولو صغيرة، هي إنجاز بعون الله تعالى.

 

وكما قال عبد الله بن مسعود: "الصبر نصف الإيمان، والنصف الآخر شكر"..

 

* همسة أخيرة:

 

أيها الأب الفاضل، أنت لم تفشل.. بل بدأت الآن النجاح الحقيقي.

 

استعن بالله ولا تعجز ولا تمل الدعاء لهم دومًا بكل خير تتمناه لهم.

 

وأخيرًا: لا تبحث عن نتائج فورية، بل ركز على العملية اليومية، والأثر التربوي العميق لا يظهر فورًا، بل يُبنى مع الزمن.

فكما قيل: "ازرع في كل يوم بذرة، وإن لم تر الثمر غدًا، فربما يقطفه أحفادك".

 

الرابط المختصر :