الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : قضايا إنسانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
190 - رقم الاستشارة : 3122
29/10/2025
لماذا انتشر الاقتناع بالتنجيم في الفترة الأخيرة، وخروج توقعاته بأنه في انتشار وتوسع وتخصص له الكثير من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي وأماكن ثابتة في كثير من الصحف، ولماذا عاد العقل الإنساني إلى قناعات أسطورية وخرافية كانت تؤثر على الإنسان في قرون سابقة؟
أخي الكريم، اقتناع أعداد من الناس بالتنجيم والإيمان بصدق مقولاته هو أمر يضاد العقيدة الإسلامية؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى. أما التنجيم فهو علم زائف وأكاذيب لا يصدقها إلا العقل الفارغ من الفكر والقلب الخاوي من الإيمان. والتنجيم يختلف عن علم الفلك الذي يعد من العلوم الأساسية في الحياة الإنسانية، وعلم الفلك يهتم بدراسة السماء وما فيها من نجوم وكواكب والشمس والقمر والمناخ.
ما زال التنجيم موجودًا
التنجيم "علم زائف" حيث يُخصَّص لكل شخص برجٌ فلكي خاصٌّ به بناءً على تاريخ ميلاده، والأبراج مسارات تدور فيها حركة الشمس والقمر والكواكب، وتنقسم الأبراج إلى (12) برجًا، يُمثِّل كلٌّ منها شهرًا.
يقول الفيلسوف الإنجليزي "برتراند راسل" في كتابه "حكمة الغرب" الصادر 1959م: إنه "على الرغم من أن حركة النهضة قد حررت الناس من جمود الكنيسة وتصلب معتقداتها، فإنها لم تنقذهم من مختلف ضروب الخرافة القديمة، فقد اكتسب التنجيم، الذي كانت الكنيسة تحاربه دائمًا، شعبية واسعة، وانتقلت عدواه من الجهلة إلى المتعلمين أيضًا".
ويبدو أن ملاحظة "راسل" صحيحة وما زالت مستمرة حتى وقتنا الراهن في ذلك العصر الرقمي، فتشير إحصاءات إلى أن هناك ما يقرب من (4.5) مليون فيديو عن التنجيم على مواقع التواصل الاجتماعي، وصممت تلك الفيديوهات لتخاطب مخاوف الناس خاصة الشباب، وحاجتهم المفتقدة إلى اليقين والطمأنينة في عالم يتسم بالسرعة والاضطراب والفوضى.
لكن فيديوهات التنجيم على تفاهتها وضلال محتواها تجذب انتباه الكثيرين، وتشير إحصاءات إلى أن تطبيق (Co-Star) وهو تطبيق في التنجيم، يزعم أنه يستطيع أن يحل لغز الكثير من العلاقات الإنسانية، هذا التطبيق حظي بـ(30) مليون مستخدم عام 2023م، وتشير تقارير إلى أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا ويتوقع أن يصل الإنفاق على الأغراض المتعلقة بالتنجيم إلى (22.8) مليار دولار عام 2031م، وجزء كبير من هذا الإنفاق يذهب إلى استشارات حول العلاقات الإنسانية مثل التوافق والانسجام في العلاقات العاطفية.
لماذا اللجوء للتنجيم؟
في تقرير نشرته صحيفة "الإندبنديت" مطلع العام 2025م، تحدث عن لجوء كثير من الشباب إلى التنجيم، وأرجعت السبب إلى اضطراب العالم سياسيًّا واقتصاديًّا، وفي ظل هذا الإحباط فإن كثيرًا من الثروات أصبحت في أيدي قلة قليلة، وبعضهم ليس قدوات جيدة، وآخرون منهم من ذوي الإنفاق الاستفزازي الترفي، وبعضهم يوصف بأنه من أسوأ الشخصيات، هذا ولّد قناعة بأن هناك قوة أخرى تتحكم في الأمور، ومن ثم يصبح من الضروري فهم منطقها أو التعرف على توجهها وإرادتها في الأمور، ورأى هؤلاء أن التنجيم قد يوفر هذه المعرفة لاتخاذ القرارات بثقة وطمأنينة.
أما لماذا يلجأ هؤلاء إلى التنجيم وليس إلى الدين لتحقيق الطمأنينة، ربما لأن التنجيم لا يفرض على الشخص أي أوامر ونواه أو يلزمه بشعائر معينة على خلاف الدين الذي له قائمة من الأوامر والنواهي والضوابط والشعائر، ولذا فاللجوء للتنجيم أقل كلفة في الالتزام الأخلاقي والسلوكي.
أضف إلى ذلك أن تفشي روح الفردانية والذاتية في الإنسان المعاصر، جعلته يجد في التنجيم ضالته، فهو يمنحه الخلاص الفردي والطمأنينة الفردية بعيدًا عن الروح الجماعية والتضامن بين الأفراد الذي تحث عليه الأديان، فالتنجيم لا يدفع إلى الاندماج مع مجتمعك وبيئتك، ولكن يغريك بأنه سيعطيك معلومة خفية تساهم في حمايتك أو حصولك على ما تريد.
يذهب علم النفس إلى أن اقتناع وربما اعتقاد بعض الأشخاص في التنجيم يعود إلى رغبتهم في شيء يزرع الأمل في أنفسهم ويمنحهم شعورًا بالأمان والطمأنينة؛ فمثلا الأبراج، التي تعتبر بابًا ثابتًا في كثير من الصحف، تحدث الناس عن التوقعات القادمة مدعية ارتباط المصائر الإنسانية والكونية بحركة النجوم، ويقدم هؤلاء المنجمون توقعات لمئات الآلاف من الناس اعتمادًا على تاريخ ميلادهم وما يرتبط بذلك من علاقة مع النجوم والكواكب، لكن الأغرب أن الكثير ممن يهتم بطالعة الأبراج لا يصدقها، لكنه يشعر باحتياج نفسي لقراءتها واستطلاع ما تقول.
التنجيم آلية للتكيف مع التوتر وعدم اليقين، ويقنع الناس بأن رؤيتهم للحياة وتوقعاتهم صائبة إلى حد ما، كما أن التنجيم يسمح للشخص بأن ينظر إلى نفسه كجزء من الكون من خلال ربط مصائره بحركة النجوم والكواكب، وهو ما يمنحهم توهمًا بأنهم أوجدوا معنى لحياتهم ومستقبلهم.
روابط ذات صلة: