هجرني ١٢ عامًا ثم طلقني

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.

 

أشعر بصدمتك الهائلة لقرار الطلاق المفاجئ الذي حدث بعد صبر هذه السنوات وبعد زواج يبدو في ظاهره مستقرًا حتى وإن كان يحتوي على خلل واضح، إلا أنه مثّل بالنسبة لك هوية حياتية تشعرين بانهيارها الآن تحت وطأة هذا الطلاق الذي لم تفهمي أسبابه ولا توقيته.

 

حتى السبب الذي ذكره كتبرير للطلاق مؤلم كألمك من الطلاق نفسه.. أسأل الله سبحانه أن يفرغ عليك صبرا ويربط على قلبك ويعينك على التخطي والتعافي.

 

الانسحاب العاطفي

 

على الرغم من أن سؤال لماذا طلقني؟ ما هي دوافعه الحقيقية لذلك؟ سؤال بلا جدوى بعد أن قام بخطوة الطلاق بالفعل فإنني أقدر مدى إلحاحه على ذهنك، فانتهاء الزواج دون أن تفهمي لماذا انتهى أمر محبط بل هو أمر شديد الإحباط وصادم كصدمة الطلاق نفسها.

 

أختي الكريمة، أنا لن أستطرد طويلاً في هذه النقطة لأن ما يشغلني هو كيف تخرجين أنت من آثار هذه الصدمة بلا خسائر؟ لكنني سأحاول إضاءة بعض النقاط التي ربما تساعدك في فهم حقيقة ما حدث ومن ثم القبول به.

 

لقد كان زواجك يعاني من خلل حاد لمدة 12 عامًا وهذه مدة زمنية طويلة، وانهياره الكامل بعد هذه السنوات أمر متوقع لو نظرت للصورة من بعد.

 

لقد كان زوجك يمارس انسحابًا عاطفيًّا بخطوات لاهثة على مدار 12 عامًا لم يحاول فيها أي محاولات حقيقية للإصلاح.. أنت الأخرى تقبلت هذا الخلل غير الطبيعي واكتفيت بممارسة الصبر السلبي الذي لا يسعى للإصلاح، تركته ينسحب عاطفيًّا وجنسيًّا واكتفيت بالصبر السلبي وأن صورة البيت من الخارج قائمة وأنه ينفق عليك وعلى ابنته، وتصورت أن الأمر قد يستمر هكذا بلا نهاية وكأنك بالفعل أخته ولست زوجته، لقد ارتضيت بالفعل القيام بهذا الدور وتآلفت معه وأقمت علاقة تطبيع كاملة معه لذلك صدمت بانهيار هذا البناء الهش.

 

لكن لماذا انسحب الزوج على هذا النحو هذا أمر لا يمكنني الجزم به؛ لأنه لا يوجد لدينا فرصة للاستماع للزوج، والاحتمالات كثيرة جدًّا سأذكر لك بعضا منها:

 

* خلل نفسي وهذا تأثيرة أعلى من المرض الجسدي العضوي.. فقد يكون الزوج مصابًا بدرجة من الاكتئاب، والاكتئاب يقلل الرغبة الجنسية وقد يقتلها، وبعض الأدوية لها نفس التأثير.

 

* قد يكون الزوج من الشخصيات التجنبية الحادة، وهذه الشخصيات تتجنب العلاقة العاطفية والحسية لأنها في داخلها مفتقدة للثقة بالذات.. من الممكن أنه حاول أن يعيش حياة طبيعية معك كما حدث في بداية الزواج لكن طبيعته غلبته في النهاية.. قد تكونين انتقدته مرة أو رفضته أو أعربت أنك بحاجة لرعاية الصغيرة فاعتبر هذا رفضًا، وهو أمر وإن كنت ترينه مبالغة فإن هذه حقيقة الاضطراب التجنبي.

 

وقد يكون قد تصادف وعانى من بعض المشكلات العضوية كضعف الانتصاب ونحو ذلك، ولأنه شخصية تجنبية فبدلا من الذهاب للطبيب تجنب العلاقة معك لأنه مرعوب من فكرة الرفض.

 

* بعض الأزواج يحدث لديهم خلل نفسي، فعندما تنجب الزوجة يراها كأم وليست كزوجة، وطبعا هذا الخلل له جذور قديمة في شخصياتهم.

 

* بعض الأشخاص يقال عنهم "اللاجنسيين"، وهم لائقون من الناحية الصحية ولكنهم لا يرغبون في العلاقة الحميمية، وقد يكون منهم وأجبر نفسه على الزواج مراعاة لأعراف المجتمع.

 

صدمة الطلاق

 

لماذا إذن قام بالطلاق في هذا التوقيت؟ هذا أيضا لا يمكنني الجزم به لكن على الغالب هو شعر أنه يعيش حياة مزيفة فاترة، وهو بعد الانسحاب العاطفي الطويل لم يعد لدية رغبة أو طاقة لمحاولات الإصلاح.. ما هي خططه للمستقبل؟ أمر لا نعرفه ولن يفيدنا في شيء معرفته.. ربما يسعى لعلاقة جديدة ربما صوّر له عقله الباطن أنك أنت السبب في حالة الفتور والانسحاب كحجة تبريرية حتى يشوش عليه مشكلاته النفسية أو الجسدية.. احتمال.

 

ما يعنيني وما يجب أن يعنيك هو الخروج من صدمة الطلاق والتعافي منها جيدًا حتى تستطيعي أن تفكري في خطوتك القادمة.

 

أختي الغالية، الطلاق كسر للمرأة، والطلاق المفاجئ كسر مضاعف؛ لذلك أنت بحاجة لتجبير كسورك، والله سبحانه وتعالى هو الجبار ووحده من يستطيع لملمة شتاتك، فقفي على بابه واشكي بثك وحزنك وهمك وألمك وابكي كما يحلو لك وأخرجي طاقة الحزن كلها بين يديه.

 

 الاعتراف بالحزن هو أول مراحل الشفاء فلا تنكريه، ولا ترددي أنا قوية أنا لم يؤثر في قرار الطلاق بل اعترفي بالحزن واسمحي له بالظهور، لكن لا تجعليه يبتلعك.

 

أختي الكريمة، افزعي للقرآن الكريم واجعليه أنيسًا لك وسوف ترين كيف يذوب الهم وينزوي الغم معه.. تأملي –غاليتي- هذا الحديث العظيم (ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ أو حُزْنٌ: اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ابنُ عبدِكَ ابنُ أَمَتِكَ ناصِيَتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فيَّ قضاؤُكَ أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ سمَّيْتَ به نفسَكَ أو أنزَلْتَه في كتابِكَ أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِكَ أوِ استأثَرْتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ أنْ تجعَلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ بصَري وجِلاءَ حُزْني وذَهابَ همِّي إلَّا أذهَب اللهُ همَّه وأبدَله مكانَ حُزْنِه فرَحًا) قالوا: يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هذه الكلماتِ؟ قال: (أجَلْ، ينبغي لِمَن سمِعهنَّ أنْ يتعلَّمَهنَّ)...

 

احفظي هذا الدعاء وردديه دائما وستشرق حياتك بالفرح بدلاً من الحزن.. فأنت يا عزيزتي كنت في علاقة مضطربة نجاك الله منها فاصبري حتى تمر الأزمة.. خذي وقتك ولا تتعجلي وستجدين أن قبضة الألم والحزن ستنحسر عن قلبك رويدًا رويدًا ثم ينقلب المنحنى بمشيئة الرحمن.

 

انتبهي لابنتك الصغيرة فهي ستبدأ في مرحلة المراهقة المبكرة ولا نريد آثارًا نفسية سلبية عليها؛ لذلك حاولي أن تبعديها عن أي تفاصيل غير مرغوب في ذكرها، وعندما يزول عنك أثر الصدمة عليك أن تناقشي مع والدها بهدوء ترتيبات الحضانة والرؤية والنفقة وما إلى ذلك من أمور عالقة.

 

عندما تشعرين بالتعافي وتبدأ جروحك في الاندمال سنكون بحاجة لوضع خطة تطويرية لحياتك كلها لكننا لن نحرق المراحل الآن فلكل حدث حديث.. ربط الله على قلبك -أختي الكريمة- وجبر كسرك وأبدل حزنك فرحًا في انتظار رسالتك القادمة تخبرينا فيها عن تعافيك من أثر هذه الصدمة ونناقش فيها معًا مخططاتك المستقبلية إن شاء الله تعالى.

 

روابط ذات صلة:

كيف أتعافى عاطفيًّا بعد الطلاق؟

بعد عشرين سنة زواجًا أفكر في الطلاق

انهارت حياتي بعد الطلاق.. فهل هناك أمل؟

حياتي الصعبة بعد الطلاق!