الإستشارة - المستشار : د. موسى المزيدي
- القسم : إدارية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
24 - رقم الاستشارة : 2057
24/05/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، دكتور، ماذا بعد أن يكتشف الإنسان ذاته، ويدخل عالم الأمنيات، ويحدد أهدافه ويغير عاداته ويضاعف قدراته، ويحقق إنجازاته ويصل للتميز، فهل هناك من مرحلة أخرى؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا أخي الفاضل على موقع استشارات المجتمع، وبعد:
فإنه لتكون متميزًا عليك التمسك بالإنجازات، فهذه المرحلة من الضروري جدًّا أن نفهمها ونستوعبها لأنه ما فائدة كل المراحل السابقة؟ ما فائدة اكتشاف الذات؟ ما فائدة عالم الأمنيات؟ وما فائدة تحديد الأهداف والغايات؟ وما فائدة تغيير العادات؟ وما فائدة مضاعفة القدرات إن لم يتبعها التمسك بالإنجازات التي أنجزناها؟
التمسك بالإنجازات نفهمها من خلال طرح القصة التالية:
يحكى أن شابا صغيرا سأل سقراط الحكيم عن سر التميز وعن سر النجاح في الحياة فطلب منه سقراط أن يقابله قرب النهر في صبيحة اليوم التالي فلما التقيا طلب منه سقراط أن يتبعه تجاه النهر فدخلا فيه معا حتى وصل مستوى الماء إلى أعناقهما, هنا وبحركة فجائية انقض سقراط على الشاب وجعل رأسه تحت الماء وأمسك به بقوة والشاب يحاول جاهدا الخروج ليتنفس فلما ازرَق لون الشاب رفع سقراط يده عن الشاب فخرج الشاب ليتنفس.
ثم سأله سقراط ماذا كنت تريد بقوة حينما كنت تحت الماء؟ فأجاب الشاب قائلا: كنت أريد الهواء, فقال سقراط: هذا هو سر التميز حينما تريد التميز بقوة كما كنت تريد الهواء بقوة فإنك ستحصل عليه، ولا يوجد هناك سر آخر للتميز والنجاح في الحياة.
هكذا ينبغي أن نتمسك بالتميز كما نتمسك بالهواء الذي نستنشقه ولا حياة لنا من دونه. إذن التمسك بالإنجاز مرحلة مهمة وهي صعبة جدًّا.
كيف نتعامل مع التميز عند الوصول إليه؟ فلتعلم أخي أن الفشل يبدأ في حياتنا عندما نصل إلى التميز ونتفاخر به وننسى العمل المتواصل الذي بذلناه لكي نتميز.
هل تعلم أن بريق التميز يصيب النفس بالصدأ؟ يصاب الإنسان عند نجاحه بالعمى المفاجئ سواء أكان هذا النجاح والتميز على شكل مزيد من المال أم الاحترام أم التقدير؟ هل يعلم الجميع أن بريق التميز يجعل الناس يعاملونك بأسلوب مختلف، وعندها تحاط بمجموعة من الناس وهذا ما يعرف بالبطانة, يسمعونك ما تحب أن تسمعه دون أن يحرصوا على توجيهك فتبدأ تفقد الإحساس بنفسك.
هل تعلم أن بريق التميز قد يجعلك مغرورًا بنفسك؟ هل تعلم أن بريق التميز يجعلك تشعر أن لديك مناعة أبدية ضد الفشل وأنك قد وصلت لدرجة الكمال؟
هل تعلم أن بريق التميز يجعلك تقف عن العمل الجاد والمتواصل؟ هل تعلم أن بريق التميز خاضع لظروف خارج عن إرادتك في بعض الأحيان؟ وأخيرًا: هل تعلم أن بريق التميز حبة مسمومة لا تبتلعها؟
لكن اجعل من نفسك شخصًا غير عادي يبحث على الدوام عن طريق جديد للتميز.
أخي الكريم، اتبع الخطوات التالية للمحافظة على التميز الذي توصلت إليه:
1- استمر في العمل دون توقف.
2- ضع لنفسك حلمًا كبيرًا وأمنية كبيرة تؤمن بتحقيقها.
3- حدد لنفسك أهدافًا من وحي أمنياتك الكبيرة.
4- استمر في الإبداع والابتكار من أجل الأفضل.
5- ضع نصب عينك أنه إذا لم تتحسن فغيرك يتحسن.
6- احرص على التميز وتمسك به فإنه هدف الأذكياء والشخصيات القوية.
7- عش على الدوام في جو تنافسي ولا تقلل من شأن جهودك في التنافس، ثم عاهد نفسك على التطوير المستمر ولا تركن لبريق التميز، وأن تكون أكثر تميزًا مع مرور الوقت.
أخي الكريم، هناك بعض النصائح لا بد أن نذكرها كلها تصب في التمسك بالتميز. هي آلية معينة, آلية لا بد أن ندركها, آلية لا بد أن نعيشها حتى نتمسك بالإنجازات وحتى نتمسك بالتميز الذي وصلنا إليه.
يمكن للإنسان أن يتمسك بالإنجازات وأن يجعلها في حالة مستمرة إذا اعتقد في قراره نفسه أن أمر التمسك بالإنجازات مهم. إذن هي قضية نفسية موجودة داخل الإنسان أن يعتقد في قراره نفسه أن التمسك بالإنجازات مهم، وأحذرك من الحبة المسمومة، لا تبتلع الحبة المسمومة التي هي نسيان الإنجازات ونسيان التميز الذي توصلت إليه.
ثم التفرغ, التفرغ يعين الإنسان على التمسك بالإنجازات. كان من عمل أهل المدينة أنه إذا بلغ أحدهم الأربعين من عمره يتفرغ للعبادة للتمسك بالإنجازات في مجال العبادة. ولا شك أن من أراد أن يتمسك ببعض الإنجازات التي توصل إليها في حياته الدنيا عليه أن يُبعد كل مشتتات التركيز, عليه أن يركز وينطلق, عليه أن يركز على الجهد الذي بذله في الوصول إلى هذا التميز.
وعلينا ألا ننسى أن مرحلة الطفولة مهمة, إذا فاتنا هذا الأمر فالأمر بين أيدينا لتربية أطفالنا على التمسك بالإنجازات، هذا مفهوم إذا ربينا الطفل عليه كبر وهو واضح في ذهنه فإنه يستطيع أن يتمسك بإنجازاته حينما يكبر. معروف أن الطفل متفرغ, ليس مشغولا بأمور الدنيا, وأنه مهيأ لغرس هذا المفهوم في ذهنه فلنستفد من التفرغ الموجود عند الطفل ونغرس هذا المفهوم حتى يستفيد منه حينما يكبر وينجز.
وكذلك البيئة المحيطة بنا, فهي سلاح ذو حدين إما أن تنسينا التميز وبالتالي نبتلع الحبة المسمومة أو تدفعنا دفعا نحو التميز.
ثم المتابعة، متابعة الأصدقاء متابعة الزوج لزوجته، ومتابعة الزوجة لزوجها نحو التمسك بالإنجازات أمر ضروري, قد تكون المتابعة بتقنيات موجودة بين أيدينا, المفكرة الإلكترونية والمنبه الذي بداخلها نستفيد من هذه التقنية لتذكيرنا بالأعمال التي ينبغي أن نؤديها ونتمسك بها.
هل تعلم أن هناك موقعًا على شبكة الإنترنت عنوانه www.eorganizer.com الهدف منه هو تذكير الإنسان بإنجازاته والأهداف التي ينبغي أن يتمسك بها وأن ينجزها Organizer اختصار لـElectronic organizer يعني المنظم الإلكتروني. ممكن نستفيد من هذه التقنية في التمسك بإنجازاتنا.
وألا ننسى فائدة التكرار؛ فتكرار الأمر يوما بعد يوم يجعلنا نتمسك بالإنجازات. كان يحمل راية التكرار في أمريكا في فترة ما (زق زقلار) المعروف بسفير أمريكا في تحفيز الناس، زق زقلار يرفع شعارا مفاده Repetition is the mother of learning, the father of action and the architect of success يعني الإعادة هي أُم التعلم, أبو التعلم، الإعادة هي مصمم النجاح في هذه الحياة, الإعادة مفيدة جدًّا وكما نقول باللغة المحلية في الإعادة إفادة والتكرار يعلم الشطار.
زق زقلار المعروف في أمريكا بتحفيز الناس له مقاطع صوتية كثيرة، يحكى أن بعض الناس استمع إليها 300 مرة أو 500 مرة يسمع ويعيد ويكرر وذلك من أجل المحافظة على إنجازاته والتمسك بتميزه.
أخي الفاضل، يجب ألا ننسى كذلك تأثير التخيل. تخيل أنك قد تمسكت بإنجازاتك، لحظات من الاسترخاء تجلس فيها مع نفسك وتتخيل أنك قد حققت إنجازاتك, تخيل أن الناس يهتفون خارج منزلك يهتفون بالتصفيق والهتافات والشعارات, يهتفون لك بالنجاح في التمسك بأهدافك وإنجازاتك ويهتفون لك بالنجاح في تميزك في هذه الحياة. تخيل هذا فإنه أمر يعينك على التمسك بالإنجازات.
ثم التدوين لا غنى عنه. كتابة الإنجازات يعينك على التمسك بها, كتابة الأهداف يعينك على الاستمرار في تحقيقها. فالكتابة لها سحر عجيب في التمسك بالإنجازات. يكفينا الأثر الذي يقوله علماؤنا قيدوا العلم بالكتابة, وكذلك يكفينا هنا المقولة باللغة الإنجليزية Ink what you think الأفكار التي تفكر بها ينبغي أن تقيد وتكتب.
ثم بعد ذلك نأتي إلى الحوار مع النفس. حاور نفسك, كن في مناجاة مع نفسك, ذكر نفسك قبل أن تنام كل ليلة بإنجازاتك وضرورة التمسك بها في الأيام التالية.
وعليك ألا تنسى بعد ذلك سيرة الرسول ﷺ في التمسك بالإنجازات وبعض الآثار الرائعة من خلال أحاديثه النبوية عليه الصلاة والسلام (تركت فيكم ما إن تمسكتم به)، وفي حديث آخر (عضوا عليها بالنواجذ)؛ فسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام تدفعنا دفعًا نحو التمسك بالإنجازات.
ثم بعد ذلك مجالسة الصالحين, مجالسة من تفنن في التمسك بالتميز, المتميزين الذين استمروا على تميزهم في الحياة، نجالسهم ونلاحقهم حتى نأخذ شيئا من عاداتهم الحسنة في التمسك بالإنجازات.
ثم قبل ذلك كله وبعده الإلحاح، كن لحوحا في التمسك بإنجازاتك وتميزك ترى نفسك قد تمسكت بكل أمر توصلت إليه بكل هدف حققته.
وختاما، مرحلة التمسك بالإنجازات ضرورية ليظل الإنسان دائمًا على طريق التميز، ويحافظ على ما بذله من مجهود في مراحل سابقة، التمسك بالإنجازات كالهواء الذي لا غنى عنه أبدًا حتى نتنفس ونعيش.