Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 59
  • رقم الاستشارة : 1247
10/03/2025

أنا شاب عمري 23 سنة، أفكر جدّيًا في الخطوبة، لكنّي دائمًا أنجذب للمرأة اللي تكبرني بعشر سنوات أو أكثر، يمكن لأني أحس إن تفكيرها أنضج، وشخصيتها أعمق، وفيها صفات كثيرة تعجبني. أشوف إن النضج العقلي والخبرة بالحياة تفرق كثير في العلاقة، ويمكن هذا السبب اللي يخليني أشعر براحة أكثر مع النساء الأكبر سنًّا. الحين محتار بين خيارين: هل الأفضل إني أتزوج امرأة أكبر مني، حتى لو كانت مطلّقة أو أرملة، لأن عندها خبرة حياتية وعقلية مختلفة، أو أرتبط بفتاة أصغر مني في العمر والتجربة؟ أي الخيارات أنسب لاستقرار الزواج على المدى الطويل؟

الإجابة 10/03/2025

ابني العزيز،

 

أسأل الله أن يبارك لك في قرارك وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تقر بها عينك، ويحقق لك الاستقرار النفسي والأسري.

 

أولا: من الجيد أنك تتأمل في معايير اختيار شريكة حياتك بدقة، وهذا يدل على وعيك وإدراكك لأهمية الزواج كعلاقة طويلة الأمد مبنية على التفاهم والانسجام.

 

وعلى المستوى النفسي، نجد أن الفارق العمري بين الزوجين قد يكون له تأثير إيجابي أو سلبي، وفقًا لمحددات عدة، أهمها:

 

1- النضج النفسي والعاطفي (Emotional Maturity)

النضج ليس مرتبطًا بالسن وحده، بل بتجارب الحياة والقدرة على إدارة المشاعر والتعامل مع المشكلات بوعي، والمرأة الأكبر سنًّا تمتلك غالبًا نضجًا عاطفيًّا يجعلها أكثر تفهمًا وهدوءًا، لكن في المقابل، قد يؤدي إلى اختلاف التوقعات بينكما فيما يخص طبيعة العلاقة الزوجية وأدوار كل طرف.

 

2- التكامل والتوافق الشخصي (Personality Compatibility)

 

التوافق النفسي والاجتماعي بينكما لا يعتمد فقط على العمر، بل على التفاهم والقيم المشتركة، وطريقة التفكير، وأساليب التعامل مع المشكلات.. فقد تجد أن المرأة الأكبر سنًّا أقرب إلى نضجك الفكري، ولكن عليك أن تفكر في مدى إمكانية تحقيق توازن صحي في العلاقة على المدى الطويل.

 

3- كذلك مرحلة النمو والتطور

 

وهنا دعني أحدثك بمنطقية وبشكل واقعي: كل إنسان يمر بمراحل نفسية واجتماعية مختلفة، وفقًا لنظرية العالم النفسي إريك إريكسون، عن التطور النفسي والاجتماعي.

 

أنت الآن في بداية العشرينيات، وهي مرحلة البحث عن الهوية والاستقلالية، بينما المرأة التي تكبرك بعشر سنوات غالبًا ما تكون في مرحلة مختلفة، حيث تركز على الاستقرار وبناء الأسرة، وهذا الفارق قد يؤدي إلى اختلاف في الأولويات والرغبات المستقبلية. إذًا، فالتوافق بينكما سيكون أمرًا شاقًّا نفسيًّا عليكما.

 

ثانيًا: دعنا نتساءل: هل الزواج من امرأة أكبر سنًّا، مطلقة أو أرملة، خيار أفضل من الزواج بفتاة أصغر؟

 

وهنا الإجابة تعتمد على عدة عوامل، وأهمها مدى استعدادك لتحمل المسؤولية العاطفية والاجتماعية.. الزواج من امرأة أكبر سنًّا قد يكون ناجحًا إذا تحقق فيه التوازن في العلاقة أو Relationship Balance.. أي ألا تكون العلاقة قائمة على طرف يوجّه والآخر يتلقى، بل على شراكة حقيقية قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل.

 

وللأسف الزواج بهذا الفارق العمري بينكما قد يؤدي إلى الفجوة في الاحتياجات النفسية والعاطفية.. فأحيانًا، قد تكون المرأة الأكبر سنًّا وصلت إلى مرحلة من النضج العاطفي لا تتوافق مع احتياجاتك كشاب لا يزال في بداية رحلة حياته، مما قد يؤدي إلى شعورك بعدم الاتزان في العلاقة، وبالتالى عدم الاستقرار النفسي والأسري معها حتى مع وجود أبناء.

 

أما الزواج من فتاة أصغر منك، فقد يكون أكثر انسجامًا مع طبيعة المراحل النفسية التي تمر بها، رغم أنه لا يضمن بالضرورة زواجًا سعيدًا؛ إذ يعتمد على مدى توافقكما فكريًّا وعاطفيًّا.

 

والإسلام لم يحدد فارقًا عمريًّا معينًا بين الزوجين، لكن وضع معايير أخرى أهمها: الدين، الخلق، والتكافؤ النفسي والاجتماعي.

 

ومعلم الأمة سيدنا محمد ﷺ قد تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وكانت تكبره بخمسة عشر عامًا، وكان زواجهما مثالًا في السكينة والمودة؛ لأنها كانت زيجة مختلفة ولها وضعها المختلف؛ الأمر الذي أسس للدعوة بشكل عظيم.

 

ورغم ذلك فإن رسول الله كان يرى أن الأفضل أن يتزوج الشباب الذين لم يسبق لهم الزواج من البكر.. فعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل نكحت؟" قلت: نعم، قال: "أبكرًا أم ثيبًا؟" قلت: ثيب، قال: "فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك..."

 

وكان يقصد عليه الصلاة والسلام أنها لم تجرب الناس فتكون أقرب إلى من تأخذ بتوجيهاته وإرشاداته، وأن يكون ذلك أقرب إلى الوئام بينه وبينها.. إلا إذا كان هناك مصلحة في نكاح الثيب فلا بأس، وقد أوضح جابر مقصده لرسول الله في زواجه وقتها من الثيب، وذلك في باقي الحديث.

 

كما تزوج ﷺ من السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي أصغر منه بسنوات كثيرة، أي أنه تزوج من الثيب وكذلك من البكر، وفي الحالتين كانت زيجات ناجحة من فضل الله تعالى، مما يدل على أن العمر ليس المعيار الأساسي، بل التوافق والانسجام.

 

كذلك قال النبي ﷺ: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وهذا يدل على أن الدين والخلق هما الركيزتان الأساسيتان لاختيار الزوجة المناسبة.

 

ونصيحة أخيرة لابني الغالي قبل اتخاذ القرار:

 

فكر جيدًا في مدى توافق شخصيتك مع شريكة حياتك المحتملة، بغض النظر عن فارق العمر، ولا تجعل الانجذاب العقلي أو العاطفي وحده هو المقياس، بل انظر إلى مدى قدرتكما على بناء حياة زوجية متكاملة ومستقرة، ثم استشر أهل الحكمة ممن حولك، وقبل كل ذلك استخر الله عز وجل.

 

* همسة أخيرة لك ابني:

 

ليس هناك قاعدة ثابتة تحدد الأفضلية بين الزواج من امرأة تكبرك أو فتاة أصغر منك، لكن الأساس في الزواج هو التوافق النفسي والاجتماعي، والقدرة على بناء علاقة متوازنة قائمة على الاحترام والمودة، فاتخذ قرارك بناءً على المعايير الشرعية والنفسية، ولا تتسرع، فإن الزواج قرار مصيري يحتاج إلى التروي والتفكير العميق.

 

أسأل الله أن ييسر لك الخير، ويبارك لك في اختيارك، ويوفقك للزوجة التي تكون لك سكنًا وراحة.