Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 55
  • رقم الاستشارة : 1456
30/03/2025

مع قدوم عيد الفطر، كيف يمكن أن يكون الفرح في العيد عبادةً نتقرَّب بها إلى الله، وليس مجرد عادة اجتماعية أو طقس موروث؟ أحيانًا أشعر أن فرحة العيد تقتصر على المظاهر والاحتفالات دون استشعار البعد التعبُّدي فيها.

فكيف أستطيع أن أعيش فرحة العيد بروح إيمانية تجعلها قربةً إلى الله؟

وهل هناك أعمال معينة تعينني على ذلك؟

بارك الله فيكم.

الإجابة 30/03/2025

أهلًا وسهلًا بك أخي الكريم، وبارك الله فيك على سؤالك القيم الذي يعكس وعيك العميق برمزية العيد في الإسلام ورغبتك الصادقة في جعله محطةً إيمانيةً تُقرِّبك إلى الله. نسأل الله أن يرزقك سعادةً تغمر قلبك، وأن يجعل عيدك مليئًا بالفرح الذي يحبه ويرضاه، وأن يتقبل منك صيامك وقيامك وسائر أعمالك الصالحة، وبعد...

 

فإن عيد الفطر ليس مجرد يوم احتفالي، بل هو يوم الجائزة التي يمنحها الله لعباده بعد شهرٍ كاملٍ من الصيام والقيام، وهو فرحةٌ تُتوِّجُ عبادةً عظيمةً، وليس مجرد عادةٍ اجتماعية. فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: قدِم النبي ﷺ المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى» [رواه أبو داود والنسائي].

 

فالعيد عبادةٌ في ذاته، وليس مجرد عادةٍ موروثة، ومن هنا تأتي أهميته الكبرى في حياة المسلم؛ إذ إنه يوم فرحٍ مشروع؛ لكنه فرحٌ منضبطٌ بضوابط الشرع، مفعمٌ بالمعاني الروحانية.

 

ولكن كيف يمكن أن نجعل فرحة عيد الفطر عبادةً نتقرب بها إلى الله، وليس مجرد احتفالٍ تقليدي؟

 

1- الفرح بتمام نعمة الصيام:

 

العيد في الإسلام هو فرحةٌ بإتمام الطاعة، فقد قال الله تعالى بعد آيات الصيام: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].

 

فالفرح في عيد الفطر ليس فرحًا فارغًا، بل هو فرحٌ بفضل الله وهدايته، وفرحٌ بشكر الله على أن وفقنا للصيام والقيام والطاعات.

 

2- الفرح بقبول العمل الصالح:

 

المؤمن حقًّا يفرح برجاء قبول صيامه وقيامه، وقد كان السلف الصالح يجتهدون في رمضان، ثم يسألون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقد قيل في معنى قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: 58] إن فضل الله هو الإسلام، ورحمته هي القرآن، فمن رزقه الله الصيام والقيام والقرآن، كان له الحق في أن يفرح يوم العيد بهذا الفضل العظيم.

 

3- الفرح باتباع سنة النبي ﷺ:

 

العيد شعيرةٌ إسلاميةٌ، وإحياؤه وفق السنة عبادةٌ، ومن ذلك:

 

- التكبير من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى صلاة العيد، كما قال تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185].

 

- الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب، فقد ثبت أن النبي ﷺ كان يفعل ذلك يوم العيد.

 

- أداء صلاة العيد جماعةً، فهي سنة مؤكدة.

 

- الذهاب إلى المصلَّى من طريقٍ والعودة من طريقٍ آخر، وهي سنةٌ ثبتت عن النبي ﷺ.

 

- الإفطار على تمرات قبل صلاة العيد، كما كان يفعل النبي ﷺ.

 

- صلة الرحم والتوسعة على الأهل والتصدق على الفقراء، فهي من أعظم القربات.

 

كيف نعيش فرحة عيد الفطر بروح إيمانية؟

 

1- جعل العيد شكرًا لله لا فرحًا بالمظاهر فقط:

 

إن شكر الله على نعمة إتمام الصيام هو جوهر العيد، فمن تعلم ضبط النفس في رمضان، وجعل العيد استمرارًا لهذا التهذيب، فقد جعل فرحه بالعيد عبادةً.

 

2- إدخال السرور على المسلمين:

 

قال النبي ﷺ: «أحبُّ الأعمال إلى الله: سرورٌ تُدخِله على مسلم» [رواه الطبراني]، ومن طرق تحقيق ذلك:

 

- التهنئة بقول: «تقبَّل الله منا ومنكم».

 

- زيارة الأرحام والتواصل مع الأهل، فقد قال ﷺ: «من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه» [متفق عليه].

 

- التوسعة على الأهل والأبناء وإسعادهم بالهدايا واللعب المباح.

 

- إعانة الفقراء والمساكين بالزكاة والصدقة، ليشعر الجميع بفرحة العيد.

 

3- عدم تحويل العيد إلى مجرد احتفالٍ مادي:

 

فبعض الناس ينشغلون بالمظاهر الاحتفالية في العيد وينسون روحانيته، ومن الأخطاء الشائعة التي ينبغي تجنبها:

 

- الانشغال بالمظاهر واللباس دون استحضار البعد التعبُّدي.

 

- التفريط في صلاة العيد أو التكبير.

 

- السهر الزائد ليلة العيد مما يؤدي إلى الكسل عن الطاعات.

 

- الإسراف والتبذير في المأكل والمشرب والملابس.

 

4- استمرار روح رمضان بعد العيد:

 

العيد لا يعني نهاية الطاعة؛ بل هو انطلاقةٌ جديدةٌ للاستمرار في الخير، ومن ذلك:

 

- صيام ستة أيام من شوال، فقد قال النبي ﷺ: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» [رواه مسلم].

 

- الاستمرار على قراءة القرآن وعدم هجره بعد رمضان.

 

- المحافظة على قيام الليل ولو بركعاتٍ قليلة.

 

- الاستمرار في الصدقة والتواصل مع الأرحام.

 

وختامًا -أخي الكريم- عيد الفطر ليس مجرد مناسبةٍ احتفاليةٍ عابرة؛ بل هو محطةٌ إيمانيةٌ عظيمةٌ تُذكّرنا بنعمة الطاعة، وتمنحنا فرصةً جديدةً لمواصلة السير إلى الله. فمن استشعر معاني العيد، وجعل فرحته به فرحةً بالعبادة، كان عيده عبادةً حقيقيةً، يرضى الله بها عنه.

 

نسأل الله أن يجعل عيدك عيد طاعةٍ وبركة، وأن يرزقك فرحةً عامرةً بطاعته، وأن يكتب لك القبول والمغفرة، ويجعل العيد فاتحة خيرٍ لك في الدنيا والآخرة. كل عام وأنت إلى الله أقرب، وعيدك مبارك!

الرابط المختصر :