Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 200
  • رقم الاستشارة : 1447
27/03/2025

أنا شاب عمري 26 سنة، والحمد لله هالسنة برمضان حسّيت بتغيير كبير في حياتي، اجتهدت بالعبادة قد ما أقدر، التزمت بالصلاة بوقتها، وكنت أقرأ القرآن بشكل منتظم، وحاولت أبتعد عن العادات اللي كنت أسويها قبل، سواء كانت سيئة أو مضيعة للوقت.

حسّيت براحة نفسية وسكينة ما مرت عليّ من قبل، لكن الحين عندي خوف شديد إني بعد رمضان أضعف وأرجع لنفس العادات القديمة. شلون أقدر أستمر على الطاعة بعد رمضان؟ وشلون أثبّت نفسي وما أرجع ورا؟ عطوني نصايح عملية تساعدني أظل ثابت.

الإجابة 27/03/2025

أهلًا وسهلًا بك ولدي الكريم، وشكرًا لك على تواصلك معنا، ونسأل الله أن يجزيك خيرًا على حرصك على الثبات في طريق الطاعة. إن مجرد إحساسك بالخوف من التراجع بعد رمضان هو علامة على حياة قلبك، ودليل على أنك قد تذوقت حلاوة القرب من الله، وهذا فضل عظيم، فأسأل الله أن يديمه عليك، وأن يزيدك هدىً وثباتًا، ويرزقك الاستقامة، ويثبتك على طاعته، وأن يجعل رمضان نقطة تحول حقيقية في حياتك، وبعد...

 

فإن رمضان مدرسة إيمانية عظيمة، ودورة تدريبية مكثفة، يتربى فيها المسلم على الطاعة، ويذوق فيها حلاوة الإيمان، ويتقرب إلى الله بأنواع العبادات. ولكن الامتحان الحقيقي يبدأ بعد رمضان. وقد قال بعض السلف: «كن ربانيًّا، ولا تكن رمضانيًّا»، أي لا تجعل عبادتك مرتبطة بزمن معين، بل اجعلها أسلوب حياة.

 

فمن كان لا يعبد الله إلا في رمضان فإن رمضان شهر يولي وينقضي، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. الله يُعبد في كل الشهور، وطريق الجنة لا يتوقف بانتهاء رمضان، بل يستمر حتى نلقى الله، كما قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99].

 

فكيف نحافظ على الطاعة بعد رمضان؟ وكيف نثبت على هذا الطريق المبارك؟

 

إليك بعض الوسائل العملية:

 

1- المحافظة على الصلاة في وقتها:

 

فالصلاة هي عمود الدين، وهي صلتك بالله، فكما كنت تحرص عليها في رمضان، حافظ عليها بعده، وخصوصًا صلاة الفجر، فهي مقياس الإيمان، وقد قال النبي ﷺ: «من صلّى البردين دخل الجنة» [متفق عليه]، والبردان هما الفجر والعصر.

 

والصلاة ليست مجرد عبادة؛ بل هي سبب رئيسي للحفاظ على استقامتك، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]. فلا تفرّط فيها أبدًا، بل اجعلها أول أولوياتك.

 

2- المداومة على قيام الليل:

 

لا تدع قيام الليل يختفي من حياتك بعد رمضان، فقد كنت تجتهد فيه خلال الشهر الكريم، فحاول أن تستمر عليه ولو بركعتين خفيفتين قبل النوم، وأن توتر قبل أن تنام، أو أن تستيقظ قبل الفجر بدقائق لتصلي، فستجد بركة عظيمة في يومك وحياتك، وتذكّر قول الله تعالى عن المتقين: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [السجدة: 16]. وقال النبي ﷺ: «عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم» [رواه الترمذي].

 

3- الصحبة الصالحة:

 

أحد أهم أسباب الثبات بعد رمضان هو أن تحيط نفسك بأشخاص يعينونك على الخير، ويذكّرونك بالله. فالصحبة الصالحة تحفزك على الطاعة، وتمنعك من الانزلاق إلى العادات السيئة. وقد أمر الله بملازمة أهل الصلاح، فقال: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 28]، وقال النبي ﷺ: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» [رواه أبو داود والترمذي].

 

فابحث عن أصدقاء صالحين، وانضم لحلقات تحفيظ القرآن، واحضر الدروس الإيمانية والعلمية، وابتعد عن المجالس التي تضعف إيمانك، وتأخذك بعيدًا عن الله.

 

4- لا تهجر القرآن:

 

القرآن هو غذاء الروح، وهو الحبل المتين الذي يربطك بالله، فاحرص على أن يكون لك ورد يومي منه، ولو صفحة واحدة. فقد قال النبي ﷺ: «اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة» [رواه مسلم].

 

فإذا كنت لا تستطيع قراءة جزء كامل أو أكثر، كما كنت في رمضان، فلا تتركه تمامًا؛ بل اجعل لك نصيبًا يوميًّا ولو قليلًا؛ لأن الاستمرار هو المفتاح.

 

5- صيام النوافل:

 

لا تتوقف عن الصيام بعد رمضان، بل واصل صيام النوافل، وخاصة ستة أيام من شوال، فقد قال النبي ﷺ: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر» [رواه مسلم].

 

وكذلك حاول أن تصوم يومي الاثنين والخميس، أو الأيام البيض (13 و14 و15 من كل شهر هجري)، فهي سنة نبوية وتساعدك على ضبط النفس والاستقامة.

 

6- الدعاء بالثبات:

 

الثبات على الطاعة لا يكون إلا بتوفيق من الله، فاستعن به –سبحانه- بالدعاء، وأكثر من قول: «يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك» [رواه الترمذي]. فإذا كنت صادقًا في طلب الثبات، واجتهدت فيه، فسيعينك الله، فقد وعد بذلك في قوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

 

7- تجنَّب الفراغ:

 

الفراغ من أكبر أسباب الانتكاس، فاملأ وقت فراغك بما ينفعك، سواء بقراءة كتب مفيدة، أو حضور دروس علمية، أو ممارسة الرياضة، أو التطوع في أعمال الخير، فهذا سيحميك من العودة للعادات القديمة.

 

8- لا تتوقع المثالية:

 

من الطبيعي أن يكون هناك فرق بين عبادتك في رمضان وبعده، فلا تتوقع أن تبقى بالقوة نفسها، ولكن استمر ولو بالقليل، فقد قال النبي ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» [رواه البخاري].

 

ولا تحزن إن وجدت نفسك تفتر أحيانًا، فكل إنسان يمر بفترات نشاط وفتور، كما قال النبي ﷺ: «إن لكل عمل شِرّة، ولكل شِرّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك» [رواه أحمد]. المهم ألا تترك الطاعة نهائيًّا، بل حافظ على الحد الأدنى حال فتورك، واستمر.

 

وختامًا -ولدي العزيز- لقد فتحت أبوابًا من أبواب الجنة في رمضان، فلا تغلقها بعده، واثبت على الطاعات، فالله يحب العبد الذي يستمر في القرب منه. وتأمل هذا الوعد العظيم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30].

 

نسأل الله أن يثبتك على طاعته، وأن يجعل رمضان نقطة تحول حقيقية في حياتك، وأن يرزقك الاستقامة حتى تلقاه وهو راضٍ عنك. آمين.

الرابط المختصر :