Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 121
  • رقم الاستشارة : 1664
17/04/2025

السلام عليكم، أنا أكتب لكم وقلبي مليان تساؤلات، لأني بهالفترة أحاول أضبط نفسي وألتزم أكثر، بعد سنين كنت فيها متذبذبة، يوم مستقيمة ويوم أغلط، وأرجع ألوم نفسي، وأحاول من جديد.

كنت دوم أفكر إن الذنوب تنحصر في الجوارح، مثل اليد إذا بطشت، واللسان إذا تكلم بما لا يرضي الله، والعين إذا نظرت لشي مو زين، والفرج إذا زل، الله يحفظنا ويستُر علينا. بس من كم يوم سمعت أحد المشايخ يتكلم عن "معاصي القلوب"، وقال إنها أخطر من معاصي الجوارح!

هالكلام صدمني شوي، لأني مو متعودة أفتش قلبي بها الطريقة، وأحس إن القلب فيه خواطر ومشاعر تمر عليّ من غير ما أتحكم فيها، فشلون أقدر أميز شنو اللي يعتبر ذنب؟ وشلون أقدر أتوب من شي ما يشوفه أحد، ولا حتى أنا أعرف أحيانًا أوصفه؟

فودي أعرف: شنو المقصود بمعاصي القلوب؟ وليش تعتبر أخطر؟ وشلون نطيح فيها وإحنا حتى ما نحس؟ وإذا قلبي فيه شي من هالمعاصي، شلون أقدر أعالجه؟

أبي شرح يفتحلي باب الفهم والراحة.

الإجابة 17/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بكِ أيتها السائلة الكريمة، ونشكر لك هذه الرسالة التي حملت بين سطورها صدقًا، وحرقة قلب، وطلبًا للنجاة، وهذا في ذاته فضل من الله عظيم. فجزاكِ الله خير الجزاء على ثقتكِ بنا، ونسأل الله أن يفتح على قلبك فتوح العارفين، وأن يرزقكِ نفسًا مطمئنة، وشفاءً من كل حيرة وهم، وأن يريكِ الحق حقًّا ويرزقك اتباعه، ويصرف عنك الباطل وزيغ القلب، وبعد...

 

فاعلمي -أختي الكريمة- أن لحظة الصدق مع النفس، حين يقف العبد على باب ربه حائرًا متسائلًا: «هل أرضيتك أم أغضبتك؟ هل قلبي نقيٌّ أم مريض؟» هي من أعظم لحظات العُبودية، وأثمن مفاتيح الهداية. وإن القلب ليبلغ من رهافة الحس أن يخاف من نفسه، وهذا من علامات اليقظة والرحمة الإلهية.

 

رسالتكِ ليست فقط استشارة، بل شهادةُ حياةٍ جديدة يُنبتها الله في قلبك، فكوني مطمئنة، فما دمتِ تسألين، وتخافين، وتحبين الله وتريدين رضاه، فأبشري، فإن الله لا يُخيِّب قلبًا أقبل عليه صادقًا.

 

ما المقصود بـ «معاصي القلوب»؟

 

معاصي القلوب -أختي الكريمة- هي الذنوب التي تنشأ في الداخل، في بواطن النفس، في الخواطر والنيات والمقاصد والمشاعر، دون أن تظهر بالضرورة على الجوارح.

 

ولها أمثلة كثيرة، منها:

 

- الرياء: أن يعمل الإنسان عملًا ظاهرًا صالحًا، ولكن ليُنظر إليه من الناس.

 

- العُجب: أن يُعجب الإنسان بنفسه، ويزهو بطاعته.

 

- الكِبر: أن يرى نفسه أفضل من غيره، ويحتقر الناس.

 

- الحسد: أن يتمنى زوال النعمة عن غيره.

 

- الغل والحقد والبغضاء.

 

- سوء الظن بالمسلمين من غير بيِّنة.

 

- الأمن من مكر الله أو القنوط من رحمته.

 

- التكاسل عن الطاعة رغم معرفة فضلها، بدافع من ضعف الرغبة القلبية لا لظرف خارجي.

 

وكل هذه الذنوب، وإن كانت خفيَّة؛ لكنها خطيرة جدًّا؛ لأنها تعبِّر عن حال القلب الذي هو مركز القيادة للجسد كلِّه. قال رسول الله ﷺ: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ» [متفق عليه].

 

لماذا تعد معاصي القلوب أخطر من معاصي الجوارح؟

 

لأن القلب هو محلُّ نظر الله، لا الجوارح، قال ﷺ: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [رواه مسلم].

 

إن معاصي الجوارح يمكن أن يراها الناس فيذكِّروك بخطئك، فتخجل وتعود. أما معاصي القلوب، فإنها خفيَّة، تسري فيكِ دون أن يشعر بها أحد؛ بل ربما تُلبس ثوبَ الطاعة وهي من المعصية.

 

تخيّلي مثلًا: أحدهم يصلي قيام الليل؛ لكنه معجب بنفسه، أو يتفاخر بطاعته في المجالس. وثانٍ يتصدق؛ لكن ليُقال عنه إنه كريم، وثالث يحفظ القرآن؛ لكنه يحتقر من دونه. كل هذه طاعات عظيمة في ظاهرها؛ لكنها تصبح هباء منثورًا، وتُردُّ على صاحبها؛ بل وتضاف في ميزان سيئات العبد إذا شابتها معاصي القلب.

 

قال تعالى في ذمِّ من عملوا وهم يظنون أنهم محسنون: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: 103 و104].

 

ويقول النبي ﷺ في حديث يهز القلوب: «إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ» [رواه مسلم].

 

كيف نقع في معاصي القلوب دون أن نشعر؟

 

لأنها -بطبيعتها- خفيَّة، ولأن النفس تُزيِّنها، فتُلبسها ثوبًا من التبرير أو الغفلة: فالحسد يأتي في صورة «غيرة بريئة»، والرياء يأتي في صورة «حب التحفيز والمديح»، والكِبر يُسمى «ثقة بالنفس»، وسوء الظن يُسمى «فطنة وفراسة»، والعُجب يُسمى «وعي بقيمتي»!

 

فالقلب يكون مريضًا، والنفس تثني عليه وتُضلله، حتى يُهلك وهو يظن أنه سالم. وهنا تكمن الخطورة؛ لأنك لا تتوب من ذنب لا تعترف به، ولا تعترف بذنب لا تراه.

 

كيف أميزها؟ وكيف أتوب منها؟

 

1- المراجعة الدائمة للنفس والنية:

 

اجعلي عادتك أن تسألي نفسك بين حين وآخر: «لمن أفعل هذا؟ ما الذي يحرِّكني؟ بماذا أشعر حين أُمدَح؟ هل أحب الخير للناس كما أحبه لنفسي؟ هل أفرح بانكسار غيري؟

 

وهذه المجاهدة تُفتح لكِ بها فتوحات ربانية كثيرة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69].

 

2- ادفعي خواطركِ السيئة:

 

خواطر القلب لا نحاسب عليها؛ إلا إذا استرسلتِ معها ولم تدفعيها، ووافقتِ عليها ورضيتِ بها، فتصبح ذنبًا. قال رسول الله ﷺ: «إنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ لِأُمَّتي عَمَّا وسْوَسَتْ، أوْ حَدَّثَتْ به أنْفُسَها، ما لَمْ تَعْمَلْ به أوْ تَكَلَّمْ» [رواه البخاري].

 

فلا تحزني إن مرَّ في قلبك خاطر سوء؛ بل راقبيه، وادفعيه فورًا، وقولي: «اللهم طهِّر قلبي مما لا يرضيك».

 

3- الاستغفار المستمر:

 

الاستغفار يُجري في القلب نهرًا من الطهارة. فلا تنتظري ذنبًا ظاهرًا لتستغفري، بل اجعليه دَيدَنَك. فالنبي ﷺ نفسه يقول: «إنَّه لَيُغَانُ علَى قَلْبِي، وإنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَومِ مِائَةَ مَرَّةٍ» [رواه مسلم]. و«يُغان» أي يغشاه شيء يسير، مع أنه ﷺ المعصوم، فكيف بنا؟!

 

4-  الافتقار إلى الله والدعاء بتصفية القلب:

 

من أعظم الأدعية التي كان يدعو بها النبي ﷺ: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا» [رواه مسلم]، وكان ﷺ يكثر من دعاء: «يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ» [رواه الترمذي].

 

وختامًا -أيتها السائلة الكريمة- اعلمي أن معرفة العيب، والبكاء على الذنب، والبحث عن النقاء، هي علامات على حياة القلب. فلا تخافي من أن قلبك به شوائب؛ بل اخشي أن يُخدِّرك الشيطان فتظني نفسك بلا عيب؛ لأن القلب الذي يخاف يُرجى له الشفاء. والقلب الذي يغفل هو المريض الحقيقي.

 

اطمئني، فإنك إن صدقتِ في التوبة والمجاهدة، فإن الله –تعالى- وعد بوعد لا يُخلَف: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].

 

ويكفيكِ شرفًا أن الله يراكِ تسألين، وتريدين قربه، فمن كانت هذه بدايته، فحتمًا ستكون له نهاية مشرقة.

 

أسأل الله أن يطهِّر قلبكِ كما يُطهَّر الثوب الأبيض من الدنس، وأن يفتح لكِ من أنوار البصيرة ما يضيء لكِ الطريق، ويقرِّبكِ إليه.

الرابط المختصر :