الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
61 - رقم الاستشارة : 3066
25/10/2025
تزوجت منذ سنتين رجلًا محترمًا، وأنجبت منه طفلة، وقد أخبرني قبل الزواج أنه كان في شبابه عاصيًا ومتفلتًا، لكنه تاب.
منذ أشهر اكتشفت بالصدفة بعض آثار الماضي، رغم أنه لا زال ملتزمًا. شعرت بنفور، وبدأت أشك في صدق توبته، رغم أنه لم يُظهر ما يريب.
هل من حقي أن أُعاتبه؟
وكيف أُطهّر قلبي من الشك والاشمئزاز من ماضيه؟
مرحبًا بك أيتها السائلة الكريمة، وكم أقدِّر لك ثقتك بنا، أسأل الله أن يفرِّج همِّك، ويشرح صدرك، ويُثبِّت زوجك على طريق التوبة والاستقامة، ويبارك لكما في طفلتكما، ويجعلها قرة عين لكما في الدنيا والآخرة، وبعد...
فإن زواجك برجل تاب وأناب إلى الله هو نعمة عظيمة، فالتائب حبيب الله، ويكفيكما فخرًا أنكما تبنيان أسرة على أساس من التوبة والاستقامة بعد مسيرةٍ قد شابها بعض العثرات. ولكن التحدِّي هو في كيفية الانتصار على وساوس الشيطان التي تحاول أن تُنغِّص علينا جمال الحاضر بظلال الماضي.
التوبة تمحو ما قبلها
أختي الفاضلة، إن التوبة الصادقة تمحو ما قبلها، وكأن الذنب لم يكن. والله عز وجل يقول: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [سورة الفرقان: 70]. تأملي هذه الآية العظيمة: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}! هذا كرم إلهي لا يُدركه العقل البشري. إذا كان ربّ العزة قد غفر وبدَّل السيئات حسنات، فهل يليق بنا نحن البشر أن نفتح ملفًّا أغلقه الله؟
وفي الحديث الشريف يقول النبي ﷺ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ» [رواه ابن ماجة].
وزوجك -بفضل الله- تاب والتزم، والآثار التي وجدتِها هي مجرد بقايا مادية لصفحة طُويت.
أغلقي أبواب الشك وسوء الظن
إن من أعظم مكائد الشيطان أن يُدخل الشك وسوء الظن بين الزوجين، خصوصًا تجاه التائب. لقد أظهر لك زوجك التزامًا، والأصل في المسلم هو حمل أمره على أحسن الوجوه. يقول الله -تعالى- آمرًا بترك سوء الظن والتجسس: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [سورة الحجرات: 12].
فما دام زوجك ملتزمًا الآن، ولا يظهر منه ما يريب، فأنت مأمورة شرعًا بأن تُحسني الظن به، وتدفعي هذه الوساوس. تذكري أن الشك يدمر البيوت. لو كان الأمر يستحق العتاب، لكان في وقت ارتكابه للمعصية، وليس على ذنب تاب منه.
هل من حقك أن تُعاتبيه على الماضي؟
من الناحية الشرعية والأخلاقية: لا؛ ليس من حقك أن تُعاتبيه على أمر مضى قد أعلن توبته منه قبل الزواج، وما دام أنه مُلتزم الآن. ولقد صدقك القول وأخبرك بماضيه قبل الزواج بك، وهذا قمة في الأمانة والوضوح (وإن كان ليس مطلوبًا) وهذه نقطة تُحسب له لا عليه.
إن المعاتبة بعد التوبة تعني عدم الاعتراف بحق التائب في فتح صفحة جديدة، وكأنك تريدين محاكمته على جريمة نحسب أنه أخذ فيها البراءة من الله -تعالى- بتوبته والتزامه. وهذا يفتح بابًا خطيرًا، فقد يرى أن توبته لم تكن مجدية في عين زوجته، وهذا قد يُضعف عزيمته، ويفتح الباب أمامه لإخفاء كل ما يتعلق بنفسه مستقبلًا، وهذا يُضر بالعلاقة بينكما.
مصارحة لا معاتبة
إذا كنت تشعرين بضيق شديد، فالأفضل ليس العتاب، بل المصارحة العاطفية الهادئة لتبديد القلق، ولكن بذكاء وحنان:
ابحثي عن وقت مناسب للحديث في صفاء وهدوء، وتجنبي لغة الاتهام، بل استخدمي لغة الحب والخوف: قولي له بصدق ومحبة على سبيل المثال: «زوجي الحبيب، أرى فيك الزوج الصالح والأب الحنون، وأنا مؤمنة بصدق توبتك، لكن وجود بعض آثار الماضي سبَّب لي قلقًا وهمًّا، ليس شكًّا فيك، ولكن خوفًا من وساوس الشيطان أن تُنغِّص علينا حياتنا الجميلة. أنا أحتاج منك إلى أن تُطمئنني أكثر، وأن نُزيل معًا أي شيء قد يُذكَّرنا بصفحة أغلقناها بفضل الله».
هذه الطريقة تُعزّز العلاقة، وتُشعره بالمسؤولية المشتركة في حفظ البيت، وتُقرِّبكما بدلًا من أن تُبعدكما.
كيف تطهِّرين قلبك من الشك والاشمئزاز؟
لتطهير القلب من هذه المشاعر السلبية، عليك بجهاد نفس حقيقي يشمل ثلاثة مسارات:
- المسار الإيماني: ألِحِّي في الدعاء بصدق أن ينزع الله من قلبك هذه الوساوس. واقرئي القرآن وتدبري في آيات التوبة والرحمة، وتذكَّري فضل الله علينا جميعًا: من منَّا بلا ماضٍ أو خطيئة؟ لولا ستر الله علينا جميعًا، لافتضحنا. عندما تتذكرين أننا كلنا خطَّاؤون، ستتذكرين أن الله ستر على زوجك، وستطلبين الستر على نفسك بالمقابل.
- المسار العملي: بالتركيز على الإيجابيات الحالية. اكتبي قائمة بصفات زوجك الإيجابية في الحاضر: احترامه لك، التزامه، حنانه على طفلتكما، محبته، محاولته إرضاء الله. كلما جاءتك فكرة الشك، انظري إلى هذه القائمة.
أيضًا أشغلي نفسك وزوجك بالعمل الصالح المشترك بينكما: قيام الليل معًا، مساعدة محتاج، قراءة القرآن، تربية طفلتكما تربية صالحة. هذه الذكريات الجديدة والطاعة المشتركة ستمحو أي أثر قديم.
وإذا كانت الآثار التي وجدتِها تُجدِّد فيك الألم، فاتفقي مع زوجك بهدوء على التخلُّص منها معًا، كرمز لقطع الصلة التام بالماضي، وهذا سيكون دافعًا له وطمأنينة لك.
- المسار النفسي: النفور والاشمئزاز قد يكونان شعورًا فطريًّا مؤقتًا، فقاوميه بالمنطق وبالإيمان. إن هذا الإنسان الآن هو زوجك، وأبو طفلتك، هو صفحة جديدة تمامًا. واشمئزازك من الماضي يعني رفض الجهد الذي بذله في التوبة.
حاولي التركيز على المحبة والرحمة بينكما. تذكَّري أن الشيطان يحاول أن يوقد نار الكراهية في قلبك، فادفعي هذه النار بالودِّ والرحمة.
وختامًا أختي الكريمة، أنت زوجة صالحة لرجلٍ تائب يرجو رحمة الله، فلا تضيِّعي هذه النعمة بالالتفات إلى الوراء. الماضي قد ولى، والمستقبل يبنيه الحب والتسامح وحسن الظن.
كوني لزوجك سندًا وعونًا على الطاعة، وثقي تمام الثقة بأن قلبك سيتطهَّر بمشيئة الله إذا استعنت به، وأحسنت الظن بزوجك، وركزت على بناء مستقبلكما الصالح.
بارك الله فيك وفي زوجك، وأسعدكما في الدارين.
روابط ذات صلة:
الزوج الشكاك.. طرق للسير في أرض الألغام