الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
350 - رقم الاستشارة : 790
24/01/2025
هناك سؤال أود أن تتكرم وتجيبوني عليه، لماذا الذي يبذل الخير في الدنيا من غير المسلمين سيذهب إلى النار، مع أنه ساعد الكثير من الناس والأطفال وساهم في الكثير من الأعمال الخيرية وجزاء كل ذلك سيدخل النار؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ السائل الكريم:
أحييك ابتداءً على تواصلكم الكريم مع بوابة الاستشارات بمجلة المجتمع، وأسأل الله تعالى لنا ولكم صلاح الحال والمآل، وأما ما سألت عنه فهي مسألة لا يخفى عليك يعتريها الكثير والكثير من القلاقل والتخرّصات الغريبة التي يصرّ البعض على الترويج بها حول هذه القضية، مع وضوحها البارز في عقيدتنا كمسلمين. كما أنّ هذا السؤال يعكس قضية عميقة في الفكر الإسلامي ويحتاج إلى فهم متكامل لأصول الإيمان وقواعد الجزاء في الإسلام.
لكن دعني حتى أُجيبك على هذا السؤال في نقاط محددة؛ خاصة أنّ الذي يسأل هذا السؤال غالبًا، إمّا صاحب شفقة وحب للبشرية يطلب لهم الخير ويكره لهم السوء والشر، لكن يغيب عنه اعتقادات دينية لا بد من مصارحته بها، أو حاقد يريد أن يروّج عن الله تعالى شبهات زائفة، مفادها اتهام الله بالظلم، مع جُرم نيّته في هذا الإطار، والغالب فيمن يريد جوابًا على هذا السؤال أن يتم الرد عليه عقليًّا ثم دينيًّا بعد ذلك، مع عدم تعارض العقل مع النقل في هذا الباب.
أولاً: هناك شروط عند كل صاحب اعتقاد لدخول الجنّة، ولذا إذا سألنا غير المسلم، هل المسلم يمكن أن يدخل الجنة عندك؟ سيجيب -إن كان صادقًا ومتيقنًا بما عنده- سيقول: (لا)... وعلى هذا فإنه لا يُعاب على صاحب اعتقاد أن يؤمن بما يؤمن به في دينه، وليس من حق أحد أن ينكر على غيره ذلك، إلا إذا تحوّل هذا الاعتقاد -بكُفر مخالفه في الدين- إلى سلوك إجرامي عنيف، ومن هنا يجب محاسبته قانونًا، فضلا عن جُرمه وإثمه الكبير عند الله تعالى.
ثانيًا: أما مسألة الحكم بالنار من عدمه: فتلك قضية عقديّة ترتبط بمرجعيّة واضحة، وهي القرآن والسنة، وأما الأعمال الخيرية، فلا شكّ أن سيُثاب عليها في الدنيا، وقد يكون له مثل ذلك في الآخرة، كما ثبت في بعض الروايات، التي عبّرت عن تعويض القائمين بالخير في الدنيا بشيء يوم القيامة، لكن ما هو؟ هو في علم الله.
ثالثًا: الأساس في قبول العمل عند الله: هو الإيمان به سبحانه، ففي الإسلام، العمل الصالح وحده لا يكفي للنجاة يوم القيامة، بل لا بد أن يُبنى على أساس الإيمان بالله وتوحيده. يقول الله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، كما أنّ العمل الصالح له قيمة عظيمة، ولكن شرط قبوله أن يكون في إطار الإيمان بالله.
رابعًا: الجزاء في الدنيا والآخرة: اعلم بأن الله سبحانه وتعالى عادل في حكمه ولا يظلم أحدًا. من عمل خيرًا من غير المسلمين فإن الله يجازيه على ذلك في الدنيا. يمكن أن يكون الجزاء في شكل صحة، مال، سمعة طيبة، أو شعور داخلي بالرضا أو ثناء وتكريم من البشر حوله. لكن الجزاء الأخروي يتطلب الإيمان؛ لأن دخول الجنة يعتمد على رحمة الله واتباع سبيله.
خامسًا: النية والهدف من العمل في الإسلام، النية هي روح العمل. فالأعمال التي تهدف لإرضاء الله تُثاب عليها في الآخرة، أما من عمل لغاية دنيوية، فقد يُجزى في الدنيا حسب نيته. الله يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} (هود: 15).
سادسًا: فرص الهداية والإيمان متاحة للجميع: إنّ الله سبحانه وتعالى يفتح باب الهداية لكل إنسان. إذا عاش الإنسان حياته بعيدًا عن الإيمان بالله وتُوفي على ذلك، فقد اختار أن يرفض رسالة الحق رغم وضوحها، والله أعلم بما في قلوب عباده.
سابعًا: رحمة الله وعدله: لا يمكن لأي إنسان أن يحدّد مصير الآخرين بشكل قاطع. وليس لنا إلا أن نحكم على الظاهر لا البواطن، ومصائر العباد في الآخرة بيد الله وحده. قد يرحم الله من يشاء بحكمته وعلمه. ومع ذلك، القرآن والسنة بينا القواعد العامة للثواب والعقاب.
ثامنًا: دعوة للتفكير والتأمل: إن مثل هذه القضايا تدعونا للتأمل في نعمة الإيمان والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. من واجب المسلمين إيصال رسالة الإسلام بلغة الرحمة والعدل حتى يعلم الناس أن النجاة لا تعتمد فقط على العمل الصالح؛ بل على الجمع بين الإيمان والعمل.
تاسعًا: نصيحة ختامية:
أنصحك ألا تنشغل بهذه القضايا التي يتحدّث فيها الناس ابتغاء عرقلة مسيرة الوحدة بين أبناء الوطن الواحد، ولندع قضية الآخرة -بعد إيماننا الداخلي بما فيها- لأمر ربنا المالك الملك سبحانه وتعالى.
أسأل الله تعالى أن يستخدمنا وإياكم في سبيل مرضاته وهداية خلقه إليه، كما نسأله سبحانه أن يكتب الهداية لعموم الخلق، وأن ينفع بنا وبكم.. ووفقكم الله لكل خير.