كيف أثبت على ارتداء الخمار رغم رفض أمي؟

Consultation Image

الإستشارة 16/10/2025

تقول إحدى الفتيات الجامعيات في بداية طريقها مع الله، بصوت يمتلئ صدقًا وحرصًا:

لقد منَّ الله عليَّ بنعمة عظيمة، وهي أن ألهمني طريق الالتزام والطاعة، وفتح لي باب التوبة والبعد عن المعاصي، وأحسست بحلاوة القرب من الله سبحانه وتعالى. ومنذ ذلك الحين، قررت أن ألبس الخمار وأتخلى عن الملابس الضيقة والزينة التي تغضب الله عز وجل. لكنني أعيش في بيت لا يعرف من الدين إلا الصلاة وصيام رمضان، وربما قراءة القرآن في الشهر الفضيل، أما في حياتهم اليومية فهم منفتحون جدًّا: البنات يلبسن البناطيل الضيقة ويضعن المساحيق عند خروجهن.

وأمي – التي أحبها وأحترمها – تمنعني من لبس الخمار وتقول: المهم أن يكون الدين في القلب، وأن تحافظي على صلاتك، ولا بأس أن تلبسي البنطال وتضعي بعض الزينة حتى يراكِ الناس جميلة فيخطبك شاب صالح. بل وصل بها الأمر أحيانًا أن تمنعني من الخروج من البيت إلا إذا نزعت الخمار وعدت لملابس البناطيل. فكيف أجعل والدتي تقتنع بأن ارتداء الخمار طاعة لله وليس تشددًا؟ وهل إذا لبسته رغم رفضها أكون عاقة لها؟

الإجابة 16/10/2025

الحمد لله الذي شرح صدرك للهداية، وأكرمك بنور الطاعة، وألهمك حب الحجاب والخمار، وهو سبحانه القائل: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

 

مرحبًا بكِ أيتها الأخت المباركة، وسررتُ بسؤالك الكريم، وأسأل الله أن يثبتك على الحق، ويشرح صدر والدتك للخير، ويجعلك سببًا لهداية بيتك.

 

سؤالك يجمع بين قضيتين كبيرتين:

 

1. التزامك بالخمار ولباس الحشمة.

 

2. برك بوالدتك وعدم الوقوع في العقوق.

 

ودعينا نفصّل الأمر خطوة بخطوة:

 

مكانة الحجاب والخمار في الإسلام

 

1. الأمر الشرعي: الخمار ليس عادة اجتماعية، بل هو أمر شرعي نص عليه القرآن بوضوح، قال تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾. والخمار لغة هو ما يُغطى به الرأس والصدر.

 

2. سنة النبي : قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "رحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾ شققن مروطهن فاختمرن بها.

 

3. الحكمة من الحجاب: (ستر الجسد عن أعين الغرباء، صيانة كرامة المرأة، طاعة لله ورسوله)، فالحجاب ليس حائلًا دون الزواج أو النجاح، بل هو عزٌّ وشرف، وبه تُحفظ كرامة الفتاة.

 

طاعة الوالدين وحدودها

 

1. الأصل في الإسلام بر الوالدين: قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.

 

2. لكن لا طاعة في المعصية: فالنبي ﷺ قال: (إنما الطاعة في المعروف) فإذا أمر الوالدان بما يخالف أمر الله، فلا يُطاعان في ذلك، ولكن يُحسن إليهما بالقول والعمل.

 

3. الفرق بين العقوق وترك الطاعة: العقوق أن ترفعي صوتك عليهما، أو تسيئي إليهما، أو تقطعي صلتهما. أما أن تلتزمي بالحجاب مع احترام والدتك وخفض جناحك لها، فهذا ليس عقوقًا. بل هو برٌّ لله وطاعة له، مع الإحسان للأم في بقية حياتها.

 

كيف تقنعين والدتك بلطف وحكمة؟

 

1. القدوة العملية: اجعلي والدتك ترى جمال خمارك في سلوكك: حياء، هدوء، رحمة. لتشعر أن الحجاب زادك نورًا ورقيًّا، لا أنقص من أنوثتك.

 

2. الخطاب الهادئ: تحدثي معها بلطف، وذكّريها أن الدين ليس في القلب فقط، بل في القلب والجوارح معًا. فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]. أي أن الصلاة تظهر أثرها في السلوك.

 

3. ضرب الأمثلة: اذكري لها أن كثيرًا من الفتيات المحجبات تزوجن برجال صالحين، وأن الحجاب لا يمنع الرزق. ألم تسمع عن فاطمة بنت رسول الله ﷺ التي كانت أشرف نساء الدنيا بحيائها وسترتها؟

 

4. الاستعانة بمن تحب والدتك كلامهم، وتثق فيهم: اطلبي من قريبة حكيمة أو داعية مقربة أن تتحدث معها، فالنفوس أحيانًا تقبل النصيحة من الغير أكثر من الأهل.

 

ماذا لو لم تقتنع الأم؟

 

* عليكِ أن تلبسي الخمار طاعة لله، فطاعة الخالق مقدَّمة على طاعة المخلوق.

 

* لكن افعلي ذلك بأدب، وابتسامة، ورفق، مع برّ والدتك في كل شأن آخر.

 

 

* ارفعي يديك بالدعاء لوالدتك بالهداية، كما كان إبراهيم عليه السلام يدعو لأبيه:

﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي﴾.

 

نماذج من التاريخ

 

* أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، كانت تلبس الثياب الساترة في الجاهلية قبل أن تفرض الحجاب؛ لأنها كانت تعرف أن الحياء شرف.

 

* نساء الصحابة لم يتركن أوامر الله خشية الناس. بل كنّ يتسابقن إلى الطاعة، حتى قالت عائشة: كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة عند رسول الله ﷺ

 

نصائح عملية لكِ

 

1. لا تجادلي والدتك كثيرًا، بل اجعلي حديثك قليلًا ورقيقًا.

 

1. لا تظهري تبرمًا أو غضبًا منها، بل ادفعي نقاشها بابتسامة وهدوء.

 

2. أكثري من الدعاء في جوف الليل أن يهدي الله قلبها.

 

3. اربطي حجابك بالقرآن والذكر، فكلما زاد قربك من الله زاد ثباتك.

 

4. اجعلي إخوتك الصغار يرون فيك القدوة الصالحة، فيتأثرون بك.

 

أيتها الأخت الكريمة، لقد اخترت طريق الجنة، فاثبتي عليه ولا تضعفي. واعلمي أن رضا الله فوق رضا الناس، وأن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه. ولا تنسي أن مفتاح قلوب والديك الدعاء، فاجتهدي فيه، وستجدين أثره قريبًا.

 

اللهم ثبّت هذه الأخت على طاعتك، وأكرمها بالحياء والعفاف، واهدِ والدتها إلى الحق برحمتك، واجعلها قرة عين لوالديها، ونورًا في بيتها وأمتها.

 

 

روابط ذات صلة:

هل للفتاة «تخفيف» حجابها لزيادة فرص الزواج؟

أزمات الحجاب لماذا تتكرر؟

حجابي في العمل بين الثبات وضغوط الآخرين

كيف أحافظ على حجابي وإيماني في وجه ضغوط المجتمع؟

الحجاب ليس تقليدًا اجتماعيًّا

«الحجاب» في الغرب.. تحديات الإيمان والمظهر الاجتماعي

الرابط المختصر :