الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الطلاق وتبعاته
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
62 - رقم الاستشارة : 3240
15/11/2025
السلام عليكم، أشعر بالإنهاك والوحدة بعد طلاقي وتخلي الجميع عني، إخوتي في الله، أنا امرأة مطلقة، أم لعائلة في منتصف العشرينيات، مررت بظروف أتعبت روحي وأنهكت فكري، لست حزينة على الطلاق رغم وعيي بصعوبته، خصوصًا في وسط مجتمعٍ منافق متشددٍ ينحاز إلى الرجل في كل حال.
أمر بتعب نفسي لأنني أصل إلى نقطة الإنهاك من شدة المسؤوليات، أصغر أبنائي يمر بوعكات صحية، وأجد نفسي أبًا وأمًا وعما وخالًا وجدا وجدّةً لهم، أتمزق نفسيًا من الضغوط، وأبكي كثيرًا، أشعر بشقٍّ هائلٍ في الروح.
أشعر بظلمٍ كبير كلما رأى أطفالي أبًا مع أبنائه ينظرون إليه بلهفة، والأمر يكسر قلبي، أنا لا أفهم احتياجهم لأنني أمّهم فقط، بل لأنني كنت يتيمة الأب، أنا وهم ينقصنا الشيء ذاته، ومهما فعلت، يظلون يحتاجون إلى حديثه، إلى مجالسته، إلى أحضانه، ولكن لا حياة لمن تنادي.
عدا عن ذلك هناك ظروف عائلية شديدة، قاتلة، مُبهتة، أشعر بأنني باهتة، منطفئة، ليس لأن عائلتي تسيء إلي، بل لأنهم عائلتي، يؤلمني كيف أن القلب لا يحنّ، كيف يستطيعون أن يفعلوا ذلك بنا؟
أريد إجابةً منطقية لا تجعلني أُعيد التفكير، كيف يُسيء إلينا من أحببناه؟ كيف يغدر بنا من قدمنا له كل ما نملك؟ كيف ولماذا؟ لماذا لا يحبّ الأب أبناءه؟ لماذا يُنكرهم؟ كيف يمسحهم من حياته؟ هم يشتاقون إليه وهو في غنى عنهم، وأنا خاطري مكسور جدًا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
جبر الله خاطرك -يا ابنتي- وأفرغ عليك من لدنه صبرًا وثبّت أقدامك.. أعلم أن ما تمرين به صعبًا وقاسيًا وفي الوقت الذي تحتاجين أنت فيه الرعاية تكونين مطالبة بتقديمها وبصورة مضاعفة.. أقدر شعورك الضاغط بالوحدة ومدى احتياجك لدعم عائلتك بعد أن فقدت دعم الأب الذي آثر الغياب والابتعاد وترك مكانه شاغرًا.
أشعر بمدى ضغط المسئوليات الملقاة على عاتقك وبعضها بحاجة لجهد مادي كرعاية طفل مريض، وبعضها نفسي كرغبتك في تعويض الأبناء مشاعر الأب والعائلة وتجنيبهم مشاعر الحرمان التي يشعرون بها والتي شعرت بها قبلهم.
اسئلة مرهقة
ابنتي الغالية، أنت تعذبين نفسك بتكرار هذه الأسئلة التي لا تجدين لها إجابة تقلل من بعض الاحتقان الذي تشعرين به.. وأنا سأجيبك -يا ابنتي- بصورة صادقة ودون رتوش تجميلية حتى يمكننا غلق هذا الملف والتخلص منه.
* بالنسبة لوالدك فقد توفي -رحمة الله عليه- وهو أمر بالتأكيد لم يختره، ولكن عقلك اللاواعي الذي عاش أوقات الفقد والحرمان كأنه يلومه، لذلك بدأت إجابة أسئلتك بالسؤال الأكثر وضوحًا والذي أريد له أن يحتل ساحة الوعي لديك والذي تتلخص إجابته في أنه قدر الله ولم يكن للوالد ذنب فيه.
* أما والد أولادك فبالتأكيد لا أمتلك إجابة عن سلوكه هو تحديدًا، لكن يمكنني أن أقول لك إنه سلوك متكرر يقوم به بعض الآباء الذين يبتعدون عن أولادهم ويغادرون مسؤولياتهم بمجرد وقوع الطلاق، ولعل ما يخفف من وقع الأمر عليك أن هناك كثيرًا من العائلات تشبهك تقوم فيها الأم بكل الأدوار الحياتية.
* بعض الآباء يحب أولاده لكنه يحب نفسه أكثر وهو يتصور أنه بمتابعته لأبنائه الذين في حضانة الأم سيقلل من نفسه.. يستأذن من أجل الرؤية.. يستأذن من أجل الخروج معهم، فكأنما أصبحت طليقته ذات اليد العليا مع الأطفال فتستنكف نفسه فعل ذلك ويعتبر المسألة مسألة كرامة وعزة نفس وأنه لن يهين نفسه حتى لو من أجل أطفاله.
* بعض الآباء مرضى نفسيون يجمعون بين النرجسية والتجنبية بدرجات، وبالتالي لا يرون سوى أنفسهم وما ألمّ بهم بعد الطلاق وما يضطرون لدفعه كنفقات حتى أنهم يشعرون بالمظلومية!
* بعض الأباء لا يمتلكون الذكاء العاطفي والاجتماعي ولا يملكون حتى النضج النفسي فيظنون أن واجب الأب هو تمويل مصروفات أبنائه، أما التربية فهي مسئولية الأم وحدها.
* أما عن عائلتك فأنت لم تشرحي لنا شيئًا عن سبب الخلاف والاختلاف بينك وبينهم؛ لأننا يجب أن نقوم بتحليل العلاقة بينك وبين كل طرف منهم على حدة.
غاليتي، أنت لم تشرحي ما هي هذه الظروف القاتلة، فلعل المشكلة في هذه الظروف، فكثيرًا ما تقوم الأسباب الخارجية بأدوار حاسمة في العلاقات.. بالتأكيد هذا لا يقلل من قسوة ما تشعرين، ولكنني أقول لعل لهم عذرًا ولعل سقف توقعاتك منهم كان عاليًا ومثّل ضغطًا لم يستطيعوا تحمله، أقول ربما فأنت لم تمنحيني أي معلومات.
هذه بعض الإجابات المحتملة عن تساؤلاتك المرهقة المؤلمة.
بقي أن أقول لك إن النفوس البشرية -يا ابنتي- بئر عميقة والدوافع النفسية الحقيقية من الصعب التيقن منها والبعض قادر على إخفائها بمهارة والبعض لا يدركها من الأساس، فهل لو وجدت إجابة يقينية عن سبب الظلم الذي تعرضت له أو تعرض له أبناؤك ستشعرين بالارتياح النفسي؟ هل ستتغير حياتك للأفضل؟ الحقيقة أنه لن يحدث؛ لذلك قلت لك إنك تعذبين نفسك بهذه الأسئلة.
التعامل مع الضغوط
السؤال الأكثر جدوى –غاليتي- هو "كيف" وليس "لماذا"؛ لأن "لماذا" ليست مجدية هي مؤلمة فقط، أما "كيف" فهي تضمن لك الخروج من هذه الدائرة الحارقة التي تقفين في وسطها.
إذن كيف تتعاملين مع الضغوط؟ كيف تتعاملين مع المسئوليات؟ كيف تتعاملين مع الأطفال الصغار الذين يختبرون مشاعر فقْد والدهم؟ هذه هي الأسئلة الصحيحة التي ستعيد لك حياتك التي تشعرين أنها تسلب منك قطعة بعد قطعة.
* ابنتي الغالية، لا يوجد أمر يساعدك على تحمل الضغوط ويرفع سعة خزان طاقتك لآفاق عالية لا يمكنك تصور مدى سعتها أكبر من عمق الصلة بالله عز وجل وكثرة ذكره وقراءة كتابه والسجود له سبحانه.. تفتقدين الأب.. تفتقدين العائلة، قربك من الله عز وجل سيملأ هذا الفراغ، فمن كان الله معه هل سيكون بحاجة لبشر؟
أنصحك –حبيبتي- بكثرة الصلاة على النبي حتى يقضي الله حاجتك ويرسل لك عونًا من لدنه.. إن استطعت أن تصلي عليه كل يوم 1000 مرة فافعلي.
وأنصحك بركعتين قبل الفجر تجلسين بعدها تستغفرين الله وتسألينه، لا تنشغلي بأن يكون دعاؤك بلغة فصحى أو يكون دعاء مأثورًا محفوظًا، بل ادعي بما تشعرين أنه خارج من قلبك، واشكي همك وحزنك وضعف حيلتك، واطلبي منه العون والمدد وأن يرزقك الصبر.
* بعد ذلك خذي بالأسباب.. فصديقة واحدة أو صديقتان قد يكونان بمثابة عائلة بديلة.. جروب للأمهات المطلقات على منصات التواصل قد يصنع لك حياة اجتماعية داعمة.. أفراد عائلتك من الدرجة الثانية أو الثالثة وحتى الرابعة يمكنك أن تمدي بينك وبينهم جسور الصلة حتى لو كان ذلك على مستوى العالم الافتراضي.
* بعد ذلك جدولي مسئولياتك، فطفلك اليوم مريض وأنت مجهدة معه، إذن لا لطهي الطعام اليوم، شطائر الجبن ستفي بالغرض.. غير قادرة على تنظيف البيت هذا المساء، إذن نامي وغدًا يوم آخر.. تريدين أن تخرجي اتركي أطفالك في ضيافة إحدى الحضانات.. بسطي حياتك قدر ما تستطيعين.
* احتوي أطفالك وامنحيهم الحب.. كوني قوية وسيصلهم وهج قوتك؛ فالأم الكسيرة التي لا يزال طعم اليتم في حلقها ستكسر أولادها وتشعرهم بالفقد والحرمان.. بينما الأم القوية التي أحسنت التعامل مع الضغوط ستجبر كسرهم وستجعل الأمر يبدو بصورة طبيعية، فكم من أب مسافر يمضي العام والعامين والثلاثة وهو في عمله لا ينزل عطلة، بالطبع هذه ليست صورة مثالية وتؤثر على الأبناء، لكنها ليست بقسوة الصورة التي يعيش فيها أبناؤك..
قولي لهم والدكم مشغول في العمل وسيأتي قريبًا لزيارتكم.. لا تجرحيه ولا تهينيه ولا تقللي منه، وأرسلي لوسيط بينكما يطلب منه تحديد موعد للزيارة والرؤية دون شروط، وادعي الله أن يستجيب لهذا الجهد، فإن أصر على موقفه فتعاملي كما لو كنت أرملة ماذا كنت ستصنعين؟ الكثير من الأطفال الأيتام ناجحون متفوقون مستقرون في حياتهم أسوياء نفسيًّا، صدقينني الأمر ليس صعبا لو آمنت أنه ليس صعبًا.
* وأخيرًا يا –ابنتي- أهمس في أذنك: احزني فحزنك مشروع.. ابكي فقد تخفف الدموع من شدة الألم، ولكن لا تغرقي في الحزن والبكاء، أنهي جلستك بقولك الله معي.. الله لن يتركني.. الله يراني.. الله سيعطيني ويرزقني.. أسعد الله قلبك ومنحك القوة ويسر أمرك، وتابعيني بأخبارك دائمًا.
روابط ذات صلة: