الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الطلاق وتبعاته
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
70 - رقم الاستشارة : 3278
13/11/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة وبعد..
أنا امرأة مررت بتجربة انفصال، وأقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من حياتي، لكنني مثقلة بالحيرة والتساؤلات.
بعد تجربتي السابقة، أصبحت أحلل الأمور بعمق أكبر، ولاحظت ظاهرة مقلقة حولي، بل وأخشى أن أقع فيها مرة أخرى. أرى انجذابًا متكررًا من بعض النساء، وأنا قد أكون منهن، نحو رجال قد لا يكونون الخيار الأنسب لنا على المدى الطويل. هذا الانجذاب لشخصيات تبدو "خاطئة" أو غير متوافقة معنا يجعلني أتساءل بقلق: ما الذي يدفعنا لذلك؟ هل هو أثر من علاقاتنا السابقة؟ أم هو بحث عن شيء نفتقده بداخلنا؟
بصفتي امرأة تسعى لبناء حياة مستقرة بعد تجربة الانفصال، كيف يمكنني أن أميّز بين الانجذاب العاطفي العابر وبين الاختيار العقلاني السليم لشريك مناسب حقًا؟
أخشى أن تقودني مشاعري مرة أخرى إلى قرار أندم عليه. أتمنى أن أجد لديكم بصيص نور يرشدني في حيرتي. ولكم جزيل الشكر.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة.. قرأت رسالتك أكثر من مرة وقد سعدت للغاية بعمق أسئلتك التي تدل على درجة عالية من الوعي والاستبصار بالذات وبالعلاقات من حولك، والتي تعكس رغبة حقيقة في عيش حياة حقيقية وصحية وسعيدة إن شاء الله تعالى.. دعينا أولاً نبدأ بتحليل لطبيعة الأسئلة والملاحظات التي أرسلتها ثم نضع معًا الخطوط العريضة لعلاقة جديدة مريحة تمنحك السكينة والسلام.
ملاحظة دقيقة
ملاحظتك -أختي الكريمة- دقيقة للغاية، فللأسف يبدو اختيار شريك حياة جديد يحمل نفس السمات الأساسية للشريك السابق والتي كانت سببًا للمشكلات التي انتهت بالطلاق كظاهرة متكررة عند كثير من الرجال والنساء.. بالتأكيد يوجد بعض الاختلافات، لكن السمات الخاطئة والمؤذية تكون موجودة ومكررة، والسؤال لماذا يحدث ذلك؟ ألم يتعلم الإنسان من أخطائه السابقة؟ ألم يتعلم من اختياراته السابقة؟
والحقيقة أن هناك دروسًا واضحة قد يتعلمها الإنسان، مثلا زوجة كانت متزوجة من رجل بخيل أرهقها حتى تم الطلاق.. هي واعية أن البخل آفة لم تستطع التعايش معها، لذلك هي تبحث في زواجها الثاني عن الرجل الكريم على الأقل تكون على يقين أنه ليس بخيلاً.. هذه المرأة عانت من سلوك ظاهر سيئ فقررت ألا تكرره مرة ثانية.
تكرار النمط
لكن الفكرة أن الإنسان الذي ينجذب مرة أخرى للشخص الخاطئ يكون لديه هو مشكلة نفسية تدفعه لهذا السلوك الذي يبدو أحيانًا من شدة عنفه أنه سلوك قهري.. وإليك عددًا من الأسباب المحتملة التي تقف وراء هذه الظاهرة:
- الشعور بالألفة مع هذا النمط، فمثلا طفلة عانت من طفولتها مع والد قاس نجدها تنجذب لرجل قاس، فيه بعض المميزات نعم، ولكن فيه نفس نمط القسوة، ثم يحدث الطلاق وتنجذب لرجل آخر له صفات أخرى، لكن نمط القسوة حاضر أيضًا حتى لو لم يكن ذلك ظاهرًا هي تستشعره بحدسها وبصورة غير واعية تنجذب له.. لقد ألفت القسوة ووجود رجل قاس يمنحها شعورًا زائفًا بالأمان كأمان وجود الوالد في حياتها.
- علاج جرح داخلي حدث بسبب هذا النمط ولو أخذنا النموذج السابق.. الوالد القاسي الذي تمنت ابنته منه بعض الحنان ولم يمنحها سوف تبحث عن الزوج القاسي، وهي تطمح أن يمنحها بعض الحنان الذي تفتقده والذي يعالج الجرح الداخلي القديم الذي تعاني منه، وقد تكون واعية لذلك وتتسلط عليها فكرة إصلاحه.
- عندما يعاني الإنسان من نمط تعلق قلق أو مضطرب فهو يعاني ذاتيًّا من الخوف من الهجر.. يشعر أنه غير كاف ولا يستحق الأفضل نجده دائمًا يختار الشريك الخاطئ؛ لأن صورة الذات مضطربة وبالتالي تجنح للاضطراب في الاختيار وتقوم بتكرار نفس الأخطاء، وعلى سبيل المثال إذا تسلطت على الإنسان فكرة أنني غير جذاب ومن الوارد جدًّا أن يتم هجري، نجده يبحث عن أشخاص جافة متباعدة تبدو قاسية أو ما يطلق عليه نمط تجنبي يؤكد له الفكرة المسيطرة عليه أنه غير جذاب ويستحق الهجر ويدخل في دائرة مفرغة من محاولة الاقتراب والمعاناة مع الهجر.
- قلة الوعي الذاتي وعدم القدرة على التحليل والمراجعة، خاصة لو حدثت جاذبية جسدية، ولأن الوعي منخفض فيتم ترجمتها إلى أنها حب وعاطفة.
الزوج المناسب
أختي الكريمة، أنت الأن تريدين بناء حياة مستقرة تحسنين فيها الاختيار بحيث يكون زوجك المستقبلي متوافقًا معك؛ لذلك لا بد لك من ثلاثة أمور:
1. التوكل على الله تعالى والاستعانة به سبحانه وتعالى استعانة شاملة تبدأ بطلب صلاح القلب وتنقيته من الشوائب، مرورًا بأن يريك الله الحق حقًّا ويرزقك اتباعه ويريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، انتهاء بأن يرزقك زوجًا صالحًا يسعد قلبك وتقر عينك بك.
ثقي –غاليتي- أن كل التحليلات والتفسيرات والوعي والتيقظ والاستبصار لا يجدي شيئًا دون توفيق الله عز وجل، فاستعيني به بصدق.
2. أن تقيمي نفسك بصورة موضوعية وتتأملي في مشاعرك العميقة، وتسألي نفسك بصدق هل تعافيت تمامًا من تجربتي السباقة أم لا تزال أطلالها عالقة في جنبات الروح.
لو زالت بعض الأطلال قائمة يمكنك كتابة رسالة غاضبة لزوجك السابق تكتبين فيها كل ما أغضبك وأحزنك وأزعجك وما مارسه معك من سلوكيات آذتك ثم تمزقين هذه الرسالة.
وتكتبي رسالة جديدة لنفسك تحت عنوان أنا أستحق:
- أنا أستحق الاحترام
- أنا أستحق الاهتمام
- ....
- ....
وهكذا ترين نفسك بشكل واضح.. تدركين احتياجاتك بشكل واضح.. تفضين الاشتباك مع الماضي الذي لم يمنحك ما تستحقين.
ولكن تنبهي لا تغالي في هذه الاستحقاقية كوني واقعية وصادقة، أيضًا تنبهي أن التقييم السابق لا بد أن يكون موضوعيًّا، بمعنى أنه لا بد أنه قد حدثت أمور سلبية منك سواء كفعل أو رد فعل كيف ستعملين على إصلاحها في نسختها الجديدة؟ وتذكري تمامًا كما أنك تستحقين كذا وكذا فلا بد أيضًا أنك تستطيعين منح زوجك المستقبلي كذا وكذا.
3. وكي تطمئني أختي أن قرارك هذه المرة سيكون صائبًا فعليك بالاهتمام بهذه النقاط الثلاثة في الزوج المستقبلي.
* التوافق الفكري: أن تشبه أفكاره أفكارك.. أن تكون رؤيتكما للحياة متشابهة وبعض الاختلافات لا تضر بالتأكيد طالما هي في الحدود الآمنة.. أن يكون لديه نفس القيم التي تحملينها، وأساس ذلك الدين والخلق.
* التوافق القلبي: أن تشعري بالراحة عندما تجلسين معه.. أن ينصت لك ويهتم بما تقولين ولا يغيب عنك دون مبرر وطبعًا لا يظهر أي علامات عاطفية سامة.
* الجاذبية الحسية: وهذه وحدها بالتأكيد لا تكفي وقد تشوش على التوافق الفكري والقلبي، لذلك هي تأتي في المرحلة الثالثة، ولكن لا بد من وجود قدر كاف منها من أجل حياة زوجية مستقرة.
فإذا وجدت أن زوجك المستقبلي توجد فيه هذه النقاط الثلاثة بدرجة لا تقل عن جيد فلا تنسي أن تستشيري من حولك وتصلي استخارة وامنحي نفسك خطبة لا تقل عن ثلاثة أشهر.. أسعد الله قلبك ورزقك زوجًا صالحًا تقر عينك به عاجلا غير آجل، وأنا معك خطوة بخطوة إذا كان لديك المزيد من الأسئلة التي ترغبين في المناقشة حولها.
روابط ذات صلة:
كيف أختار شريكة حياة مخلصة وصادقة؟