بعد سنوات الغياب والحرمان.. هل أعود إليه؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
  • القسم : الطلاق وتبعاته
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 22
  • رقم الاستشارة : 3358
20/11/2025

يا دكتورة… خليني أفضفضلك من غير تكلف. أنا ست عشت سنين طويلة مطلقة، ربيت أولادي بإيدي، تعبت وشقيت، وكنت أنا الأم والأب في نفس الوقت. كبرت معاهم خطوة بخطوة، لحد ما بقوا شباب يعتمدوا على نفسهم، يشتغلوا ويجيبوا فلوس، وأنا واقفة على رجلي بعد ما كنت مكسورة.

وفجأة… أبوهم اللي غاب عني وعنهم سنين، رجع يطرق الباب. يقول إنه عايز يرجع لي. في الأول قلبي اتلخبط، قلت يمكن بيحبني ولسه فاكرني، يمكن عرف قيمتي بعد ما ضيّعني.

لكن لما قعدت مع نفسي، حسيت إن الموضوع مش حب ولا ندم. هو راجع لأنه شاف أولاده كبروا وبقوا يشتغلوا، يعني عقله بيقوله: "هم اللي هيقولوا خد"، بعد ما أنا اللي تعبت وربيتهم.

هو راجع لأنه شبع ذل ومهانة عند غيري، يمكن اتجوز تانية ومرمطته، أو عاش لوحده واتكسرت نفسه. وهو راجع لأنه شافني واقفة على رجلي، معايا فلوس أو مشروع أو ورث، فعايز يكمل استنزاف زي زمان، أيام شبابي وأنا بشقى وهو بيتفرج.

أنا خايفة يا دكتورة… خايفة أفتح له الباب وأرجع أعيش نفس المأساة. الطبع ما بيتغيرش، واللي باعني وأنا محتاجة، هيرجع يشتري لما يشوفني نافعة. أنا مش عايزة أضيّع تعب السنين، ولا فلوس أولادي، ولا كرامتي اللي بنيتها من جديد. أنا محتارة… أرفض وأكمل حياتي زي ما أنا؟ ولا أفتح له باب الرجوع وأغامر بكل اللي بنيته؟

الإجابة 20/11/2025

أختي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك بوابة الاستشارات الإلكترونية، واعتبرينا غاليتي مساحتك الخاصة للبوح الآمن وثقي أننا نقدر كل المشاعر التي تمر على قلبك ونتفهمك تمامًا وسنحاول معًا إضاءة بعض المساحات المعتمة حتى تستطيعي أن تتخذي قرارك بكل ثقة ودون ذرة ندم.

 

لكن دعيني في البداية أحييك بشدة على جهدك وجهادك طيلة هذه السنوات، ذلك الجهد الذي أثمر وأينع أولادًا ناجحين نابهين وقفوا بصلابة في حياتهم ونجحوا في اكتساب المال ويمكن أن نقول إنهم وصلوا لمرافئ آمنة بالفعل، وهذا بعد توفيق الله عز وجل ثمرة جهدك وتعبك، فاحتسبي هذا الجهد عند الله سبحانه وتعالى فهو سبحانه الكريم الذي لا يرد من طرق بابه.

 

هل أنت حائرة حقًّا؟

 

أختي الكريمة، قرأت رسالتك أكثر من ثلاث مرات وفي كل مرة أستشعر أنك بالفعل لديك قرار على الأقل على المستوى العقلي، فهذا الرجل الذي تركك في منتصف بحر هائج وغادر ولم يلتفت وتركك تصارعين الأمواج وحدك حتى إذا نجوت ورسا قاربك على مرفأ آمن عاد للظهور من جديد يطالبك بوضع يدك في يده مرة أخرى وهو الذي أفلت يدك في شدة احتياجك وخوفك، فما الذي يدفعك أن تقبلي بالعودة إليه؟

 

إنها عودة بلا مسئولية يتحملها بل لعلها عودة للأخذ لا للعطاء لجني ثمار لم يبذل جهده في تعهدها وسقياها، هذا ما توصلت له أنت بعد قليل من التفكير، وبعد أن تخلصت من صدمة هذا الطلب بعد سنوات الغياب الطويلة القاسية.

 

أنت وصفت عودتك له بمغامرة تقامرين فيها بكل ما بنيته.. وما بنيته ليس عملاً ثابتًا مستقرًا ومشروعًا أو إرثًا يحقق لك الأمان المالي فقط، وليس أولادًا كبروا ونضجوا واستقرت حياتهم بدون هذا الرجل الغائب فقط، وإنما بناء نفسي قوي قمت بتطويره على مدار السنوات.. كرامة وعزة دون امتهان أو استغلال وصلابة نفسية جاءت بالطريق الصعب.

 

أنت لديك شكوك قوية في دوافعه وراء هذا الطلب، وتستشعرين أن وراءه تجارب حياتية مر بها أورثته الخسارة والخذلان فبحث عن بديل نافع مفيد ناجح ومستقر.. أنت تستشعرين أنه يعود لأجل مصالحه ومنافعه النفسية والمادية وليس لأنه آسف لما قام به في الماضي؛ لذلك فأنت عقليًّا رافضة هذه العودة ولا ترين فيها خيرًا ولا نفعًا.

 

أسباب التردد

 

لكنني لاحظت أيضًا أن هناك جزءًا صغيرًا من قلبك يعاني من التردد.. ذلك القلب الذي اضطرب لطلبه ذاك، والذي آمل أن هذا الرجل لا يزال يحبك وأن عودته قد تعني حبًّا ظل يحمله في قلبه أو أن عودته تعني مشاعر ندم قد تمكنت منه أخيرًا بعد طول غياب.

 

قلبك هو الذي يحمل داخله شيئًا من التردد وهو ما دفعك لكتابة هذه الرسالة لأنك خائفة من أن تفتحي له الباب وتسمحي له بارتقاء قاربك ثم يعود لخذلانك مجددًا.. خائفة من طباعه التي لم تتغير ومن مشاعره التي أنكرتك قديمًا ومن أن يعود ليستغلك مجددًا حتى تكوني له مجرد أداة يستثمرها.. خائفة من الكثير والخوف يغلب الرجاء، ولكن الجزء الصغير الذي يحمل الأمل والرجاء له تأثير ملحوظ على مشاعرك؛ لذلك أنا أقترح عليك اختبارًا تقومين به حتى تصلي لمرحلة اليقين دون أن يعتريك أي شعور بالندم لاحقًا.

 

احتياجات مهمة

 

قبل أن أحدثك عن نقاط هذا الاختبار أريدك أن تكوني صريحة جدًّا مع نفسك ومع مشاعرك ومع احتياجاتك، فأنت مستقرة من الناحية المالية ولديك حياتك الاجتماعية مع أولادك، لكن ماذا عن احتياجاتك العاطفية؟ هل تم تجميدها؟ هل تم الاستعلاء عليها؟ هل اضمحلت أو تحولت وأضيفت للمشاعر الأمومية؟ النساء في مثل عمرك يا سيدتي لديهن مشاعر وعواطف وأحاسيس وليس في ذلك عيب أو عار حتى يتم إنكاره، فأنت ناقشي نفسك في هذه النقطة.

 

أيضًا هل لديك مخاوف من مشاعر الوحدة بعد أن يتزوج الأبناء ويستقل كل منهم في حياته؟

 

هل ترغبين في رسم صورة مجتمعية ناجحة للعائلة السعيدة التي حدث فيها لمّ الشمل بعد سنوات الغياب؟

 

هل يرضيك نفسيًّا أن يعود نادمًا مقدرًا قيمتك بعد أن جرحك وتركك متحملة نظرات المجتمع القاسية لمن كانت في ظروفك وتريدين ترضية نفسية عن ذلك؟

 

أريدك أن تفكري في هذه النقاط جيدًا وعن الاحتياجات الحقيقية لك تمامًا كما فكرت في مخاوفك؛ لأننا نريد حلاً حقيقيًّا وعلاجًا دائمًا وليس مسكنًا مؤقتًا للألم.

 

اختبار العودة

 

الآن نتحدث عن اختبار بسيط لكنه كاشف لحقيقة هذا الرجل وحقيقة رغبته في العودة.. مدة هذا الاختبار 6 أشهر، وهذه أقل مدة حتى تكتشفي حقيقة نواياه، فهو لن يستطيع أن يمثل 6 أشهر كاملة.

 

* اسأليه مباشرة عن أسباب رغبته في العودة إليك، فإن تحدث عن احتياجه لكم وتجاهل الاعتذار والندم على ما سبق فارفضي الطلب دون تردد أو انتظار.

 

* قيمي مدى شعوره بالندم ومدى ألمه عما أحدثه بكم، وعلى مدار الشهور الستة انظري هل أسفه وندمه حقيقة أم هي مقدمة تمهيدية سرعان ما سيتجاوزها؟

 

* اسأليه عما سيتحمله ماديًّا في هذا الزواج؟ واشرحي له أن عليه أن يتحمل إيجار السكن والفواتير ونفقات الطعام، فالميزانية المقترحة هي كذا وأن الأولاد يتحملون نسبة كذا وأنت لن تشاركي في شيء وأن الباقي مسئوليته، فإن أخذ يتفاوض معك فاعلمي أنك ستعودين لدائرة الاستنزاف، وإن قال إك أن ظروفه لن تسمح فقولي له إنك مقدرة ذلك ولكن عدم قدرته على النفقة مانع قوي من العودة (لا تمنعي الأبناء من بره أو منحه المال لكن هذا بعيدا عنك وعن عودته لك).

 

* من الأمور المهمة التي يجب عليك رصدها في هذه الأشهر الستة معاملته لك وحديثه معك هل يغلفه الاحترام والاهتمام أم لا؟

 

في ضوء هذه المتابعة الدقيقة لستة أشهر ستصلين لقرار بالغ الوضوح، فإما سيقتنع قلبك أن هذا الرجل لم يتغير وسوف يؤذيك، وإما يقتنع عقلك أن فرصة ثانية قد تكون نافعة لك وتشبع لديك بعض الاحتياجات النفسية والمادية.

 

وأخيرًا، أريد أن أهمس في أذنك -أختي الكريمة- أنه في حال إذا قررت رفض هذا الرجل وآثرت ألا تخوضي غمار هذه التجربة المحفوفة بالمخاطر فإن عليك أن تضعي لنفسك وللمرحلة القادمة في حياتك أهدافًا جديدة تلبي كل احتياجاتك وتسكن كل مخاوفك التي جعلتك تفكرين في عرض هذا الرجل.

 

أسعد الله قلبك ورزقك السعادة ورزقك بر أبنائك وأراك الحق حقًّا ورزقك اتباعه، وتابعيني بأخبارك دائمًا.

 

روابط ذات صلة:

فوق السبعين.. هل تعود إليه؟

الرابط المختصر :