الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
80 - رقم الاستشارة : 3274
13/11/2025
أنا أب لطفل عمره 6 سنوات، وأعترف أنني أحيانًا أصرخ عليه أو أستخدم العقاب القاسي عندما لا يستجيب لتعليماتي، خصوصًا عندما أكون مرهقًا أو فاقدًا للصبر.
قرأت مؤخرًا أن هذا الأسلوب قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل تعزيز السلوك السلبي، أو خلق شخصية تميل للنفاق، أو حتى إعاقة النمو الأخلاقي للطفل. كما فهمت أن الضرب قد يُرسخ لديه فكرة أن القوة تعني الحق في إيذاء الآخرين. أنا فعلاً قلق من تأثير هذه التصرفات على شخصية ابني ونموه النفسي والاجتماعي.
سؤالي: كيف يمكنني تعديل أسلوبي في التربية لأتجنب هذه النتائج السلبية؟ وما هي البدائل الفعالة للعقاب القاسي التي تساعد على تهذيب الطفل دون إيذائه نفسيًّا؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيها الأب الكريم،
أول ما أود أن أقوله لك: إن مجرد وعيك بخطورة الأسلوب القاسي واعترافك بالحاجة إلى التغيير، هو في حد ذاته خطوة ناضجة وشجاعة تُحسب لك، وتُعبِّر عن أب راشد وواعٍ تربويًّا. فالتربية ليست عصمة من الخطأ، بل هي رحلة تعلُّم مستمر، يسعى فيها المربي ليكون أكثر حكمةً ورحمةً واتزانًا.
استجابة الهروب
أولًا: من الجانب النفسي:
عندما يتعرّض الطفل للعقاب القاسي أو الصراخ، فإن الجهاز العصبي لديه يدخل في حالة من التهديد النفسي (Psychological Threat)، فينشط لديه ما يسمى بـ "استجابة الهروب أو المواجهة"، فيفقد القدرة على الاستيعاب أو التعلم، ويصبح تركيزه على النجاة لا على الفهم. هذا يعني أن العقاب القاسي لا يعلّم السلوك الصحيح، بل يعلّمه الخوف فقط.
الضبط الخارجي للسلوك
ثانيًا: من الناحية التربوية..
فإن العقاب العنيف يُحدث ما يُعرف في علم النفس التربوي بـ External Regulation أي الضبط الخارجي للسلوك، وهو يعني أن الطفل يتصرف بشكل مقبول فقط خوفًا من العقاب، لا اقتناعًا بالصح والخطأ؛ ما يعيق تكوين الضمير الداخلي الأخلاقي. وهنا يترسخ في وعيه أن "القوة تعني السيطرة"، لا أن "القيمة تعني الاحترام".
ولقد قال رسول الله ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله».. فالرفق ليس ضعفًا، بل أسلوب إصلاح عميق يُعيد بناء العلاقة على الأمان والثقة.
خطوات عملية لتعديل الأسلوب التربوي
ثالثًا: إليك خطوات عملية لتعديل الأسلوب التربوي:
1- إدارة الانفعال الذاتي أولًا..
قبل توجيه طفلك، درِّب نفسك على ما يسمى بـ Emotional Self-Regulation أي ضبط الذات الانفعالية.
فخذ نفسًا عميقًا، أو غادر الموقف للحظات عند اشتداد الغضب، حتى لا تتحول الانفعالات إلى أذى لفظي أو بدني، وتذكّر قول النبي ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
2- التمييز بين السلوك والشخص..
عاقب السلوك لا الطفل، فلا تقل مثلا: "أنت سيئ"، بل قل: "تصرفك هذا غير مقبول"، هذا يسمى في علم النفس Behavioral Labeling not Personal Labeling، أي توصيف الفعل لا الشخص، حتى لا يتكوَّن لديه إحساس بالدونية أو الخجل المرضي.
3- استخدام أسلوب العواقب الطبيعية والمنطقية..
أي بدلاً من العقاب البدني، استخدم Logical Consequences أي العواقب المنطقية للسلوك. مثلًا: إذا أهمل في ترتيب ألعابه، تُحجب عنه اللعبة المفضلة لبعض الوقت، دون صراخ أو تهديد. بذلك يتعلّم أن لكل فعل نتيجة، دون أن يتعرض للإيذاء النفسي.
4- التربية بالقدوة:
الأطفال يتعلمون أكثر مما يرونه منك لا مما يسمعونه منك؛ فكن نموذجًا في الهدوء وضبط النفس، فذلك يُنشئ لديه ما يسمى بـ Observational Learning أي التعلُّم بالملاحظة.
5- التعزيز الإيجابي (Positive Reinforcement):
امدحه حين يحسن التصرف، ولو بكلمة بسيطة مثل: "أعجبني هدوؤك الآن"، فالثناء يُقوّي السلوك المرغوب فيه ويشعره بالأمان النفسي.
6- احتضان العلاقة قبل تقويم السلوك..
عندما يشعر الطفل أن حبك له غير مشروط، يكون أكثر استعدادًا لتقبل التوجيه؛ لأن الأمان العاطفي يفتح قلبه قبل عقله.
عزيزي الأب، هناك أيضًا جانب ديني وإنساني في التربية.. قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾... فتأمل كيف جعل الله تعالى اللين والرحمة أساس القيادة والتأثير، فكيف بالتربية وهي أعمق وأدوم أثرًا من القيادة؟!
وعندما أذكر اللين هنا فلا أعني التهاون، بل العدل مع الرحمة، والحزم مع الرفق، وهو ما يسميه التربويون Authoritative Parenting Style أي النمط التربوي السلطوي المعتدل، الذي يجمع بين الوضوح في التوجيه والدفء في العلاقة.
أخيرًا أيها الأب الفاضل، طفلك في السادسة ما زال يُشكّل نواة شخصيته، وما زال أمامك مساحة واسعة لإعادة البناء النفسي والتربوي له.
ابدأ بالاعتذار إليه عند الخطأ، فهذا يعلّمه أن القوة الحقيقية في الاعتراف لا في العقاب. واحرص أن تكون بيئة البيت بيئة أمان وحوار لا خوف وصراخ؛ لأن الطفل الذي يُربَّى على الأمان، يُصبح راشدًا قادرًا على الحب والمسؤولية لا على التملق أو الخضوع.
* همسة أخيرة:
ليكن صوتك لابنك دواءً يعلّمه، لا ألمًا يُوجعه، فبالحب تُهذّب النفوس قبل السلوك.
بارك الله لك فيه وحفظكم جميعًا.
روابط ذات صلة:
أذهب إلى المدرسة للضرب لا للتعلم!!!
ابني مستفز جدًّا.. كيف أُعدِّل من سلوكه؟!