الإستشارة - المستشار : أ. عزة مختار
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
321 - رقم الاستشارة : 1072
24/02/2025
مراتي كويسة جدا وطيبة ومحترمة ومش مقصرة في حاجة بصراحة، وتعاملني ميعاملة سي سيد حرفيا لكن للأسف مش مكتفي بيها، أنا مقتدر أفتح أكتر من بيت والفكرة في بالي، فعرضت موضوع أني اتجوز عليها وأني محتاج ست تانية في حياتى ومش هقصر معاها اتعاملت معايا ببرود وقالت لي لو مش مكتفي بي طلقني ومن وقتها وحالها متغير بقى إهمال وتقصير وبقت باردة جدا، خصوصا لما اتعصب، حتى الأكل وتصحى متأخر وكل حاجة في حياتنا اتقلبت قلت لها ليه بتعملى كدة قالتلى وإيه الفايدة أتعب نفسي علشان واحد مش مكتفي بي هددتها بالطلاق والجواز نفس البرود بردو وكأن مش فارق معاها، مش دي الشخصية اللي اتجوزتها.. هو أنا لما اطلب شرع ربنا حرام وأنا بفكر فعلا أطلقها لأني مبقتش طايق إهمالها، بس عايز أسألكم إيه الغلط اللي أنا قولته أو عملته؟
بعد الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، والصلاة والسلام على سيد الخلق أحمعين، محمد معلم البشرية الخير عليه أفضل الصلاة والسلام، القائل موصيًا شباب أمته: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه.
مرحبا بك أخي على صفة استشارات بمجلة المجتمع، وأهلا بك في كل وقت، سعدت بإثارة المشكلة (رغم تحفظاتي الكثيرة)، وذلك لأنها مشكلة شائعة بين الناس دون فهم لأبعاد القضية من الجذور، فبإثارتها سوف نضع نقاطًا كثيرة على الحروف حتى تتضح معالم الإشكالية مكتملة:
- إن مفهوم الزواج يرتبط عند البعض بالحقوق والواجبات وكأنه شركة تجارية لها طرفان شريكان، يحرص كل طرف على حجم مكاسبه، وأن تكون خسارته في أضيق حدود، نعم إن الزواج شراكة، لكنها شراكة إنسانية ليس لها حدود قطعية، تعرف الحقوق والواجبات، لكن داخل إطار إنساني مرن، قائم على المود والرحمة والتفاهم والمسئولية تجاه أحدهما الآخر، الزواج شراكة نتاجها سكن، سكن للإقامة، وسكن للنفس والروح والجسد، نتاجه أطفال من دم وروح، كل منهم له شخصيته، وله احتياجاته، وله مشكلاته، وله كينونته، هو إنسان موحد بالله مكرم بين خلقه، نتاجه أسرة يتكون المجتمع من مجموعة منها، بها تتكون الأمة التي جعلها الله عز وجل خير الأمم بما كلفت به من تبليغ لكلمة الله ورفع لرايته، سكن لا ينكسر فيه أحد، ولا يظلم فيه أحد، ولا تنتهك فيه حرمة أحد، ولا يكسر قلب أحد.
- وأنت يا أخي الكريم قد ابتعدت كثيرًا عن مفهوم الزواج ومقاصده، وأكثر ما عبّر عن ذلك أنك مللت، وتفكر في طلاقها لإهمالها، مع أن ذلك الإهمال المستجد عليها أنت السبب الأول به، حين أفقدتها الأمان معك، فتبدل حالها من كونها خير زوجة، تبحث كيف ترضيك، إلى زوجة مهملة، لا يعنيها رضاك من عدمه، أنت بحثت عن حقوقك أنت دونها، وجئت في أكثر وقت تفانت معك فيه لتخبرها أنك في حاجة لزوجة أخرى، ليس لتقصيرها، وليس لسوء خلقها، وإنما لأن معك ما يكفي من مال لفتح بيت آخر كما ذكرت، لم تفكر في ترضيتها، وإصلاح ما كسرته في نفسها.
- الزواج الثاني في الإسلام ليس فريضة، وإنما مباح من المباحات يأخذ حكمه بقدر الحاجة إليه، فلا أحد ينكر عليك حقك في الزواج بأخرى، لكن ذلك بشروط معقدة، ليس منها أن يكون بالزروجة الأولى أو الثانية عيب، فقد تكون زوجتك خير الزوجة، لكنك في حاجة لأخرى، لا بأس، لكن هل يعطيك هذا الحق أن تكسر الأولى بدعوى أنه حقك، وأنها ليس من حقها الاعتراض؟ بالطبع لا، إنه هوى النفس، وفهم مغلوط، واستخدام تعسفي للحق، إن عليك أولا أن تحسن إخبارها، وتحسن استقبال رد فعلها، فليس هناك امرأة في الدنيا بطبيعتها التي جبلها الله عز وجل عليها تقبل بامرأة تشاركها زوجها، خاصة إن كانت تحبه وتعمل على إرضائه، فالحفاظ على البيت القائم هو الأهم، وهو الأولى، وهو الفريضة، فكان الأولى بك إهداءها الهدايا، وترضيتها بكافة السبل الممكنة لتهدئة نفسها وطمأنتها على مستقبلها معك.
- عليك أن تتلمس الطرق الإنسانية لإقناعها (وأحسب أنها لن تفعل بمجرد الكلام)، مثل حفاظك عليها، وتمسكك بها، وأنها ستظل دومًا مليكة قلبك، وأنك تعي قضية العدل ولن تظلمها ما حييت، هناك وسائل إنسانية تتم، مع إدخال أطراف عاقلة تذكرها بتبعات الطلاق والانفصال عنك والتخلي عن حياتها وأبنائها، وأنها إن تزوجت فسوف تكون زوجة ثانية لرجل آخر تفقد معه استقرار أبنائها واحتمالية تخلي والدهم عن الإنفاق عليهم، فعليها أن تحافظ على بيتها، في الوقت الذي سوف تعوضها فيه تعويضًا مضاعفًا عن زواجك بأخرى، وبالوقت الأمور تحل والبيوت تسير بشكل طبيعي، لكن يبدو أنك تحتاج أنت لمن يقنعك بالحفاظ على بيتك، وأن تتقي الله في زوجتك الأولى.
- من الملحوظات العجيبة في مجتمعاتنا، أن الزوجة الأولى تغفر لزوجها الكثير من الكبائر أحيانا، وتتحايل أن تعالجه، فقد تكون له علاقات متعددة خارج الشرع، ومع ذلك تتغاضى بحجة الحفاظ على بيتها وأولادها، يعتذر فتنسى وتبدأ معه من جديد، لكنها لا تغفر له أن يتزوج بأخرى وتتهمه بالخيانة الزوجية، وذلك من المفارقات العجيبة والتي رسّخ لها الإعلام والفنون المستعربة، ورسخ لها كذلك ظلم الأزواج لزوجاتهن وعدم العدل بينهن مما نفر معظم النساء من الفكرة الأساسية.
- ليس على الزوج الذي يعرف دينه جيدًا أن يبني بيتًا جديدًا على أنقاض بيته الأول، فعليه أن يكون كيسًا فطنًا، ويتصرف بحكمة، فإن لم يكن في حاجة قوية للزواج، وزوجته تكفيه عن الحرام، فليكتفِ بها، ويفرغ طاقته معها، وأما إن كان عدم زواجه من ثانية سوف يوقعه في حرام النظر والعلاقات المحرمة، فواجب عليه أن يتزوج، وأن يرضي زوجته في ذات الوقت، فلا يضيع من يعول، ولا يتخلى عن أمانته، وليعط كل ذي حقه، ويعدل بين الاثنتين، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي: (من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقسم بين زوجاته ويعدل، ويروي ابن ماجه: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك).
وفي حالتك أخي الكريم، فأرى صدقًا أنك لم تكن في حاجة لزوجة ثانية لأمر ضروري، بدليل أنك لم تشتك من امرأتك تقصيرًا، وأن شعورك لاحتياج زوجة أخرى يتعلق فقط بقدرتك المادية على فتح بيتين، فذهبت إليها بعجرفة تخبرها أنك ستتزوج بامرأة أخرى، وأن كل ما تقدمه لك غير كاف، فسببت لها الإحباط، حتى وصل بها الحال لما وصل إليه الآن، لقد خسرت يا أخي الكريم غاليًا، من أجل مجهول، ولتعلم أنه لا يحق لك الزواج في حالتك إلا أن تخشى أن تقع في الحرام، وهذا ما لا أراه، فاتق الله وأصلح ذات بينك، وحافظ على أهلك، بارك الله لك في بيتك وأهلك وذويك.