Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. موسى المزيدي
  • القسم : إدارية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 82
  • رقم الاستشارة : 1921
12/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، دكتور، بعد المراحل الستة التي تم ذكرها في تغيير العادات السيئة، ماذا بعد ذلك من مراحل مهمة؟ وهل هناك ما يختصر العادات العشر كلها؟

الإجابة 12/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بك أخي الفاضل على موقع استشارات المجتمع، وبعد:

 

فسنتحدث اليوم عن المراحل الأربعة الأخيرة من مراحل التغيير العشرة، وهي الانطلاقة والاستعانة، والمكأفاة، والديمومة، ثم نذكر حديثًا نبويًّا شريفًا يجمع المراحل العشرة كلها في تغيير العادات. ونبدأ بالمرحلة السابعة وهي الانطلاقة.

 

الانطلاقة

 

أخي الكريم، المرحلة السابعة من مراحل آلية التغيير هي مرحلة الانطلاقة، فبعد أن اتضح لديك الحل، وبعد أن قمت بإصرار للوصول إلى هذا الحل، وبعد أن اقتنعت بقدراتك وفاصلت الذين يعانون من العادات السيئة وتريثت تأتي الانطلاقة.

 

إذًا هنا تبدأ الانطلاقة الحقيقية، التنفيذ الفعلي، هنا تبدأ عملية اتخاذ القرار، انطلق بقوة وملؤك الأمل وملؤك التفاؤل لا تقلق لا تخف لا تخشَ لا ترهب النتائج؛ لأن علماء الغرب يقولون إن 90% من القلق والخوف هو وهمي، لا تقلق من المخاوف التي تحيط بك من كل جهة. انطلق بقوة، لا تُعر اهتمامًا لهذه الأمور التي تقلقك وتخيفك. إنها أمور وهمية، 90% منها لن يتحقق.

 

ثم أثناء هذه المرحلة دومًا عليك أن تهيئ نفسك بحيث تكون الانطلاقة انطلاقة صحيحة وسليمة، هيئ نفسك لهذه الانطلاقة، قيد خطوات الانطلاقة على ورق لأن الكتابة على ورق تعينك بقوة على تحقيقها. ثم نقول أثناء الانطلاقة عليك أن تحذر من تأثير البيئة، أنت الآن ابتعدت عن البيئة بيئتك السيئة ابتعدت عنها وبيئتك الحسنة محاطة بك.

 

إذًا أحطت نفسك بهذه البيئة الحسنة حتى تكون انطلاقتك قوية وتهيئ نفسك لهذه الانطلاقة. لا تُعر انتباهًا لليائسين ولا تجعل أصحاب المشاكل يثبطونك لأنهم كثيرون في هذه الحياة.

 

الاستعانة

 

أخي الكريم، نذهب بعد ذلك إلى المرحلة الثامنة وهي مرحلة الاستعانة. الاستعانة بأهل الاستعانة، الاستعانة بمن هو أهل للاستعانة، الاستعانة بالله سبحانه، الاستعانة بأهل التخصص، الاستعانة بأهل العلم. انطلق وأنت تشعر أن هناك من يساندك، أن هناك من يساعدك. استشعر معية الله سبحانه وتعالى، استشعار المعية هنا جزء لا يتجزأ من مراحلنا في التغيير وهي مرحلة غير موجودة عند الغرب بل هي موجودة عندنا ومؤكدة وقوية.

 

المكافأة

 

أخي الفاضل، ثم نتوجه بعد ذلك إلى المرحلة التاسعة. المرحلة التاسعة من مراحل التغيير، تغيير العادات وهي المكافأة. أيها الأخ، إذا وصلت إلى تغيير عادة سيئة تعاني منها، إذا وصلت إلى تطوير عادة حسنة ووصلت بها إلى أعلى مستوى لها فنقول عليك أن تكافئ نفسك.. فكيف يكافئ الإنسان نفسه؟ المكافأة نوعان:

 

- هناك مكافأة من الله سبحانه وتعالى بأن يعطيك الثواب والأجر جزاء ما بذلت من هذه الجهود في سبيله من أجل تغيير عاداتك السيئة واستعاضتها بعادات حسنة.

 

- ثم هناك الأجر الدنيوي، كافئ نفسك بأن تشتري لك كتابًا مفيدًا، كافئ نفسك بأن تسافر سفرة ممتعة، كافئ نفسك بأن تشاهد فيلمًا وثائقيًّا علميًّا رائعًا، كافئ نفسك بأن تذهب إلى أحد الشاليهات للاستجمام، كافئ نفسك بهذه الطرق، كافئ نفسك وهي مرحلة لا غنى عنها.

 

الديمومة

 

أخي الفاضل، ثم نأتي بعد ذلك إلى المرحلة الأخيرة وهي المرحلة العاشرة وهي مرحلة من أعظم المراحل، تكاد تكون أعظم مرحلة من مراحل التغيير وهي مرحلة الديمومة، مرحلة التمسك بالإنجاز، مرحلة التمسك بالعادة. أنت وصلت، فلا تفكر أن تعود إلى العادة السيئة السابقة، تحاشى العودة واحذر من العودة إلى العادة السيئة السابقة. احذر من الحبة المسمومة، الحبة المسمومة هي الحبة التي تعيدك إلى العادة السيئة السابقة.

 

إذًا لا بد من التمسك بهذه الإنجازات وهو أمر خطير جدًّا، وهو أمر فيه تحد للإنسان المسلم.. كيف أتمسك بهذه الإنجازات؟

 

عليه الصلاة والسلام يقول: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي"، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

 

إذًا قضية التمسك قضية خطيرة، والرسول عليه الصلاة والسلام يشير من خلال هذا الحديث إلى أهميته، وفي حديث آخر "عضوا عليها بالنواجذ"، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فلا بد أن يتمسك الإنسان بهذه الإنجازات وهذا هو التحدي.

 

أخي، تخيل على الدوم في لحظات من الخشوع والخلوة وفي لحظات من التأمل أنك قد وصلت إلى تغيير عاداتك السيئة واستبدلت بها عادات حسنة وأنك قد طورت من عاداتك الحسنة إلى أعلى مستوى لها، فإن التخيل أمر يعينك على أن تنجز وأن تصل إلى التغيير الأمثل.

 

حديث نبوي يختصر المراحل العشرة

 

أخي، حين كنت أتفحص كتاب رياض الصالحين وأقرأ بعض الأحاديث النبوية، أبحث من خلالها عن آلية التغيير كما يراها الإسلام وجدت حديثًا نبويًّا رائعًا يختصر المراحل العشرة التي ذكرتها في حديث لا تتجاوز أسطره عن عشرة أسطر.

 

هذا الحديث يعرفه كثير من الناس وألفوه لكن هل يصدق الجميع؟ وهل يعلم الجميع أن في هذا الحديث توجد آلية التغيير بمراحلها العشرة؟ وإلى نص الحديث:

 

عن أبي سعيد الخدري، أن نبي الله ﷺ قال: «كان فيمَن كان قبلكم رجلٌ قتَل تسعًا وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهبٍ، فأتاه، فقال: إنه قتل تسعًا وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتَلَه، فكمَّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجلٍ عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومَن يَحول بينه وبين التوبة؟ انطلِق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أُناسًا يعبدون الله، فاعبُد الله معهم، ولا ترجِع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوءٍ، فانطلَق حتى إذا نصَفَ الطريقَ أتاه الموت، فاختصَمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مُقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قطُّ، فأتاهم مَلَكٌ في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيَّتهما كان أدنى، فهو له، فقاسُوه فوجَدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبَضتْه ملائكة الرحمة» رواه مسلم.

 

يقول ﷺ "كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب"، انظروا معي هذا الرجل اقتنع بضرورة التوبة، عنده قناعة داخلية بأن العادة السيئة التي هو عليها وهي عادة القتل هي عادة سيئة بل هي عادة محرمة أراد أن يُقلع عنها وأن يبتعد عنها وأن يتوب إلى الله فسأل عن أعلم أهل الأرض.

 

إذًا المرحلة الأولى القناعة موجودة عندنا، ثم المرحلة الثانية السؤال، "فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال له أنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فهل له من توبة؟ فقال لا فقتله فأكمل به المئة".

 

لاحظوا أنه لم يتريث بل استعجل النتائج، هذا الشخص هذا الرجل عليه أن يتريث ثم يقول الحديث بعد ذلك: "فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على عالم".

 

إذًا عندنا مرحلة الإصرار, أصر على معرفة الحل، الحل الجذري لمشكلته وتغيير عادته فدل على عالم فذهب إليه فأتاه وقال له إنه قتل مئة نفس فهل له من توبة؟ فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. انظر معي "انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله".

 

إذًا انطلق، كأن يقول لهذا الرجل ابتعد عن بيئتك، فاصل أهل العادات السيئة، غادر المكان الذي أنت فيه، "انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله"، وهذه المرحلة التالية مجالسة الناس الصالحين، "انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم" إذًا جالسهم، جالسهم واختلط بهم، اختلط بهم لأنه سيصيبك شيء من عاداتهم الحسنة ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.

 

هذه المرحلة التي تكلمنا عنها التمسك بالعادة الحسنة بعد أن وصلت إلى التغيير وبعد أن غيرت ووصلت إلى التغيير وأصبحت ذا عادة حسنة، يقول هنا تمسك بها ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق، هذه المرحلة التالية الانطلاقة السليمة "فانطلق حتى إذا نصف الطريق يعني إذا انتصف الطريق مات فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب".

 

ملائكة الرحمة تقول هو لنا فقد خرج إلى تائبًا إلى الله، وملائكة العذاب تقول هو لنا لأنه لم يعمل خيرا قط، فبعث الله لهم ملكًا في صورة آدم فارتضوه حكمًا، فقال قيسوا بينه وبين الأرضين فإلى أيتها هي أدنى فهو له، فقاسوا بينه وبين الأرضين فوجدوه أقرب إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة.

 

لاحظوا هنا الاستعانة بالله، خرج من أرضه مستعينًا بالله مستشعرًا معية الله سبحانه وتعالى، الاستعانة بالله، فكافأه الله سبحانه وتعالى فأدخله الجنة، المكافأة. مراحل التغيير العشرة موجودة في هذا الحديث صدق رسول الله ﷺ.

 

أخي، هذه المراحل العشرة للتغيير، هي بين يديك فطبقها، فإن نجاح عملية التغيير تصل إلى نسبة كبيرة من وراء تطبيقها، والأمر يحتاج إلى جهد وصبر ونفس طويل؛ ففيه مشقة وألم، فانطلق واستعن بالله، وستجد حلاوة التغيير في النهاية.

الرابط المختصر :