الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
53 - رقم الاستشارة : 1767
27/04/2025
أنا سيدة وصلت لعامي السبعين هذا العام منذ أكثر من عشرين عاما، تطلقت من أبو أولادي بعد زواجه علي كرد فعل على بعض المشكلات بيننا، حيث كان دائما يتهمني بالعناد.. بعد الطلاق تزوج بقية أولادي وكنت أعاني من الوحدة فتزوجت من أرمل محترم للغاية ولكن تطلقت منه بعد عشر سنوات بسبب أولاده الذين كانوا يخشون على ميراث والدهم ولي الآن عشر سنوات أعيش وحدي.
الحمد لله أنا صحتي جيدة ومتأقلمة مع حياتي رغم إنني لا ألتقي أولادي إلا كل فترة طويلة.. وفي آخر زيارة لهم قابلت أبوهم (كل من أولادي له شقة في منزل والدهم) وطلب مني أن أعود إليه، وأنه قد أرهقته الوحدة خاصة بعد أن طلق هذه المرأة التي كانت السبب في طلاقها ولم يشرح أسباب طلاقه لها.
سؤالي هو هل أعود إليه وأنا في هذا العمر وهو يكبرني بعامين.. نعم أنا أشعر بالوحدة وأحتاج الونس لكنني اعتدت على حياتي، فهل استطيع الان بدء حياة جديدة؟
أيضًا على الرغم من أني بصحة جيدة ولا أعاني من أمراض مزمنة لكنني أصبحت أتحرك بصعوبة فأطبخ عندما أريد وأشتري الطعام جاهزا عندما أشعر بالرغبة في عدم الحركة، وطليقي رجل كثير الطلبات يحب تعدد أصناف الطعام، وقديما كان لا يتوقف عن الطلبات، يريد مشروبات ساخنة وباردة كل فترة قصيرة، وأنا صحتي ليست مثل الأول كما أنه عصبي، ولست أدري هل سأتحمل عصبيته أم لا ما رأيكم؟
سيدتي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع..
الوحدة -يا سيدتي- مخيفة للغاية مرهقة للإنسان؛ فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع الحياة وحيدًا في الأحوال الطبيعية، ومن أجمل صور الحياة الاجتماعية وأعمقها علاقة الزواج {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}، والزواج ليس له عمر خاص به -سيدتي الكريمة- فلكل مرحلة عمرية احتياجاتها ومتطلباتها وجمالها وعيوبها أيضًا ولا شك... وأنت في مرحلة عمرية هادئة ليس عليك التزامات كالماضي، وفي الوقت ذاته أنت تتمتعين بحالة صحية جيدة ولا تشكين من أية أمراض مزمنة (حفظك الله من كل شر)، وهذا يجعلك قادرة على إدارة حياتك بطريقة سلسة.
ما ينقص حياتك حقًّا هو شعور بالونس، فأنت تعانين من الوحدة القاسية، ولا أريدك أن تقللي من قسوة هذه الوحدة على روحك ولا ضغطها على نفسك؛ فالبعض ينكر المعاناة ويتركها تقتات على مشاعره العميقة ببطء ثم تحدث فجأة حالة من الانفجار قد يظهر بصورة جسدية أو نفسية بحتة.
أولادنا والوحدة
من المهم جدًّا لك أن يكون لك حياة اجتماعية خاصة بك حتى لا تهاجمك أحاسيس الوحدة، وأهم من تحتاجين إليهم في هذه المرحلة هم أولادك.. مشروع العمر الذي استثمرت فيه فترة شبابك، ومن حقك الآن أن تستشعري ظلاله الوارفة...
مشكلة الأولاد أن مرحلتهم العمرية تجعلهم يعيشون حالة من الضغوط تشبه ضغط الدوامة.. وأنهم مستنزفون في تفاصيل حياتهم وأبنائهم بحيث يتحول الوالدان لديهم لمرحلة الهامش الحياتي.. بالطبع ليس جميع الأبناء هكذا فالكثيرون قادرون على التوازن، والكثيرون يجعلون من الوالدين محورًا ومركزًا لحياتهم أو على الأقل أحد المراكز المهمة التي تدور حولها حياتهم.
رد فعل الآباء على انشغال الأبناء أيضًا مختلف، فبعض الآباء يكون شديد التعنت غير قادر على التفهم لا يلتمس عذرًا، وبعضهم يكون بالغ الحساسية فيضخم الأخطاء الصغيرة ويكون كثير الغضب هائل الشكوى.. والبعض وأحسبك منهم يكون بالغ الخفة فلا ينتقد أبدًا ويتقبل المتاح دون تذمر..
هذه النوعية من الآباء والأمهات شديدي التفهم يستطيعون التماس الأعذار بكل الطرق الممكنة وفي الوقت ذاته لو حدث خطأ فهم شديدو التسامح، وهذا كله أمر طيب ويدل على امتلاك أصحاب هذه الصفات لكثير من الذكاء العاطفي بالإضافة للمرونة العقلية.. فقط هناك مشكلة مزدوجة عند هذا الفريق من الآباء (الذين أظنك منهم).
المشكلة الأولى أنهم على مستوى الوعي ينكرون أنهم يعانون أو أنهم يشعرون بالحرمان بينما كثيرًا ما يكون اللا شعور مثقلاً بالألم والوجع ومتشبعًا بالحرمان.
المشكلة الثانية المرتبطة بهذا الإنكار أنهم لا يعبرون بشكل صحي عما يعانون منه؛ لأنهم ينكرونه وبالتالي لا يطالبون بما هو حق لهم من البر والصلة، وكثيرًا ما يكون سلوك الآباء الآخرين المنفر من الذين يكثرون اللوم والعتاب والشكوى ولا يبدون قدرًا من المرونة أو التفهم.. أقول هذا السلوك المنفر يمنع الآباء المتفهمين من المطالبة بما هو حق لهم لأن الأمر يلتبس عليهم ولا يريدون أن ينفروا الأبناء منهم ولا يريدون أن يوضعوا في زاوية الآباء المرهقين الذين يستنفزون مشاعر الأبناء.. لذلك قلت لا بد من التعبير الصحي عن احتياجاتك النفسية في قرب الأبناء ورغبتك في الشعور بالأنس في وجودهم.
ما سبق ذكره لا يتعارض مع بناء حياة اجتماعية قوية لك، فيكون لك الصديقات وعلاقة لطيفة بالجارات وتشاركين في الأنشطة الاجتماعية والترفيهية المناسبة بحيث تحقق لك هذه الأنشطة جزءًا لا بأس به من إشباع حاجتك للأنس، فلا تكون كامل المسؤولية ملقاة على الأبناء، وفي الوقت ذاته تطالبين الأبناء بما هو حق لك من الجلوس معك والاهتمام بك والإنصات لما ترغبين في الحديث فيه.
حياتك بعد السبعين
في ضوء ما سبق وذكرته لك من أهمية وجود حياة اجتماعية قوية لك ومطالبتك بحقك في الأنس بأولادك بطريقة صحية، فأنت لن تضغطيهم، وفي الوقت ذاته ستلفتين انتباههم فقد يكونون بالفعل غير منتبهين، خاصة وأنت دائما ما تبدين تفهمًا غير محدود ولا تعبرين عن أن ثمة ما ينقصك.
في ضوء ما سبق يمكننا النظر للعرض الذي قدمه لك زوجك السابق وأبو أولادك.
لا شك أن وجود رجل في حياتك حتى في هذا العمر أمر إيجابي، خاصة أن أعماركم متقاربة وأن الظروف الصحية لكل منكما جيدة.. فالعلاقة الزوجية سوف تصنع لك حالة من الزخم النفسي وستعيدك لدائرة الاهتمام الذاتي وسيكون لك حياة شخصية ثرية.
الزواج أيضا سيجعل لك شريكًا دائمًا في الحياة، فالصديقات والجارات والأبناء وكل الأنشطة الممكنة هي أنشطة جزئية، أما الزوج فسيكون معك دائما خاصة أثناء الليل حيث تكثر الهواجس والوساوس والقلق.
إذا استطعت أن تديري حياتك الزوجية هذه المرة بطريقة سليمة فقد تكسبين صديقًا حميمًا وليس مجرد زوج، فيمكنكما السفر معًا لأداء العمرة أو السفر في رحلات سياحية ترفيهية تناسب الظروف المادية أو حتى الخروج للمشي معًا والحصول على نزهة بسيطة في الجوار.
وجود أبنائك معك في نفس البيت يسهل جدًّا عملية البر والصلة ونقل الاحتياجات والدخول في تفاصيل الحياة اليومية، وهذا كله سيجعل يومك أكثر ثراء وحيوية.
وجودك بالقرب من الأبناء يعني وجودك قرب الأحفاد، فإذا كان الأبناء مضغوطين في دوامة الحياة فإن الأحفاد يمتلكون الوقت ويتطلعون لقضاء الوقت مع الأجداد ومعرفة تفاصيل عن تجاربهم الماضية، وأحيانًا يقدم الأجداد خدمة للأبناء كونهم يتركون الأحفاد الصغار في مكان آمن وهذا يخلق مزيدًا من التفاعل بين الأجيال الثلاثة.
لذلك فأنا أرى أن تفكري جيدًا في عرض الزواج المقدم لك، ولكن عليك أن تتحدثي بصراحة عن النقاط التي تؤرقك فلا بد أن يعلم أنك وأنت في السبعين من عمرك لا تملكين الطاقة والحيوية التي كنت تملكينها وأنت في الخمسين، وبالتالي فعليه ألا يطالبك إلا بما تستطيعين القيام به، وأن عليه مشاركتك فيه.
وبالتأكيد هو لديه نمط حياة خاصة به كونه يعيش وحيدًا، فإما أن هناك من يساعده في تدبير أمور المعيشة أو أنه يستطيع بالفعل تدبر أمره، وفي كلتا الحالتين لن يتغير الوضع بوجودك فهو أيضًا يريد أن يقهر الشعور بالوحدة وبحاجة لبعض الأنس، وهذا هو الهدف من العودة، أما الخدمة فهي أمر ينبغي وضع النقاط على الحروف فيه.
أما عن العصبية فهي من الطباع صعبة التغيير خاصة في هذا العمر، إلا إذا كانت السنوات والتجارب قد غيرته أو عمل هو نفسه على السيطرة عليها، وأيضًا يمكنك فتح هذه القضية معه، ولكن وأنت تتخذين قرارك ضعي في اعتبارك أنه بالفعل قد تصيبه بعض نوبات الغضب حتى لا تشعري بالمفاجأة بذلك، ويمكنك أن تضعي لنفسك خطة لامتصاص هذه النوبات وجعلها تمر بسلام.
وخلاصة الخطة ألا تناقشيه وقت غضبه، وفي الوقت ذاته لا تتجاهليه، بل تتحكمين في أعصابك، فإن كان له حق فاستجيببي لما يقول، وإن لم يكن فالتزمي الصمت حتى يكون في حال تسمح بالحوار.. ولا تندهشي منه عندما يأتيك معتذرًا وقتها فهو الآخر بحاجة ماسة لوجودك في حياته.
أسعد الله قلبك ورزقك السعادة، ولا تنسي صلاة الاستخارة قبل الرد، وتوجهي لله بالدعاء أن يرزقك الخير، وانظري إلى الذي يقوله قلبك واتبعيه ثم توكلي على الله.