الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقه الأسرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
200 - رقم الاستشارة : 3386
26/11/2025
أنا امرأةٌ كُتِب عليّ الفراق حيّةً وميتة. زوجي هجرني منذ سنوات طويلة… ترك البيت، ترك المسؤولية، تركني أنتظر بابًا لا يُفتح وصوتًا لا يعود. عشتُ عمري وحيدةً وأنا على ذمّته… لا طلاق، ولا نفقة، ولا كلمةُ وداع.
ومؤخرًا وصلني الخبر الذي هزّ قلبي: توفّي الرجل الذي هجرني! والآن أقف في مفترق طرق: هل عليّ عدّة وفاة رغم أنه تركني لسنوات بلا رجوع؟ أم أن الهجران الطويل يُسقط عني عدّة الزوجات؟ أرجو توجيهكم الشرعي… فقد أثقل الأمر قلبي، ولا أريد أن أقع في حرام ولا شبهة.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يخلف عليك ويعوضك خيرًا جزاء صبرك على محنتك، وقد نهى القرآن الكريم الأزواج أن يتركوا أزواجهن كالمعلقة؛ فلا هي زوجة لها حقوق الزوجة، ولا هي مطلقة تبحث عن زوج أخرها يعفها ويكفلها.
تبدأ العدة بعد وفاة الزوج
وفي مثل حالتك عليك أن تعتدي منذ أن علمت بوفاة زوجك أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة وليس من تاريخ هجرك، إلا أن يكون طلقك قبلها، وما دمت صبرت هذه الفترة الطويلة -وكان يمكنك طلب الطلاق للضرر– فأربعة أشهر وعشرة أيام ليست كثيرة، احتسبيها عند الله، ثم من حقك أن تتزوجي عس الله أن يبدلك ويعوضك خيرًا.
فعدة الوفاة منصوص عليها في القرآن الكريم وهي أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة إلا أن تكون المرأة حاملا فتكون عدتها بوضع الحمل، وهذا مستبعد في حالتك بسبب هذا الهجر الطويل.
يقول الله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234]
المتوفى عنها زوجها بين الإسلام والجاهلية
ويقول الأستاذ سيد قطب -رحمه الله - في الظلال في تفسير هذه الآية:
والمتوفى عنها زوجها كانت تلقى الكثير من العنت من الأهل وقرابة الزوج والمجتمع كله.. وعند العرب كانت إذا مات زوجها دخلت مكانًا رديئًا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبًا ولا شيئا مدة سنة، ثم تخرج فتقوم بعدة شعائر جاهلية سخيفة تتفق مع سخف الجاهلية، من أخذ بعرة وقذفها ومن ركوب دابة: حمار أو شاة... إلخ...
فلما جاء الإسلام خفف عنها هذا العنت، بل رفعه كله عن كاهلها؛ ولم يجمع عليها بين فقدان الزوج واضطهاد الأهل بعده.. وإغلاق السبيل في وجهها دون حياة شريفة، وحياة عائلية مطمئنة. جعل عدتها أربعة أشهر وعشر ليال - ما لم تكن حاملاً فعدتها عدة الحامل - وهي أطول قليلا من عدة المطلقة. تستبرئ فيها رحمها، ولا تجرح أهل الزوج في عواطفهم بخروجها لتوها. وفي أثناء هذه العدة تلبس ثيابا محتشمة ولا تتزين للخطاب.
فأما بعد هذه العدة فلا سبيل لأحد عليها. سواء من أهلها أو من أهل الزوج. ولها مطلق حريتها فيما تتخذه لنفسها من سلوك شريف في حدود المعروف من سنة الله وشريعته، فلها أن تأخذ زينتها المباحة للمسلمات، ولها أن تتلقى خطبة الخطاب، ولها أن تزوج نفسها ممن ترتضي. لا تقف في سبيلها عادة بالية، ولا كبرياء زائفة. وليس عليها من رقيب إلا الله: (والله بما تعملون خبير).
والله تعالى أعلى وأعلم.
روابط ذات صلة:
ما يحل للمرأة المعتدة عدة وفاة الزوج