صديقتي العائدة بعد الضياع.. باب للدعوة أم للفتنة؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الدعوة النسائية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 130
  • رقم الاستشارة : 2287
06/08/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

لديّ صديقة عزيزة، كانت رفيقتي منذ الصغر وحتى الجامعة. جمعتنا سنوات طويلة من الحب والمودة في طاعة الله، وكنا نتبادل النصيحة والإيمان. لكن بعد تخرجنا، تغير حالها كثيرًا، وانقطعت أخبارها عني، ووصلني أنها انغمست في سلوكيات لا تُرضي الله، وأصبحت حياتها بعيدة تمامًا عن المبادئ التي تربينا عليها.

منذ أيام، عادت للتواصل معي، وشعرت أنها تريد استعادة علاقتنا. فوقعت في حيرة شديدة. من ناحية، قلبي يتألم على حالها، وأتمنى من كل قلبي أن تعود إلى طريق الحق، وأفكر في استغلال هذه الفرصة لأكون سببًا في هدايتها ونصيحتها.

ومن ناحية أخرى، أخشى على نفسي من الانجراف معها مرة أخرى، فالنفس ضعيفة والشيطان حاضر. لا أريد أن أُعرض نفسي للفتنة أو أن تتأثر قناعاتي ومبادئي. أخشى أن يتدهور حالي إذا رجعت علاقتي بها.

فهل أستجيب لرغبتها وأُجاريها أملًا في هدايتها، أم أبتعد عنها حماية لديني ونفسي؟

وما هو الموقف المتوازن في مثل هذه العلاقات التي تجمع بين الأمل في الإصلاح والخوف من الفتنة؟

وهل يُعتبر تجاهلي لها نوعًا من التخلي عن واجب النصيحة، أم هو من باب دفع الضرر عن النفس؟

الإجابة 06/08/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك أختي الفاضلة، وأسأل الله أن يبارك فيك، ويحفظ عليك دينك، ويجعل كل خطواتك في سبيله، وأن يرزقك الصواب في القول والعمل، وبعد...

 

فأنت الآن تقفين في مفترق طرق صعب، وهو موقف يُظهر معدن الإيمان الصادق بداخلك. فأنت بين رغبتين نبيلتين: الأولى هي أن تكوني سببًا في عودة صديقتك إلى الله، والثانية هي حماية نفسك ودينك من الفتنة. وهذا السعي للتوازن الدقيق هو ما يميِّز المؤمن الصادق الذي يسعى للخير مع حذره من مواطن الزلل.

 

هل تستجيبين لرغبتها أم تبتعدين عنها؟

 

أختي الفاضلة، إنّ عودة صديقتك إليك بعد كل هذا الانقطاع هو أمرٌ يحمل كثيرًا من الدلالات، وقد يكون بابًا فتحه الله لك لتكوني سببًا في هدايتها وعودتها لطريق الحق. فالله قد يُهيئ الأسباب لرجوع العبد، وأنتِ قد تكونين أحد هذه الأسباب.

 

ولكن في المقابل، خوفك على نفسك ودينك هو خوف مشروع؛ بل ومطلوب شرعًا. فالحذر من الفتنة هو من أصول الإيمان. أنت تعرفين قدر تأثير هذه الصداقة عليك، وتعرفين مدى ضعف النفس أمام إغراءات الشيطان. لذلك، يجب أن يكون قرارك مبنيًّا على تقديرك لحالك وقوتك الإيمانية في هذه المرحلة.

 

بين الأمل في الإصلاح والخوف من الفتنة

 

ما أظنه الأفضل لك هو ألا تتركيها تمامًا، ولا تنجرفي وتتعمقي في العلاقة معها في الوقت نفسه. أي: اجعلي علاقتك بها علاقة دعوية، وليست علاقة صحبة وصداقة كما كانت في السابق. وأنصحك بالتالي:

 

1- ابْدَئِي بتواصل حَذِر: استقبليها بودٍّ ومحبة، وعَبِّري لها عن اشتياقك وتألمك لحالها، لكن اجعلي هذا التواصل –في البداية- في إطار النصيحة والموعظة؛ دون الغوص في الأمور الشخصية؛ حتى تستكشفي غرضها الحقيقي من إعادة التواصل. يمكنك أن ترسلي لها رسائل ومقاطع دعوية لتؤكدي على شكل العلاقة التي تريدينها.

 

فإن شعرتِ منها بصدق النية في التوبة والعودة، فمدِّي يد العون والمساعدة. أما إن رأيتِ أنها لا تزال متمسكة بمعاصيها، ولا تستجيب للنصيحة، فاجعلي علاقتك بها بعيدة ومحدودة جدًّا، واكتفي بالدعاء لها بظهر الغيب.

 

2- الدعاء: لها ولك، فالدعاء هو سلاح المؤمن. ادعي لها بالهداية والعودة إلى الحق، وادعي لنفسك بالثبات. فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

 

3- تمسكي بصحبتك الصالحة: لا تجعلي عودتها سببًا في انقطاعك عن صديقاتك الصالحات؛ بل اجعلي وجودهنَّ حولك حماية لك من الزلل، وكوني أنتِ القوية التي تأخذ بيدها، لا الضعيفة التي تنجرف معها.

 

أما عن سؤالك عن تجاهلك لها وأنه قد يكون تخليًا عن واجب النصيحة، فأرى –أختي الكريمة- أن تجاهلها تمامًا ليس حلًّا، وليس خيارًا جيدًا؛ بل الصحيح هو تقنين العلاقة معها. فواجب النصيحة له شروطه وأصوله. فإن كانت نصيحتك ستؤدي إلى ضرر أكبر عليك، أو لن يكون لها أثر إيجابي عليها، فإن الأَولى أن تتجنبيها. فإن القاعدة الشرعية تقول: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وقد قال النبي ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار» [رواه ابن ماجة].

 

إن الحفاظ على دينك ونفسك هو ضرورة شرعية، وهو من باب دفع الضرر عن النفس، وليس تخليًا عن واجب النصيحة. أنتِ لستِ مسؤولة عن هداية الناس؛ بل مسؤولة عن التبليغ والدعوة، والهداية هي بيد الله وحده.

 

وختامًا –أختي الفاضلة- أدعو الله أن ينوّر بصيرتك ويرشدك إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يجمعك بصديقتك على خير، وأن تكوني سببًا في عودتها إلى طريق الحق. وتابعينا بأخبارك.

الرابط المختصر :